يربط البعض بين العنف و الانتخابات في مصر باعتبارهما ظاهرتين متلازمتين, تعكسان استخدام القوة و نفوذ المال في الانتخابات للفوز بمقاعد البرلمان, وهو تحليل صحيح في جانب منه, و خاطيء في جوانب أخري, خصوصا في محاولات البعض لإلصاق ممارسة العنف الانتخابي بالحكومة كخطوة لتزوير الانتخابات. أما و أن هناك تزويرا في الانتخابات لتزييف إرادة الناخبين في التعبير عن اختياراتهم فهذا صحيح وواقع عملي نعيشه منذ عهود و حقب طويلة, لكن أن نعتبر التزوير ظاهرة حكومية فهو نقص في أدوات التحليل, خصوصا و أن الظواهر المختلفة تشير إلي ان التزوير في الانتخابات تحول لظاهرة مجتمعية, تحتاج إلي جهود جبارة لتغيير ثقافة المجتمع من الاستهانة بالقانون إلي احترامه و الالتزام بنصوصه والإجراءات المترتبة عليه. من هنا فإن جانب اساسي من ظاهرة العنف الانتخابي يرتبط بثقافة التزوير المنتشرة في جوانب متعددة من مساحةمصر, ويمارسها أغلب المتنافسين بأحزابهم أو عائلاتهم و قبائلهم لنصرة مرشحيهم و مساندتهم, وهو ما يلقي عبئا مزدوجا علي المؤسسات الرسمية المعنية بمراقبة الحملات الانتخابية من ناحية و صناديق الاقتراع من ناحية أخري, خصوصا و أن التعامل العنيف مع ظاهرة العنف سيؤدي إلي عواقب وخيمة ربما تطيح بالانتخابات في عدد ليس قليل من الدوائر. و لا يمكن تجاهل الصلة بين العنف المجتمعي المتواصل بامتداد الحقب و العهود, و المتفاقم في الآونة الأخيرة, بسبب التراخي في إنفاذ القانون, وهو ما سمح لتفشي ظاهرة العنف في قطاعات عديدة من المجتمع المصري, وبين فئات مختلفة, بحيث لم يعد مقصورا علي قطاع معين أو فئة بعينها, و إنما أصبح و للأسف جزء من مكونات حياتنا اليومية, و أسلوب تعامل قطاع ليس بالقليل من المصريين مع تفاصيل الحياة اليومية. العنف الانتخابي إذن جزء من تفاقم ظاهرة العنف المجتمعي, و امتداد له زمنيا, فمنالصعوبة البالغة الفصل بين الظاهرتين, أو قصر تفسير العنف الانتخابي علي فترة زمنية بعينها, أو القاء مسئوليته علي جانب واحد من قطاعات الدولة المصرية, خصوص و أن هذا النوع من العنف ليس بجديد علي المجتمع المصري, و إنما هو يمتد بجذوره لسنوات سابقة طويلة, غير أن إتساع التغطيات الإعلامية وسرعة نقل المعلومات و الأخبار منح العنف الانتخابي أبعادا أكثر تأثيرا فيوعي الناس و معلوماتهم عن واحد من الجوانب السلبية للانتخابات المصرية. أتذكر عنف أول انتخابات بالقائمة النسبية الحزبية في مصر العام1984, ووفاة مرشحة حزب العمل الراحلة نعمات في قنا, نتيجة العنف الانتخابي و استخدام القوة بين المتنافسين و المرشحين, و هي الظاهرة التي طفت علي السطح, بعد تفشي العنف من جانب جماعات الإرهاب في المجتمع خلال نهاية السبعينات و طوال حقبتي الثمانينيات و التسعينيات, كظاهرة موصولة مع عنف أتخذ أشكال مختلفة في انتخابات السبعينات و خصوصا انتخابات عام1976, و الانتخابات التالية لحل البرلمان و إعادة انتخابه عقب توقيع معاهدة كامب ديفيد و إتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. الأمثلة عديدة علي تعمق جذورالعنف الانتخابي في المجتمع المصري, و إن اتخذ أشكالا متعددة من حيث نوع العنف أو حجم انتشاره في المجتمع, لكن المؤكد أن الانتخابات المصرية لم تخلو من العنف علي مر التاريخ ن و إن تفاوتت حدتها و أساليبه و انتماءات مستخدميه من مرحلة لأخري, حتي بلغ هذه الأيام أعلي مراحله و تأثيراته السلبية علي نتائج الانتخابات. و من الظلم البين إلقاء مسئولية العنف الانتخابي علي جهة واحدة, واتهام الحزب الوطني باستخدامه لصالح مرشحيه و ضد منافسيه لضمان الفوز بالانتخابات, مع تجاهل بقية عناصر الظاهرة و التي تستخدم فيها بقية الأطراف ذات الظاهرة, اعتمادا علي أن الرصد للعنف سيتم في أداء حزب الأغلبية بمفرده, وهي للأسف ظاهرة تواجدت ايضا في تقارير مراقبة الانتخابات خلال الدورتين السابقتين, واتسمت خلالها تقارير المراقبة بالأبعاد السياسية أكثر منها أبعادا حقوقية قانونية. ووفقا لما سبق فإن الحزب الوطني باعتباره حزب الأغلبية, أو كما يحلو للبعض تسميته بالحزب الحاكم, هو الأكثر تضررا في سمعته من ظاهرة العنف الانتخابي, و يعد المتهم الأول في المسئولية عن حدوثها, وهو مايؤكد غياب مصلحته كحزب في تفشي و انتشار الظاهرة, و يجعله أكثر إحساسا بالتوتر والقلق ممن حدوث العنف الانتخابي, غير أن هذا التفسير لا يمتد لمرشحي الحزب الذين تكونت ثقافة بعضهم وفقا لمفاهيم سياسية قديمة لم تعد صالحة للمرحلة الحالية, فلا يهتمون بتأثير ذلك علي سمعة الحزب قدر ما يغالون في أساليبهم للفوز مهما كانت الأساليب. و لا يمكن تجاهل عامل أو عنصر المتابعة الدولية للانتخابات المصرية, حيث يمنح الغرب هذه الانتخابات الأولوية في اهتماماته مقارنة بالانتخابات في بقية الدول العربية, و ذلك نظرا للثقل السياسي و الجغرافي لمصر في المنطقة, و تأثير عناصر المشهد السياسي علي مستقبل الديمقراطية و الحريات العامة في بقية دول المنطقة. متابعة الغرب للانتخابات ترتبط في جانب منها بمستقبل العلاقات بين هذه الدولة وبين الدولة المصرية, ومساحة التعاون و التكامل بينهم. صحيح أن المصالح الإقليمية ترتفع في بعض الأحيان عن تأثير التطور الديمقراطي, غير أن هذا العنصر لا يمكن تجاهله في ضغوط الرأي العام الدولي و تأثر حكومات هذه الدول بما تصدره من تقاريرسنوية أو في أوقات مختلفة لاستخدامها في ممارسة ضغود علي الدولة المصرية في هذا الملف أو ذاك. المؤكد هنا أن العنف الانتخابي عنصر ضار بالمصلحة الوطنية العامة, و بسمعة الدولة المصرية, بعيدا عن تحديد المتهم باستخدامه, و إن كان مفيدا أيضا تقديم رصد حقيقي لطبيع العنف و أسبابه و ممارسيه, دون استخدام المواقف السياسية لإلصاق التهمة بطرف علي حساب الأخرين و اعتباره المسئول الأول عن حدوث العنف لأسباب سياسية. من هنا تصبح وسائل مواجهة العنف مسئولية تضامنية مشتركة بين كل عناصر المجتمع المصري ومكوناته الاجتماعية و فرقائه السياسيين, ليس من باب سمعة الدولة المصرية أمام العالم, وإنما الأهم من منطق ضمان إجراء انتخابات نزيهة تعبر عن إرادة الناخبين و اختياراتهم للمجلس التشريعي و القبول بنتائجه و ما يصدر عنه من تشريعات باعتبارها تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب. [email protected]