من بين الملفات الحساسة في مسألة الإعلام المصري, يبرز مبدأ حرية الرأي و التعبير, و الذي أصبح يمثل عقبة أحيانا في طريق تطبيق القانون, خشية توجيه الاتهام الأصعب في مصر الآن بالاعتداءعلي ممارسة حرية الرأي و فرض قيود علي وسائل الإعلام الخاصة لصالح النظام أو الحزب الحاكم حسب ما يوجه الاتهام من مدعيه. و يبدو أن البعض استنادا علي هذه الحالة يرتكب مخالفات عديدة و ينتهك مبدأ حرية الرأي والتعبير بممارسة سلبية, لا تؤدي للانتصار لحريات نشر و بث المعلومات علي الناس قدر ما تتسبب في خرق أعظم للقانون و اهدار قيمة الدستور. هذه المقالة لا تستهدف الدعوة و التحريض علي ممارسات البعض لحقوق النشر في اطار ممارسة حرية الرأي و التعبير, و انما تستهدف مناقشة هادئة عميقة حول مفهوم المبدأ الخالد, و حدود ممارسته, و الفارق بين نشر ما تؤمن به و بين احترام مرجعية الدولة حتي لو اختلفت عليها. فبعض الصحف و الفضائيات الخاصة تتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وفقا للقانون الوطني كونها جماعة شرعية تمارس العمل العام في اطار الدستور و القانون, و يستند هؤلاء علي أسباب يعتقدون أنها تمنحهم الحق في ذلك. و من بين أهم هذه الأسباب نزع الشرعية من الدستور والقانون و منحها للرأي العام, علي خلفية انتخاب أفراد من هذه الجماعة في البرلمان, و بالتالي فان الجماعة لا تعد محظورة لأن الشرعية الشعبية أهم و أبقي من شرعية الدستور و القانون. و خطورة هذا المنطق تنبع من اعتماد شرعية متغيرة, وهي ضعيفة الاثباتات في الوقت ذاته, فهؤلاء النواب لم يتقدموا للرأي العام باعتبارهم ممثلون للجماعة المحظورة, حتي لو كتبوا أو روجوا ما يحمل هذا المعني, فشرعية الشارع جزء من شرعية أكبر تنظمها و تحميها في الوقت ذاته. شرعية الدستور هي الأساس كونها المرجعية للقوانين المنظمة للمجتمع, و القوانين هي الشرعية المنظمة للنظام العام و لحياتنا اليومية و لعلاقات الناس, و ما تسنه القوانين يصبح اطارا لا يجوز الخروج عنه أو الانقلاب عليه. و الشرعية الشعبية أو شرعية الشارع هي في جانب أساسي منها مستندة علي القانون و مرجعيتها الأساسية هي الدستور, و أي شرعية يتم الحديث بعيدا عن هذا الاطار تمثل خروجا علي الاطار القانوني, ومن ثم لا يتم التعامل معها باعتبارها شرعية, و انما هي تحد للقانون و خروج عليه متعمد يستوجب العقاب. و تعد شرعية الناخب هي الأساس لشرعية البرلمان المنتخب من الناس, وهنا يمكن الحديث عن شرعية الشارع التي نظمتها القوانين, و حدد الدستور اطارها العام, و علي هذه الأسس تنبني شرعية الشارع, و غير ذلك من ادعاءات بالشرعية فهي مجرد هراء, لأنها لم تنبني وفقا للشرعية الدستورية و القانونية, قدرما قامت علي غير اسس أو بناء شرعي شعبي حقيقي. وقد يقول البعض انه يمارس حقه في التعبير عن الرأي, و أن الدساتر و القوانين وضعت كي تتغير, و لا يمكن تغييرها من دون الدعوة للمفاهيم الجديدة, و نشر الرأي علي الناس, و دعوتهم للانحياز و الانضمام للمفاهيم الجديدة. وأصحاب هذا الرأي محقين تماما و لا يجوز الاختلاف معهم في ما يذهبون له استنادا علي حقهم في الدعوة للتغيير, لكنهم في الوقت ذاته يسقطون من مفاهيمهم جانبا أساسيا يمثل الالتفاف عليه خروجا علي القواعد الديمقراطية, و انقلابا علي مفاهيم التغيير السلمي عبر صندوق الانتخاب. ان الخلاف مع الدستور أو مع القانون, و الدعوة لبدائل جديدة, و المطالبة بالتغيير, لا تمنح صاحبها الحق بممارسة البديل في اطار القائم, و القواعد المستقرة تلزم أنصار التغيير باحترام الدستور ومبادئه الأساسية و القانون ونصوصه حتي يتم تبديله. أما حديث الاتكال علي حق الاختلاف و الخلاف و الدعوة لتغيير الدستور, وممارسة ذلك فعلا و عدم الاكتفاء بذلك قولا فانه يمثل اعتداء علي الدستور و القانون, و يجعل من أنصار هذا المنطق خارجين عن النظام العام ومعسكر التغيير الديمقراطي الي معسكر الانقلابيين علي الستورو المحرضين علي عدم الالتزام بالقانون. الدستور حدد اطارات النظام العام للدولة و الحقوق المستحقة للمجتمع, و القانون شرع النصوص التي تنظم ممارسة هذه المبادئ و هذه الحقوق, و الدعوة للتغيير جزء من الحقوق, لكن من اطار الدستور و في حدود القانون, وهذا هو مفهوم الديمقراطية, و غير ذلك انقلاب علي الديمقراطية و دعوة للتغيير بالقوة. صحيح أن تسمية بعض وسائل الإعلام الخاصة لجماعة الإخوان و التعامل معها كونها جماعة شرعية لا يستهدف التحريض علي و استخدام القوة في التعبير عن رفض الأوضاع القائمة و الدعوة لتغييرها, لكنه يضع تدريجيا أسس تأهيل المجتمع لقبول هذه المعاني. فالحديث عن الجماعة باعتبارها قوي سياسية شرعية تستمد شرعيتها من الناخبين يعني دعوة كل عناصر المجتمع لاهالة التراب علي الدستور و القانون و اللجوء الي الخروج عليه واجتذاب الشرعية المزعومة عن طريق هذا الخروج غير الشرعي. من هنا فإن الترويج الاعلامي للجماعة و التعامل معها و تقديم عناصرها بصفاتهم السياسية و نشر أخبارهم علي الراي العام بالصاق صفة الشرعية بهم يعد خروجا علي الدستور و القانون و الترويج لخرقه و عدم احترامه و الالتزام بنصوصه, و الاطاحه به كاطار و مرجعية للمجتمع بكل مكوناته. حرية الرأي و التعبير ينظمها الدستور و القانون, و حددتها مواثيق و عهود دولية, استقرت في الضمير الانساني, و لم يكن من بينها جماعات التمييز الديني أو العنصري أو التفرقة في الحقوق علي أساس النوع أو التحريض علي العنف ضد الآخرين. ان ممارسة حرية الراي و التعبير, و العض بالنواجز علي هذا المبدأ لا تعطي الحق لأي كائن بالخروج علي المبدأ وخرقه مهما كانت المبررات, خصوصا اذا كان ذلك الخرق يخلط بين الشرعي و غير الشرعي, و يستهدف اضفاء الشرعية علي غير الشرعيين, و يسحق الاطار العام المانح للشرعية في المجتمع, و يؤهل المجتمع للانقلاب عليه. ستظل مساحة الخلاف في هذا الشأن قائمة, رغم ثبوت المرجعية, لأنه من الصعب الاتفاق في ما يتعلق بالانحيازات و الانتماءات و الاستهدافات, غير أن المؤكد وسط هذا الخلاف سلامة القصد لدي جميع الأطراف الملتزمة بالشرعية الدستورية و القانونية, و يتبقي أهمية مراجعة المواقف و اختيار الانحيازات, اما التغيير في الأطار الشرعي أو الانقلاب عليه بالترويج لمناهضي الدستور والقانون. انها دعوة لوسائل الإعلام الخاصة للتحاور, ومنح الأولوية للشرعية الدستورية في سياستها التحريرية. [email protected]