أنا أب اختبرته الأقدار فى أعز ما يملك فى الحياة فلذة كبدى ابنى وحلمى الأكبر الذى عشت من أجله فقد داهمته الأمراض ونشبت أنيابها القاتلة فى جسده النحيل. وها هو يرقد فى فراش المرض على كف الرحمن بين الحياة والموت. هكذا تحدث الأب المكلوم جميل لبيب الذى حضر إلى «الأهرام المسائى» يحدوه الأمل فى أن يجد ابنه العلاج الذى ينقذه من الموت. قال الرجل: أنا مدرس أعيش فى بيتى على قدر دخلى البسيط ومستور والحمد لله اجتهدت طوال عمرى ألا يكون أولادى فى حاجة لأحد كنت أوفر لهم قوت اليوم والمتطلبات الأساسية وفق قدراتى، وكنا نتعايش مع الدنيا ونتحمل قسوتها برضا وقناعة. ولكنها الأقدار التى كانت لها مشيئة أخرى فقد داهم المرض بشكل مفاجئ ابنى هانى الذى كان شابا يافعا يمتلئ حيوية ونشاطا محط أنظار كل من رأوه. كان فرحة عمرى كله هو وإخوته فجأة انطفأت نضارته وتبدل حاله من النضارة والصحة إلى هزال دائم ونوبات من الإغماء تقتحم عليه وعيه بشكل متفاوت كل بضعة أيام. حملته وهرولت به إلى المستشفيات حتى استقر بى الأمر فى مستشفى قصر العينى حيث أجريت له فحوصا طبية دقيقة، وعرفت من الأطباء أن ابنى مريض بحالة صرع وبقى فى المستشفى فترة فى العناية المركزة خرج بعدها بعد أن وصف له الأطباء روشتة علاج دائمة يعيش عليها. ارتضيت بما كتبته على الأقدار ويعلم الله كم كنت أكابد من أجل أن أوفر لابنى علاجه الشهرى حتى لو كان ذلك على حساب قوت يومنا أنا وأمه وأشقائه حتى جاء يوم فوجئنا بأنه مطلوب للتجنيد بالقوات المسلحة وعبثا حاولنا إقناع إدارة التجنيد بأنه مريض بحالة صرع ويعيش تحت العلاج المستمر، وبعد أن باءت كل محاولاتنا بالفشل دخل هانى الجيش، وبعد فترة ليست بالقصيرة وبمحاولات عدة لإعادة عرضه على لجنة طبية تعيد فحصه خرج ابنى من الجيش بقرار رفت طبى ولكنه خرج ليس كما دخل فقد كان للفترة التى بقى فيها بالجيش تأثيرا سلبيا عليه وتدهورت حالته الصحية للغاية وكثرت حالات سقوطه مغشيا عليه وهرولت به إلى المعهد القومى للجهاز الحركى العصبى بامبابة حيث أودع فى العناية المركزة لفترة وتحتم بعد ذلك عرضه على طبيب إيطالى كان فى زيارة لمصر خاصة بعد أن تدهورت حالته وفقد القدرة على النطق وانتابته حالة من الشلل الرباعى وقرر الطبيب الإيطالى حتمية سفره للعلاج بالخارج، وقال إنه لو بقى على هذه الحال فما هى إلا فترة ويقضى أجله. وأسرعت بتقديم طلب للمجالس الطبية المتخصصة لسفره للعلاج بالخارج على نفقة الدولة فأنا قد بعت كل ما أملك على علاجه، ولم يتبق لى ما أساعده به وبالفعل صدر قرار بسفره، ولكن صادف أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير وانقلبت الأحوال ولم يتم تنفيذ قرار سفر ابنى للخارج بسبب الظروف السياسية الجديدة التى ترتبت على الثورة. حاولت جاهدا أن أعيد استصدار قرار جديد بسفر ابنى للخارج دون جدوى ومضت سنوات ثلاث عليه، وهو فى فراش الموت يحتضر بين الإفاقة والغيبوبة دون أن يتحرك ساكن لأى مسئول فى وزارة الصحة وينقذه من مصيره المحتوم. وصمت الرجل وغرق فى عبرات من الحزن واستطرق قائلا إنه أتى إلى الأهرام المسائى يطرق الباب الأخير للرحمة طمعا فى كرم الخالق عز وجل أن يهيئ له من يمد لابنه طوق النجاة من لجة الموت مناشدا الفريق صدقى صبحى وزير الدفاع أن يترأف بحال ابنه ويأمر بنقله إلى أحد مستشفيات القوات المسلحة وعلاجه لعل الأمل يتجدد فى نجاته من الموت، وقال الأب المكلوم إن ابنه كان مجندا فى القوات المسلحة وتدهورت حالته، وهو فى الخدمة، أليس له الحق على الدولة أن تقدم له يد الرحمة وهو فى النزع الأخير؟ يد الرحمة رفقا بحالك يا أخى فابنك بين يدى الله سبحانه وتعالى هو أرفق به من كل البشر وما هو مكتوب له سوف يقدره الله، وما نحن غير أسباب لإرادة الله عز وجل وحتما سوف يكون هناك قلب رحيم يستشعر المرارة التى تتجرعها ليل نهار، وأن ترى ابنك يصارع الموت ضعيفا واهنا فرحمة الله لم تنعدم فى كثير من خلقه. وأضم صوتى لصوتك مناشدا الفريق صدقى صبحى لعله يستجيب لهذا النداء الإنسانى ويوجه بنقل ابنك لأحد مستشفيات القوات المسلحة وثق أن أحبال الأمل تمتد إلى ما لا نهاية طالما هناك عيش مكتوب لابنك فى الدنيا. ومن ناحية أخرى أخاطب الدكتور عادل عدوى وزير الصحة معاتبا هل قامت الثورة إلا من أجل هؤلاء المطحونين المعذبين فى الأرض؟ كيف لقرار يصدر من المجالس الطبية المتخصصة لصالح مريض يفقد صلاحيته بحجة قيام الثورة، وهل قالت لكم الثورة إن المريض تعافى وشفاه الله فارتأيتم عدم جدوى سفره أم أرواح البسطاء من أبناء هذا البلد لا قيمة لها. يا دكتور عادل المريض هانى جميل لبيب مازال رهين فراش المرض بالمعهد القومى للجهاز الحركى العصبى بامبابة، أرجو إعادة دراسة حالته والبت فيها قبل أن يفوت الأوان وتضيع حياة المريض هباء منثورا. المحرر