سامحوني لو خرجت عن تحيزي الصريح ضد نظرية المؤامرة والقائلين بها لأقول أن هناك مؤامرة علي القاهرة. أطراف المؤامرة ليسوا من الأعداء الخارجيين, ولكنهم بعض المسئولين الذين يخفقون في إدراك قيمة المدينة التي يديرون شئونها ويقررون مصيرها. مظاهر التآمر علي القاهرة بإهمال مشكلاتها الكثيرة, بدءا من مشكلة المرور التي تبدو بلا حل, انتهاء بعشوائية التخطيط وفوضي البناء التي كادت تطمس شخصية المدينة لولا الصمود البطولي للقاهرة الفاطمية وبعض معالم وسط المدينة. مظهر الأحدث للمؤامرة علي القاهرة هي تلك الخطة الشيطانية لإغلاق المحال التجارية في القاهرة في الساعة الثامنة مساء شتاء, والتاسعة مساء صيفا. القائمون علي الحاضرة الأعظم في مصر أرهقتهم إدارة شئون القاهريين الذين يعشقون السهر خارج البيوت والتسوق الليلي, فقرروا فرض حظر إجباري علي تجول القاهريين في مدينتهم, حتي يتمكن المسئولون من اقتناص بعض الراحة ليلا. الحجة المرفوعة من جانب المسئولين إياهم هي الحفاظ علي الطبيعة الحضارية للعاصمة, وهي عبارة سمجة ومطاطة وعديمة المعني كلية. للقاهرة طابع وشخصية حضارية نعم, وأحد مكونات هذه الشخصية وهذا الطابع هو أنها مدينة ساهرة, حتي أنها تكاد لا تنام. هذا هو أحد المظاهر التي تلفت نظر زوار القاهرة, وهذا هو أحد أهم الأسباب التي تجذب زوار المدينة العريقة إليها. الأوربيون الذين يأتون للقاهرة لا يأتون بحثا عن النظام والنظافة والانضباط, فلديهم من هذا الكثير في بلادهم, مثلهم في ذلك مثل القادمين من العديد من الدول العربية. فرغم نقص النظافة والنظام المميزين للقاهرة, مازال للمدينة محبوها الكثيرون المستعدون لتحمل المعاناة لقضاء بضعة أيام في مدينتنا الساهرة. فما قد يبدو للكثيرين فوضي وعشوائية, يراه آخرون, خاصة من زوار المدينة, مظاهر للحيوية البالغة لأهل القاهرة المحبين للحياة رغم قصور وتقصير أجهزة الإدارة البيروقراطية المسئولة عن شئونهم. مطلوب للقاهرة أن تصبح أكثر نظاما ونظافة, ومطلوب لها أن تصبح أقل تلوثا وضجيجا, ولكن مطلوب لها أيضا أن تحافظ علي شخصيتها المميزة وطابعها الحضاري الحقيقي كمدينة كبري لها أهل متنوعو المشارب والأذواق والمهن والتوقيتات والساعات البيولوجية أيضا. لا نريد للقاهرة أن تنام من المغرب كما يحدث في عواصم عربية وأوربية كثيرة, لأنه إذا حدث هذا القاهرة فلن تصبح عاصمة أوروبية, لكنها ستصبح مثل أي عاصمة إقليمية في ريف مصر, وهذا ما لا نريده للقاهرة.