للباحث السياسي قليل من الاهتمام بالكثير من القضايا المجتمعية ربما لظنه أنه ما أن تنصلح حال السياسة فإن كل الأحوال الأخري سوف تكون علي أحسن حال. والواقع يقول عكس ذلك تماما وجاء اكتشافه في تلك الأيام التي عشتها في دولة قطر في مطلع التسعينيات عندما كما جرت العادة يتجمع مجموعة من المصريين يرتاحون لبعضهم البعض, وتكون الصداقة بينهم واحدة من سبل التعامل مع الغربة, والشوق إلي مصر, والتفاعل بين مهن وثقافات شتي. ومن بين المجموعة التي تكونت كان واحد منها جراحا للأطفال, وكان عاشقا لمهنة الجراحة, ومنه عرفت أنه جاء إلي الدوحة ليس بحثا عن المال, وإنما لأنه لا يطيق البعاد عن غرفة العمليات التي حرم منها في مصر بعد أن تجاوز سن الستين. وكانت هذه هي المرة الأولي التي أعلم فيها أن هناك سقفا سنيا لهذه المهنة, ولكن صاحبنا لم تكن هوايته تمزيق الأجساد, وإنما إنقاذها, خاصة لو كانوا أطفالا. وفي المساء كنا نتداول القصص, ومن ناحيتي كنت مستشارا سياسيا في الديوان الأميري لدولة قطر ومن ثم فقد كنت أعرف كثيرا مما يجري ليس فقط في الدولة ولكن في المنطقة أيضا, ولذا كانت لدي قصصي التي أقولها دون أن أخل بالمسئولية الواقعة علي عاتقي. ولكن صاحبنا الجراح, الذي كان دائما ما يبدأ الجلسة مكتئبا, فقد كان يحكي الكثير عن ممارسة العنف ضد الأطفال, وكذلك النساء.. وهكذا كنا نغوص في أبعاد نفسية واجتماعية واقتصادية كنا نظن أنها تمنع, فإذا بها تسمح, بممارسة أشد أنواع العنف ضد الزوجات والأبناء, أو من يعتقد بعضنا أنهم الأكثر ضعفا. تذكرت ذلك عندما جاءتني دعوة كريمة من السيدة الفاضلة سوسن حسين لحضور دعوة تعقدها جمعية تحسين الصحة, وهي جمعية عريقة من جمعيات المجتمع المدني, لمناقشة موضوع العنف ضد النساء. وعند بحثي للموضوع وجدت مجموعة من الحقائق التي لا بد من وضعها في الأذهان. فطبقا لتقرير مصر في أرقام الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس2010, وصل عدد الإناث في مصر حتي أول يناير2010, إلي37 مليونا و975 ألف أنثي, فيما وصل عدد الذكور إلي39 مليونا و726 ألف ذكر. وبالنسبة لتقدير عدد السكان وفقا للنوع وفئات السن في يوليو2009, فقد بلغ عدد الإناث أقل من5 سنوات3 ملايين و973 ألف أنثي, ومن5 إلي10 سنوات3 ملايين و910 آلاف, ومن10 إلي15 سنة3 ملايين و925 ألفا, ومن15 إلي20 سنة4 ملايين و391 ألفا, ومن20 إلي25 سنة4 ملايين و55 ألفا, ومن25 إلي30 سنة3 ملايين و414 ألفا, ومن30 إلي35 سنة مليونين و442 ألفا, ومن35 إلي40 سنة مليونين و475 ألفا, ومن40 إلي45 سنة مليونين و134 ألفا, ومن45 إلي50 سنة مليونا و895 ألفا, ومن50 إلي55 سنة مليونا و600 ألف, ومن55 إلي60 سنة مليونا و109 آلاف, ومن60 إلي65 سنة850 ألفا, ومن65 إلي70 سنة583 ألفا, ومن70 إلي75 سنة409 آلاف, ومن75 فأكثر382 ألفا. وفيما يخص التعليم يصل عدد الفتيات المقيدات بالتعليم الجامعي في الجامعات الحكومية في العام الدراسي2009/2008 إلي929939 طالبة, فيما يبلغ عدد الطلاب975012 طالبا. أما الفتيات المقيدات بالتعليم الجامعي في الجامعات الخاصة في العام الدراسي2009/2008 فوصل إلي20538 طالبة, فيما وصل عدد الطلاب إلي34668 طالبا. ووصل عدد خريجات الجامعات الحكومية في العام الدراسي2008/2007 إلي176000 طالبة, في حين وصل عدد الطلاب إلي141298 طالبا. أما خريجات الجامعات الخاصة في العام نفسه فقد وصل عددهن إلي2888 خريجة, فيما وصل عدد الخريجين من الذكور إلي4098 خريجا. وبالنسبة للعمل وصل عدد الإناث في قوة العمل(15 سنة فأكثر) عام2008 إلي5 ملايين و532 ألف أنثي, فيما وصل عدد الرجال إلي19 مليونا و120 ألف رجل. ووفقا لتقرير التنمية البشرية في مصر عام2010, فإنه علي الرغم من أن الفجوة في التعليم بين النساء والرجال خلال الفترة الممتدة من عام1980 حتي الآن قد انتهت, إلا أن ذلك لم يحدث في العمل, وتتساوي نسبة البطالة بين الإناث والذكور حتي سن ال19, أما في سن ال21 فتقفز معدلات البطالة عند النساء لتصل إلي ضعف معدلاتها عند الرجال. وربما توجد هنا أولي لبنات التمييز بين الرجل والمرأة التي تقوم علي بذور عدم التكافؤ بين الطرفين. وهو تمييز من الصعب تقدير مداه, وقد أرجع العديد من الدراسات ظاهرة التمييز ضد المرأة إلي العديد من الأسباب. أول هذه الأسباب, يتعلق بما يسمي ثقافة الأسرة, حيث يتجه العدد الأكبر من الفتيات بعد سن الحادية والعشرين إلي الزواج, وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلي ترك العمل, لاسيما في حالة انتقال المرأة إلي مكان عمل زوجها الذي يمكن أن يكون في محافظة أخري. فضلا عن أن عددا لا بأس به من الأزواج يفضلون ترك زوجاتهم للعمل من أجل التفرغ لشئون المنزل, بل إن بعضهم يشترط ذلك قبل الزواج, خاصة إذا كان من ميسوري الحال. وثانيها, الصعوبات التي تواجه مسألة نقل أو انتداب المرأة في مكان آخر بالعمل, الأمر الذي ينتج تداعيات سلبية علي استقرار أسرتها, وتضطر بعض النساء إلي ترك وظائفهن في حالة رفض طلبات نقلهن أو انتدابهن. وقد كانت مشكلة انتقال المرأة من مكان إلي آخر بعيدا عن أسرتها أحد المبررات التي استعان بها الفريق الرافض لتعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة, وهي القضية التي أحدثت جدلا واسعا في مصر بعد القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية لمجلس الدولة التي عقدت في15 فبراير2010, برفض التصويت لتعيين المرأة قاضية بالمجلس بنسبة87%, حيث رفض القرار334 عضوا, وأيده42, فيما امتنع4 عن التصويت. وبالطبع واجه هذا القرار تنديدا واسعا من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي اعتبرته نوعا من التمييز ضد المرأة, فضلا عن أنه يؤشر إلي وجود مجتمع ذكوري يتبني نظرة دونية ضد المرأة, ويري أن مكانها الطبيعي هو البيت فقط. حتي توضع الأمور في نصابها فإن العنف ضد النساء لا يقتصر علي مصر, إذ إنه يمثل ظاهرة دولية, فوفقا لبعض الإحصاءات, فإن امرأة من كل ثلاث نساء علي مستوي العالم تتعرض للعنف الجسدي. أما في مصر ووفقا لدراسة للمركز المصري لحقوق المرأة فإن83% من المصريات و98% من الأجنبيات( الشغالات غالبا) في مصر تعرضن لجميع أشكال العنف بدءا من العنف اللفظي وصولا للجسدي. وقد أصدر مجلس البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية دراسة أجريت علي عينة تكونت من4408 رجال ونساء, أوضحت أن28% من عينة النساء يتعرضن للعنف الجسدي, وأن62.6% يتعرضن للعنف النفسي, و61% للعنف المعنوي واللفظي, فيما كشف4 من كل5 رجال في العينة أنهم وجهوا نوعا من أنواع العنف النفسي ضد زوجاتهم. ويمكن إرجاع ظاهرة العنف ضد المرأة إلي أسباب عديدة: أولها, غياب ثقافة الحوار في العلاقة الزوجية. وثانيها, المشكلات الحياتية اليومية كارتفاع الأسعار علي سبيل المثال. وثالثها, عدم وجود إطار قانوني يحظر إساءة المعاملة داخل الأسرة المصرية. أما بالنسبة للعنف المرتبط بختان الإناث فيشير مسح النشء والشباب الذي أعده مجلس السكان بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء, إلي أن4 بنات من5 مازالت تجري لهن عملية ختان في مصر, علي الرغم من أن هذه الظاهرة موجودة علي نطاق واسع بين الفئات الأكبر سنا, وهو ما يشير إلي أن القانون الذي أصدرته الدولة مؤخرا والتعديلات التي أجريت علي قانون الطفل عام2008 أنتج تداعيات إيجابية في هذا السياق. وقد أثيرت مؤخرا مع مبالغة ما مشكلة التحرش الجنسي, التي هي عبارة عن معاكسات وتمت المبالغة أيضا في الحديث عن الانتهاك, لكن عموما يرجع ذلك إلي أسباب متعددة منها رغبة الرجل في السيطرة علي المرأة, والنظرة التقليدية للمرأة في المجتمع, وغياب الإطار القانوني الذي يحظره, وهو غير مرتبط بالسن أو الحالة الاجتماعية أو الملبس, وقد أطلق المركز المصري لحقوق المرأة منذ ثلاثة أعوام حملة شارع آمن للجميع, وأعدت بعض منظمات المجتمع المدني مشروعات قانون لمواجهة ظاهرة التحرش. وتنوي مصر طرح فكرة خريطة التحرش7 التي تتيح للنساء اللاتي يتعرضن للتحرش الإبلاغ عنه فورا, من خلال إرسال رسالة نصية إلي جهاز كمبيوتر مركزي مخصص لهذه الحالات. علي أي حال, فإن دراسة ظاهرة العنف ضد المرأة ينبغي أن تأخذ في اعتبارها محددين: الأول, انخفاض عدد الدراسات والبحوث التي عالجت هذه القضية, فضلا عن غياب التقديرات الدقيقة لظاهرة الضرب والاغتصاب الزوجي علي سبيل المثال والتي ربما تؤدي إلي حدوث مبالغات عن حجم حوادث التحرش والعنف ضد المرأة. والثاني, أن ثمة عنفا مضادا ضد الرجل, ربما لا يرقي إلي مستوي العنف الممارس ضد المرأة لكنه موجود. فقد كشفت دراسة حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن النساء المصريات سجلن أعلي نسبة في العالم في ضرب الأزواج, حيث وصلن إلي28%, متفوقات علي المرأة الأمريكية التي حازت علي23%, ثم المرأة الهندية11%. لكن اللافت في الدراسة هو ارتفاع نسب هذه الظاهرة في المناطق الراقية, عكس المناطق الفقيرة التي تصل فيها النسبة إلي18% فقط. وترجع الدراسة ذلك إلي أن الاعتراف بالتعرض للضرب يبدو أكثر قابلية في المناطق الراقية عنه في المناطق الفقيرة. وحسب الدراسة, فإن هذا الضرب ينقسم إلي أنواع, فهناك الضرب الذي يهدف إلي الشعور بالألفة بين الأزواج, وهناك الضرب الدفاعي الذي يهدف إلي الرد علي عنف الزوج, وهناك الضرب الانتقامي ردا علي تعرض الزوجة للخيانة من قبل الزوج. علي أي الأحوال فإن الأمر يظهر واحدة من الظواهر العامة في المجتمع التي لها أسبابها المتعددة, وربما يكون تعليم المرأة وتمكينها بالعمل والتمثيل السياسي سبيلا إلي الحد منها, ولكنها تظل لها أبعاد اجتماعية ونفسية لا يزال المجتمع المصري لا يتمتع بذلك القدر من الشجاعة للتعامل معها. [email protected]