منذ عدة أيام, أقامت إحدي الصحف العراقية, حفلة تحليلية, بمناسبة تمكن العراق من كسر الرقم القياسي لبقاء الدولة بدون رئاسة وزراء, علي المستوي العالمي, وتمت تسمية تلك الحالة باسمها التقليدي وهو الفراغ السياسي, فمنذ زمن طويل لم يعد أحد يتذكره, أجريت في العراق انتخابات عامة, وأسفرت تلك الانتخابات عن نتائج حرجة, لم تكن تمكن المالكي أو علاوي, أو حسب تسميات أخري, التوافق والتكتل, من تشكيل الحكومة بمفرده. ولقد سارت الأمور سيرتها المعتادة, فقوة الأحزاب المتوسطة, في نظام سياسي كالعراقي, لاتعتمد فقط علي أرقام الصناديق, لكن القدرة علي التحالف مع الآخرين, المشكلة أنه في ذلك النظام السياسي أيضا, لاتتوقف المسألة كذلك علي الصناديق أو التحالفات, وإنما علي' العامل الخارجي' أيضا. في ذلك الوقت, شكر علاوي دول الجوار, وخص بالذكر إيران, علي عدم تدخلها في الانتخابات, ولأنه سياسي مخضرم, فإنه علي الأرجح كان يتمني ألا تتدخل في مرحلة ما بعد الانتخابات, لكن حدث ما كان مقدرا, ولم يتم تشكيل الحكومة حتي تاريخه. إن مثل هذا النوع من الفراغ قد حدث مرارا في عدة دول, أولها لبنان, التي استمرت لفترة طويلة بدون رئيس وزراء, وكان التفسير بسيطا للغاية, فالدولة في لبنان لاتقدم للمجتمع الكثير, وهناك دول داخل الدولة تتكفل بشعوبها, لكن الأهم أن هذا حدث أيضا في دولة مثل بلجيكا, وكان التفسير بسيطا أيضا, فما هو سيادي في بروكسل, أي دفاعي وخارجي محدود, أما بقية الخدمات العامة, فإنها كانت تسير في طريقها المعتاد, بفعل قوة الأنظمة الخدمية غير السياسية. لكن لماذا تبقي دولة مثل العراق في ظل تلك الحالة لفترة طويلة, فمن المؤكد أن الأنظمة الخدمية غير قوية, وأن الأنظمة الأمنية غير قادرة علي القيام بمهامها, ولايمكن القول أن الشعب أقوي من الدولة, فالشعب ذاته يواجه انقسامات حادة, وبالتالي يظل السؤال قائما, فلماذا تتمكن العراق من البقاء بدون حكومة لتلك الفترة, ولاأريد هنا أن أقدم تفسيرات, فالعراق تحتاج إلي نظريات كاملة لشرح وضعها الحالي, لكن المهم أن أحدا في المنطقة الخضراء لايبدو مصابا بالقلق, فماهي القصة بالضبط؟. [email protected]