شاهدت الفيلم المصري ميكروفون للاخ احمد عبد الله السيد, في اطار المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج السينمائية الذي يختتم بعد غد الاحد, واصبت بصدمة ليس فقط بسبب حجم الافتعال والارتباك والرتابة الذي يحفل به الفيلم, ولكن ايضا بسبب تفشي ما يمكن تسميته هوس الاستقلال في المزيد والمزيد من اوساط شباب الفنانين في مختلف المجالات, حيث لم يعد مقصورا علي مدعي الاستقلال السينمائي, بل امتد الي الموسيقي والغناء والفن التشكيلي, كما يبدو واضحا من هذا الفيلم, الذي قال مخرجه انه قائم علي شخصيات ووقائع ميكروفون يستعرض عالما فنانيا الأندرجراوند وترجمتها الحرفية تحت الارض في الاسكندرية من موسيقيين وسينمائيين, وهواة رسم علي الحوائط.. ولا بأس بالفكرة, التي كان من الممكن ان تؤدي الي فيلم جيد, لولا الادعاء والسطحية والفكر المشوش, والإصرار علي لي عنق الاشياء للإيحاء بما هو غير حقيقي.. فقد اقتطع صانع الفيلم اولا هؤلاء الفنانين من المجتمع الذي يعيشون فيه وقدمهم لنا وحدهم, من دون عمق او خلفيات او اي شيء.. ورغم انه قال في تقديمه للفيلم بسينما الكوليزيه في تونس ان معظم من يظهرون في الفيلم شخصيات حقيقية وانه تركها تحكي قصصها الحقيقية, إلا انه لاتوجد قصص ولايحزنون في الفيلم, حيث تبدو كل شخصية وكأنها قطعت من شجرة, لأن المخرج كان مشغولا بما هو أهم: الإصرار علي انهم مظلومون ومضطهدون من دون ان تكون هناك اي أمارة علي ذلك.. ثم انك تنتهي من مشاهدة الفيلم, اذا تحملت حتي النهاية, من دون ان تشاهد الاسكندرية التي تدور كل الاحداث فيها, حيث يستخدم المخرج طوال الوقت اللقطات الكبيرة والمقربة, ويصور معظم الوقت في اماكن وشقق ضيقة, مهدرا فرصة ذهبية لعمل فيلم كبير بنفس الشخصيات في نفس المدينة الساحرة التي دخلها وخرج منها من دون ان يعرف عنها شيئا. المحور الذي يدور حوله الفيلم هو سعي هؤلاء الشباب الدائم لإنتاج اغنياتهم, وفي هذا الصدد يصرون اصرارا عجيبا علي ان يقوم مركز ثقافي حكومي بتمويلها, رغم احتوائها علي شتائم وألفاظ سوقية نابية لايمكن ان يوافق عليها اي منتج مهما كان تحرره, فما بالك بمركز حكومي؟ وهنا لا افهم كيف تستقيم فكرة الاستقلال الذي يدعونه مع السعي لأموال الحكومة؟ المهم أنه بعد رفض المركز الحكومي تمويلهم او منحهم مسرحا, يفكرون في اقامة حفلهم علي القهوة علي مسرح مصنوع من الطاولات الخشبية, ليظهر العنصر الثاني في معاناة المستقلين وسعيهم للشهادة الثقافية, والذي انتظرته طوال الفيلم ولم يخيب ظني, وهو التطرف الإسلامي, حيث يأتيهم ثلاثة شبان احدهم بلحية بطبيعة الحال ليقولوا لهم ان هناك مسجدا قريبا وانه لايصح اقامة حفلات الغناء في هذا المكان, ثم تأتي الشرطة لتزيل مسرح القهوة وتنهي معاناتنا مع الفيلم. والسؤال: ماذا لو سمح المتطرفون والشرطيون بإقامة الحفل؟ هل كان ذلك سيعني حل المشكلة؟ والأهم: هل كانت هناك مشكلة أصلا؟ ما اعرفه ويعرفه الجميع ان كل الناس في مصر تغني من الحمام الي دار الاوبرا.. وما لايعرفه الاخ احمد عبد الله السيد ان فنانيه ليسوا الموسيقيين المستقلين الوحيدين في مصر, بل ان كل الموسيقيين مستقلون فيما عدا ابناء الاوبرا والجهات الحكومية الاخري.. ابوالليف مستقل, وفرقة واما مستقلة والشباب الذين غنوان أمي مسافرة وهعمل حفلة مستقلون الفارق الوحيد ان من ذكرتهم اعتمدوا علي موهبتهم ليصلوا الي المتلقي ولم يتكالبوا علي فلوس الحكومة! اما هواة التصوير بالكاميرا الديجيتال في فيلم الاخ احمد عبد الله السيد, فيصورون كل شيء واي شيء من دون ان يتعرض لهم احد, بل يصورون الناس من دون استئذانهم مستخدمين في ذلك كاميرا خفية وضعوها في صندوق جزم او شيء من هذا القبيل, فهل من المفروض ان نتعاطف نحن مع ذلك, او نعتبره فنا اصلا؟ اضف الي ذلك ستاتيكية المشاهد بشكل مبالغ فيه يدعو للضجر والقرف.. فالفيلم يكاد يكون عدة مشاهد يعاد عرضها مرارا وتكرارا طوال مدة العرض.. ويبدو ان الاخ احمد اراد ان ينقل لنا حالة الملل التي يعيش فيها البطل فأصابنا نحن بنقطة سيطول علاجها, فنحن نري هذا البطل نحو عشر مرات يصنع الشاي بالحليب, ومثلها وهو يفتح النافذة, فضلا عن مشاهده المكررة السخيفة مع منه شلبي, التي جاءت لتكون ضيفة شرف, فاذا بها تشارك في جريمة فنية.. وعموما هذا هو عهدنا بها في إساءة الاختيار وعدم تقديرها لموهبتها الفذة. ميكروفون صوت عال علي الفاضي, لاتجني من ورائه سوي الازعاج, ولايعني عرضه في تورنتو وقرطاج اي شيء سوي ان طلب الشهادة الثقافية له من يصدقونه, وان مهنة الخرتي السينمائي في تقدم.