ضحكوا علي زمان في المدرسة قالوا لي ان مصر بلد زراعي وذاكرت صم أنواع المحاصيل المختلفة التي تزرعها مصر وتصدرها وعرفت أن منها ما هو شتوي ومنها ما هو صيفيا ليس هذا فقط بل حفظت في التربية القومية انه لفرط أهمية الفلاحين وأمام كثرتهم العددية, فإن50% من المقاعد في مجلس الشعب مخصصة لهم هم وأخوتهم العمال! واستشعرت أيضا من حديث أساتذتي في الجغرافيا أن مصر مازالت تحبو في حكاية الصناعة, وأن جهدها كله وعزيمتها واقتصادها موجه في الجانب الأغلب منه لحكاية الزراعة ومرت سنوات ويشاء القدر أن أسافر عقب تخرجي إلي بريطانيا لأكمل دراستي العليا. كانت هذه هي الزيارة الأولي لهذا البلد الذي عرفت في حصة الجغرافيا أنه بلد صناعي وما أن وطأت قدماي أرض مطار هيثرو حتي تأهبت تماما لأري الكم المذهل من المصانع التي تملأ الطرقات, وأنني علي الأرجح لن ألمح شجرة توحد ربنا. وكيف يكون هناك شجر طالما أن بريطانيا بلد صناعي؟! وطيلة الطريق من هيثرو إلي وسط لندن العاصمة لم أر سوي لون واحد هو الأخضر, وإن كان بدرجاته صبرت نفسي وأقنعتها أن علي الاستمتاع بهذا اللون التحفة قدر المستطاع, والذي لم أر له مثيلا, رغم أنه يفترض أنني قادمة من بلد زراعي من الطراز الأول لكن اللون الأخضر استمر معي حتي قلب لندن النابض وحين أتيحت لي الفرصة الأولي لأخرج من المدينة لأذهب إلي بلدة أوكسفورد اكتشفت أن اللون الأخضر الذي استقبلتني به المدينة الحضرية الصناعية ليس إلا مقدمة لسيمفونية خضراء خزعبلية وقتها أصبت بصدمة أولية بسبب التشكك فيما درسته من معلومات ولكني كنت مصرة علي ألا ينال اللون الأخضر من ولائي التام لمنظومة التعليم المصرية التي خرجت منها إلي العالم. وكنت كلما أزور مصر في زيارة سريعة, أفاجأ بأن اللون الأخضر يتقلص مرة بعد مرة أمام الزحف العمراني العشوائي القبيح, لكني كنت أقنع نفسي أن اللون الأخضر الحقيقي هو في خارج المدينة, أي الريف حيث اللون الأخضر مترامي الأطراف ومع التطور ومرور السنوات, بدأت أتردد علي الطريق المؤدي إلي السادس من أكتوبر هنا عرفت الصدمة الحقيقية, فقد فوجئت بمبان كثيرة قبيحة مبنية بالطوب الأحمر تنافس كلا من أهرامات الجيزة الارتفاع والانتشار, والأرض الزراعية المشيدة فوقها وكأنها تدق مسمارا أخيرا في نعش الزراعة وفي كل مرة أمر فيها من هذا الطريق, أجد أن بنايات جديدة يتم بناؤها في كل مرة وقبل أسبوعين تقريبا هالني ما قرأت عن تقلص مساحة الأرض الزراعية في مصر فقد خسرت الدلتا وحدها نحو30 ألف فدان بين عامي1984 و2007, وأن مصر خسرت نحو300 ألف فدان من أرضها الزراعية! بعدها قرأت خبرا مفاده أن مجلس المحافظين في أحد اجتماعاته قرر أن يوفر جميع الأراضي التي يحتاجها المستثمرون, ولو كان ذلك علي حساب جانب من الأرض الزراعية!! لم أصدق ما قرأت! شيء مؤسف فعلا أن تكتشف أنك تعرضت لخدعة كبري مع أعز الناس لك فأنت عشت في بلد فهموك انه بلد زراعي, ثم وجدت وأنت تكبر انه يعني شكله كده مش زراعي أوي ولا حاجة, وإنه رامي علي صناعي وتستمر اكتشافاتك, تجد أنه كمان مش صناعي أوي ولا حاجة وتجد نفسك معلقا في الهواء يا تري أنا زراعي ولا صناعي؟ وتجد زملاءك القدامي يؤكدون لك أنك لم تكن يوما هذا أو ذاك فإذا كنا بلدا زراعيا فأين الخضراوات والفواكه بأسعار في متناول المواطن العادي؟ وإن كنا بلدا صناعيا, فماذا صنعنا؟ وماذا صدرنا؟ مجرد سؤال! [email protected]