قد يفاجأ العديد من الزملاء و أيضا العديد من القراء عندما أقول لهم أنني من أكثر المؤيدين لقرار المجلس الأعلي للقضاء الذي يحظر تصوير المحاكمات وفقا للنص الموجود, فما بات يحدث في قاعات المحاكم أقرب إلي الفوضي, وقد استمعنا إلي الكثير من الحكايات التي يبدو وكأنها من المبالغات ولكن الحقيقة أنها قصص واقعية, مثل ذلك النموذج من القضاة الذي كان ينتظر حتي يتأكد من وجود كاميرات التليفزيون لكي يصدر أحكامه, أو ذلك الآخر الذي يرضخ لرغبة المصورين التليفزيونيين عندما يكون الصوت غير واضح فيطلبون منه إعادة بعض قاعات المحاكم تحولت إلي شاشات التليفزيون, وباتت شاشات التليفزيون هي قاعات المحاكم, وسقطت نسبيا هيبة قاعات المحاكم, وهذا الموقف من المجلس الأعلي للقضاء لا يتناقض مع النص القانوني الذي ينص علي علانية المحاكمة, والعلانية هنا تعني إمكانية الدخول إليها ومتابعتها, ولكنه لا يعني دخول وسائل الإعلام بالصوت والصورة لنقل وقائعها. هذا القرار يأتي تدعيما لاستقلال القضاء وكفالة مقومات موضوعيته وحيدته وصونا لثقة الرأي العام في القضاء والقضاة وكفالة للسير الطبيعي للمحاكمات وعدم التأثير في مجرياتها بأية صورة, وبحسب بيان المجلس الأعلي للقضاء فتلك القرارات تأتي التزاما بما نهت عنه وعاقبت علي مخالفته قانون العقوبات من أفعال الإخلال بإحدي طرق العلانية بمقام قاضي أو هيبته أو سلطته في صدد دعواه او نشر أمور بإحدي هذه الطرق من شانها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوي مطروحة أمام أي جهة من جهات القضاء او في رجال القضاء أو النيابة العامة المكلفين بالتحقيق أو التأثير في الشهود أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوي أو التحقيق أو ضده, ويسعي القرار لمراعاة عدم الخوض في الدعاوي أو التعليق علي مجرياتها أو الأحكام غير الباتة الصادرة فيها, وذلك من جانب الكافة بمن فيهم القضاة والمحامون وسائر السلطات والجهات وذلك اتقاء لإحداث البلبلة وزعزعة ثقة الرأي العام في عدالة القضاء إذا انتهي الفصل في الدعوي إلي خلاف العقيدة التي تكونت لدي الرأي العام بتأثير التناول الإعلامي. ما بين ما أضحكني بألم وقت محاكمة هشام طلعت مصطفي قبل الأخيرة أن أحد الزملاء اقترح علي أن نبث وقائع المحاكمة علي الهواء مؤكدا أن ذلك سوف يجلب أكبر إيراد ممكن من الإعلانات.