بدعوة الإعلاميين العاملين في القنوات الفضائية المصرية الخاصة أو مقدمي برامج الدردشة الليلية إلي الاستراحة أو الغياب عن الشاشة يوم الانتخابات نتيجة ما يدعيه صاحب الدعوة من أن الظروف لن تكون مهيأة تماما لنقل ما يريده صاحب الدعوة, الذي يحاول ان يصور الأمر يوم الانتخابات وكأنه سيكون كله بلطجة وتزوير وتقفيل صناديق انتخابية. وفي الحقيقة فإن تلك الدعوة تطرح مجددا فكرة الخلط الشديد لدي الرعلاميين الجدد بين السياسة والمهنية الإعلامية. إذ أصبح الكثير من هؤلاء الإعلاميين يعملون باعتبارهم سياسيين أو رؤساء أحزاب, فالبرنامج لديهم صار حزبا سياسيا معارضا بالضرورة, وبسببهم أصبح الإعلام بديلا عن القنوات السياسية الشرعية. فالإعلامي أصبح سياسيا ومحققا وقاضيا, وليس اخباريا همه الأول اعلام المشاهدين. في عرف هؤلاء أصبح المشاهدون كالأطفال لا يعرفون ما يريدون وأن الإعلامي هو الوحيد الذي يعرف ما الذي يجب عليهم أن يهتم به المشاهدون ويتابعوه وليس غيره. منهج هؤلاء لا يدين أن يتحول الإعلامي إلي محرض سياسي واجتماعي, صاحب دعوة المقاطعة الإعلامية للانتخابات يهوي التحريض ويجيده, كما فعل السياسيون حين دعوا إلي مقاطعة الانتخابات وأدانوا القوي التي رفضت المقاطعة وشاركت في الانتخابات. المحرض علي المقاطعة الإعلامية هو المتهم أيضا بتحريض المواطنين علي عدم الاستجابة لتقديم اقرارات الضريبة العقارية. استخدم حريته كصحفي في غير موضعها. لم تكن مهمته فضح ما يراه من عيوب في قانون الضرائب العقارية, بل استسهل استثارة الجماهير, وها هو يحرض الإعلاميين. في الحالتين أصبح صيدا ثمينا لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية, حاصرته الكاميرات والتحقيقات الصحفية. والحاصل انه يتعرض لمحاكمة في الحالة الأولي ويتشبث بحرية الصحافة لعلها تقيله من أزمته, ولكنه في الحالة الثانية لن يتعرض لمثل ذلك الأمر, فالساحة الإعلامية مفتوحة علي مصراعيها. لا قانون يجرم مثل تلك الدعوات, وهكذا يستفيد صاحب دعوة المقاطعة من برامج تبحث عن غريب تقدمه حتي ولو كان شاذا. صاحب دعوة المقاطعة أصبح زعيما, بينما هو في الأصل صحفي ولاحقا مقدم برنامج تليفزيوني. يدين هامش الحرية المتاح بينما لم ينف أنه تعرض لضغوط أو لمنع من ابداء أي رأي في الصحافة أو التليفزيون. الرجل يرأس تحرير صحيفة ويقدم برنامج في ذات السياق السياسي الذي ينتقده ويتخذه تكاة لدعوة المقاطعة الإعلامية للانتخابات. فإذا كان السياق الحالي لا يسمح له بالعمل, فلم يستمر في عمله الصحفي والتليفزيوني؟ الإعلاميون الجدد يتصورون أن الإعلام والحرية الإعلامية ليس لها ولاينبغي أن يكون لها أية قواعد. يتصورون أن الإعلامي الحر هو الإعلامي المنفلت. يرفضون أية معايير وحتي ولو كانت من أساطين الإعلام. تجرأ صاحب دعوة المقاطعة الإعلامية فقال انه لا يوجد كتاب مهني للعمل الإعلامي. يتصور كل منهم أنه هو المرجع في عمله وليس لأحد أن يحاسبه, وإلا أصبح غير حر. ولأنهم يعملون من أجل نجوميتهم هم وهم فقط فانهم لا يعيرون اهتماما لحق المشاهد في الحصول علي خدمة اعلامية. لا يجدون حرجا في الانسحاب من عملهم في أحد أهم المناسبات التي علي الإعلام أن يوجد فيها وهي الانتخابات, وكأنهم يدعون طبيبا لينسحب من اجراء عملية لعدم توافر بعض المستلزمات غير عابئين بحياة المريض. حين تصور الإعلاميون الجدد أنهم طرف سياسي خيل لهم أنهم بمقاطعة العملية الانتخابية يشكلون ضغطا علي الحكومة لتخفيف ما يتصورونه من ضغوط تمنع انطلاقهم. يسعون للمقاطعة من أجل تحقيق ما يريدون وما يجعلهم يتبارون في مهاجمة الدولة والنيل من الحكومة. لم يقل لنا صاحب دعوة المقاطعة الإعلامية كيف ستساهم دعوته تلك في اجراء انتخابات أكثر نزاهة. لم يقل لنا صاحب الدعوة كيف يمكن لتلك الدعوة أن تحشد مزيدا من المواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية. لم يقل لنا صاحب دعوة المقاطعة ماذا لو لم يتحقق حلمه أو وهمه بأن تخرج الجماهير عن بكرة أبيها مطالبة بعودة الزعماء التليفزيونيين إلي الشاشة, وماذا لو تمت المقاطعة ولم تحقق الحكومة ما يتمناه الرجل, فهل يعود إلي عمله مرة أخري أم يواصل مقاطعته ويلزم بيته. إن دعوة المقاطعة الإعلامية, كما دعوة بعض الأحزاب والقوي السياسية مقاطعة الانتخابات, لن تفيد أصحابها بأكثر من ومضات إعلامية ولن تفيد المواطنين الذين أصبحوا وقودا للمعارك السياسية والإعلامية. لقد تحولت الساحة الإعلامية, كما السياسية, بفضل دخول اللاعلاميين واللاسياسيين إلي الساحة الإعلامية أو السياسية إلي وضع أشبه بملعب كرة القدم يتعجب فيه لاعبو كرة القدم من وجود لاعبين لا يعرفون كيف تلعب الكرة ولا متي يحتسب الهدف, ويصرون أن تدار المباراة طبقا لقواعد لا تمت لكرة القدم بصلة, ويصر كل منهم علي تطبيق ما يراه صحيحا من قواعد, فيتحول ملعب الكرة إلي ساحة حرب يسعي كل فرد من الفريقين إلي تحقيق هدفه الخاص بصرف النظر عن مصلحة فريقه أو عن لعبة كرة القدم نفسها. والأهم بصرف النظر عن حق الجماهير في التمتع بكرة القدم, فالمهم أن يقدم الجميع ما يحلو له وما يتصور أنه الحقيقة بغض النظر عن أي معايير. فالحديث عن المعايير يمثل لديهم عودة إلي الوراء والوقوع في أسر التقليدية. وبعد دخول الإعلاميين سيرك المقاطعة, تري من يكون القادم للسيرك؟! فالباحثون عن النجومية الوهمية ولو علي اشلاء المواطنين يتزايدون بشكل بات يهدد القيم الأساسية في المجتمع.