لا يخفي علي أحد أن أمانة الكلمة ليست فحسب لها وظيفة اجتماعية خطيرة فهي إما تصنع إنسانا اجتماعيا بين أفراد المجتمع وإما تشعل حربا تبدد الكيان الاجتماعي تبديدا, وبالتالي فإن لغة الناس أو كلماتهم تتبع ثقافاتهم ومدي رقيهم من عدمه, من أجل ذلك كان لزاما علي الحكومة السعي الدؤوب في نشر الثقافة والعناية الفائقة بمراحل التعليم والاهتمام الشديد بالاعلام من حيث تأثير الكلمة ودورها الخطير في تشكيل الوجدان المجتمعي المترابط والشعور القومي المتماسك وهو ما يقتضي الحرص الشديد علي انتقاء من يتصدي لمنابر الكلمة المكتوبة والمسموعة اذاعيا وتليفزيونيا. من هنا كان علي الحكومة أن تدرك خطورة من يعمل في الاعلام من حيث المستوي الفكري والمخزون الثقافي والمعرفي والقدرة الفائقة علي استخلاص الكلمة المناسبة وصياغتها خاصة في لغة الحوار الجماهيرية وبرامجه والشائعات والفوضي الفكرية وانحطت القيم وأصبحت الكلمة الخادشة للحياء الاجتماعي لسان حال الحياة اليومية وغير ذلك من المفاسد الفكرية والاجتماعية التي أري بعضا منها جرفت المجتمع المصري نحو الهاوية في الطرقات والمواصلات والاعلام والمدارس والجامعات وحتي البيوت ودور العبادة, فمتي يدرك مسئولو الاعلام والثقافة والتعليم خطورة الكلمة ومدي تأثيرها الفاعل في الهدم والبناء, فإن نحن أطلعنا الأبناء منذ المراحل الأولي من حياتهم علي الأدب الراقي والكلمة النبيلة شب الابن في مجتمعه راقيا نبيلا وأن نحن اطلعناه علي ما يثير فيه الغرائز والشهوة والعنف شب في مجتمعه مشوها مضطربا اميل إلي الهدم منه إلي البناء أو إلي الجريمة بشتي صورها واشكالها ثم نتباكي علي ما آل إليه حال الناس والمجتمع.. ومن يعود إلي الماضي للتذكرة إلي ما قبل ما يزيد علي ستين سنة يقلب صفحات المناهج المدرسية وجدها عزيزة الفكرة تتناول المختارات الرصينة والأقوال الحميدة, واذا ما ذهبنا إلي كتب التاريخ أطلت علينا وجوه عظماء العرب والمسلمين ومشاهير العلماء والشخصيات العلامة فتربت الأجيال السابقة علي القيم والتمثل بالقدوة حتي لغة الصحافة كانت راقية والكلمات المرسلة عبر أثير الاذاعات كانت صحيحة فخيمة فرأينا أجيال زمان وطلاب العلم انذاك يتمثلون بأصحاب القيم والاعلان في شتي جوانب الحياة فهم لا يرون إلا العمالقة والمشاهير العظماء في كل فروع المعرفة, من هنا كانت الكلمة راقية مهذبة في الطرقات والمواصلات والمتاجر والمدارس وكل مرافق الدولة المصرية أيام كانت علي الرئيس رمز العصر القادم من عصور( أم الدنيا) أن تكون أولويات اهتماماته أن قيمة الانسان ليست فيما يصل إليه من حقائق وأفكار وانما يجب أن يكون هو ذاته الحقائق والأفكار وأن يكون ظاهره عنوانا لباطنه وإلا فكيف بالنشء يرون من يحدثهم عن الفضيلة وسلوكه أبعد عن الفضيلة أو من يلقي علي الاسماع ألوانا من القيم والموروثات العربية والإسلامية العظيمة وهو ما يرونه في حياته علي النقيض مما يخبرهم به, نحن بحاجة إلي من يعبر عن حقيقة نفسه فكم من المصلحين وكم من المفكرين وكم من الوعاظ انفقوا من الزمن ولم تؤت صيحاتهم ثمارها لقد ازدحمت عقول الأبناء بالأفكار والمناهج والبحوث والبرامج وكلها كالعهن المنفوش لرعونة الكلم وضحالتها فانصرفت عقول الشباب عن هذه الصيحات وأصبح المجتمع المصري يعاني مشكلة هي الأخطر في تاريخه الحديث وبات المشهد في حاجة ماسة عاجلة إلي سياسة تربوية محورها الكلمة الطيبة حسبنا في ذلك ما روي عن النبي( صلي الله عليه وسلم انه قال لعمه العباس( ر) يعجبني جمالك قال: وما جمال الرجل يا رسول الله قال: لسانه... نعم فما أكثر ما أصابتنا الكلمة في مقتل كما يقولون في الدارجة عندما تخلت الحكومات عن دورها في العناية بخطورة الكلمة من خلال منظومة الثقافة والاعلام والتعليم وابتلينا بالمسئول النهاز القادم بالولاء فلم يكن مؤهلا لأمانة المنصب وخطورته فلم يلق بالا لخطورة الكلمة وتأثيرها في المجتمع وانها أصبحت جزءا من ثروة الأمم ابتلينا بالمسئول الذي شغلته دنياه عن الوفاء بعهد وقسم مهامه التي اؤتمن عليها فانزوت الكلمة الطيبة واختفت من المعجم اليومي لأحاديث المجتمع المصري فشاعت الألفاظ النابية حتي أن المسئول عن الاعلام والثقافة والتعليم لم يعد يتأفف من سماع هذه الألفاظ النابية وغاب عن قصد أو غير قصد لا فرق أن الديانات السماوية قد حفلت بالكلمة ومنحتها أهمية خاصة بالتصريح لا بالتلميح... ابتلينا بالمسئول الذي لم يدر أن الكلمة صاحبة السيطرة المطلقة في حياة الناس فهي التي تقود الرجال يمنة ويسرة وهي التي تنشيء الأعمال وهي التي تقيم حربا وتثير شرورا وهي التي قد تهدي إلي الإسلام والمحبة وتبني قواعد الأمان والأمن والطمأنينة, نحن بحاجة إلي مسئول يدرك قيمة الكلمة في حياة المجتمعات فهي المعيار الأسمي والميزان الحق في التعريف بالمجتمع وسلوكه إن كان راقيا وان كان منحطا. ان الكلمة الطيبة عنوان من عناوين الجمال ندركه بآذاننا فأين نحن من قوانين الجمال وعلم الجمال في حياتنا ولذا غاب الذوق العام واختفي من حياتنا لغياب الجمال من لغتنا فإن الشعور بالجمال هو الذي ينتج شعورا عاما طيبا ينتج شعبا راقيا متحضرا لأن المجتمع الذي أخذ قسطا من الجمال كان راقيا ومن غاب عنه تقدير الجمال كان منحطا فما الكلمة الا ترجمان صادق عن أخلاق الناس وأخلاق مجتمعاتهم, ان عماد الذوق المجتمعي إدراك الجمال في كل صوره ومعانيه فإذا شاع بيننا أمكننا أن ندرك الغاية الطيبة من الكلمة الطيبة التي تقضي إلي المعاني الطيبة فلا نضحك الا من الفكاهة المؤدبة وننفر عن المسئول الكاذب الدجال ومن الصحف السبابة ونطرح من حياتنا كل سلوك قبيح ومعني وضيع حينذاك تصح فينا قولة الحكيم أعقل لسانك الا عن حق توضحه أو باطل تدحضه أو حكمة تنشرها أو نعمة تذكرها وقد حكي عن أحد حكماء العرب انه قال سهرت ليلتي أفكر في كلمة أرضي بها سلطاني ولا أسخط بها ربي فما وجدتها... وبعد أعاننا الله وإياك علي القول الطيب بالعمل وعلي والنصح بالقبول وحسبنا الله وكفي. ( ولنا عودة إن كان في العمر بقية)