لا شيء يحمي البشر ضد التحيز الغبي والعنصرية والطائفية السياسية والدينية أكثر من الحقيقة التي تؤكدها الأعمال الأدبية العظيمة, بأن الرجال والنساء في جميع الأوطان والأمكنة متساوون, وأن الظلم وحده هو الذي يبذر بينهم التفرقة والخوف والقهر.المقطع الذي كتبه الكاتب البيروي ماريو فارجاس يوسا في واحدة من مقالاته النقدية المهمة( لماذا الأدب؟) ونشرها في مجلة( ذانيو ريبابليك) في2001, يلخص بامتياز رؤيته وتقديره لقيمة الأدب كسلاح ليس اقل أهمية ولا تاثيرا من أشد اساليب السياسة راديكالية. وبحصوله علي جائزة نوبل للاداب2010, يبقي يوسا ليس فقط من أكثر كتاب أمريكا اللاتينية عالمية وانتشارا وشهرة في العالم, وانما اكثرهم ايضا ترجمة للغة العربية, اذ يعد من القلائل الذين يحظون بمتابعة مستمرة من طرف المترجمين والناشرين العرب لأعمال هذا الروائي المتميز الذي تجمع كتاباته بين جماليات الأسلوب والشكل الروائي المتجدد, دون الخروج عن الخيط الواقعي الجريء الذي يجعل من الرواية تأريخا ذاتيا لتاريخ جماعي تشكل في المحن, والحروب والجغرافيا المنظورة للمآسي والتراجيديات الكبري. ورغم تاريخه المبكر مع الأدب خلال سنوات دراسته بالأكاديمية العسكرية في بيرو عندما كان يعمل صحفيا هاويا باحدي الصحف المحلية بليما, لم يعرف القارئ العربي يوسا الا بعد أن تصدي المترجم المخضرم صالح العلماني لمشروع ترجمته في نهاية التسعينيات, بداية بترجمة( دفاتر دون ريغوبرتو)1998, و( في مديح اخالة)1999, و( من قتل بالومينو موليرو)1999, و(حفلة التيس)2000, و( الفردوس علي الناصية الأخري)2004, و(رسائل إلي روائي شاب)2005, و( شيطانات الطفلة الخبيثة)2007. بدأت علاقة يوسا المولود في1936 لأسرة تنتمي إلي الطبقة المتوسطة, بالأدب في وقت مبكر جدا نشر أولي قصصه القصيرة في عام1957 وكان عمره21 عاما, بقصتين قصيرتين هما الزعماء و الجد خلال عمله في صحفيتين محليتين ببيرو. انصب اهتمامه منذ البداية بانتقاد القمع العكسري والسياسي والسياسات الدكتاتورية, وهو ما برز منذ روايته الأولي زمن البطل التي نشرت في عام1963 وتناول فيها الكاتب فترة التحاقه بالمدرسة العسكرية بليما, ونجح من خلالها في جذب انظار النقاد, فحازت جائزة النقاد الأسبانية, الا ان انتقادها, العنيف للمؤسسة العسكرية اثار جدلا كبيرا في بيرو, وهاجم عدد كبير من جنرالات بيرو الرواية واتهمومها بأن وراءها عقلا منحرفا بل اتهم عدد منهم يوسا بأنه مدفوع الاجر من قبل الاكوادوريين للتقليل من احترام الشعب للجيش البيروي. وخلال الستينيات قدم عددا كبيرا من الروايات التي لاقت نجاحا ورواجا كبيرا داخل امريكا, أهمها علي الاطلاق في تلك الفترة كانت روايته الثانية( البيت الأخضر)1965, التي حازت الكثير من الجوائز الأدبية, ويعتبرها البعض إلي اليوم ليست فقط أهم أعمل جارسيا وانما اهم روايات امريكا اللاتينية علي الاطلاق, حتي ان الناقد الأدبي جيرالد مارتن أحد أهم نقاد أمريكا اللاتينية وصفها بأنها واحدة من أعظم روايات أمريكا اللاتينية وأعقبها في1969 بروايته المثيرة للجدل محادثة داخل الكاتدرائية ويهاجم من خلالها كلا من الصراع الطبقي ودكتاتورية نظام أورديا في بيرو. كان اقتحامه الدائم لعالم التابوهات والمحرمات وتعريته الدائمة لأقنعتنا البشرية أو ما يسميه هو شيطاناتنا أحد أهم أسباب انجذاب القارئ العربي له. كما أن ملامسة الرؤي( الأبيقورية) في أعماله بداية من حفلة التيس التي عرفه القارئ العربي من خلالها, إلي( الفردوس علي الناصية الأخري), ثم تعمقه في ذلك الحس الأيروتيكي في في مديح زوجة الأب اذ يحطم في رائعته تلك نظرية الطفل البريء, ويقوم بتكسير تابو البراءة المزعومة للطفل. بهذه الطريقة كان يوسا يعري بقسوة العنف, والفساد الأخلاقي, والنفاق ليس فقط علي المستوي المجتمعي وانما أيضا في المؤسسات العسكرية والسياسية. وبالإضافة إلي أعماله الروائية والمسرحيات التي تتعدي ثلاثين عملا, قدم عددا من الدراسات الأدبية والنقدية الهامة منها( المجون الأبدي: فلوبير ومدام بوفاري) و(ماركيز: قصة محطم المعبودات), والأخيرة عبارة عن رسالة الدكتوراة الخاصة به في جامعة مدريد, والتي قدمها في عام1971, عن أدب ماركيز الذي دامت صداقته به أعواما كثيرة, إلي أن دبت القطيعة بينهما في عام1976, واستمرت ثلاثين عاما, بسبب قيام لوسا خلال العرض الخاص لاحد الأفلام في مكسيكو سيتي بتوجيه لكمة قوية لماركيز طرحته أرضا في وجود الكثير من الشهود, ولم يصرح الي اليوم اي من الاثنين عن سبب اللكمة! ومنذ بضعة أعوام فقط كشف المصور الفوتوغرافي الشهير رودريجو مويا عن صور نادرة للأديب الكولومبي الحاصل علي جائزة نوبل جابرييل جارثيا ماركيز يظهر فيها وقد تورمت إحدي عينيه وأحيطت بكدمة ظاهرة عقب تلقيه لكمة يوسا. معركته مع ماركيز ليست هي الأكبر ولا الأكثر شهرة. فقد كانت زيجته الأولي والشهيرة من الأخت غير الشقيقة لوالدة جوليا من أكبر الصراعات النفسية والاجتماعية التي مر بها والهمته الكثير من أعماله فيما بعد. تزوج يوسا من جوليا في عام1955, وكان عمره فقط19 عاما ويصغرها بثلاثة عشر عاما, والف عن علاقته بها مسرحيته الأشهر( العمة جوليا وكاتب النصوص)1982, وهو ما استفز جوليا التي توفيت في مارس2010, وجعلها تؤلف كتابا ترد فيه علي يوسا أسمته( مالم يذكره فارجس الصغير) قالت فيه ان سبب الانفصال الحقيقي بينهما في عام1964 هو اعترافه بحبه لابنة اختها باتريسيا, وتحولت المسرحية فيما بعد الي فيلم سينمائي في عام1990 بطولة كينو رفيز وبابارا هيرشي. وبعد الانفصال بعام واحد تزوج من ابنه عمه باتريسيا يوسا, وانجب منها ثلاثة أبناء هم: الفيروفارجاس يوسا, الان كاتب وصحفي ومعلق سياسي,(1966) وجونزالو وهو رجل أعمال1967, ومورجانا1974, وهي الان واحدة من أشهر مصوري بيرو, والذي قام معها في2002 برحلة الي العراق استمرت12 يوما, وحولها يوسا الي يوميات جمعها وصدرت بالأسبانية أواخر العام الماضي, ولاقت اهتمام العديد من وسائل الإعلام العالمية.