تيلو ساراتزين عضو بارز في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني, وهو اقتصادي مرموق وعضو في مجلس إدارة البنك الاتحادي في ألمانيا. أصدر ساراتزين كتابا بعنوان ألمانيا تلغي نفسها أو ألمانيا تنتحر, والسبب في ذلك حسب رأي ساراتزين هو تراجع المواليد بين الألمان وتزايد أعداد المهاجرين إلي ألمانيا, بالإضافة إلي ارتفاع معدلات المواليد بين هؤلاء المهاجرين. المشكلة التي يواجهها المجتمع الألماني حسب المؤلف مشكلة مزدوجة, فتزايد المهاجرين في حد ذاته مشكلة لما يسببه من تغيير في التركيب العرقي والثقافي للمجتمع الألماني, لكن المشكلة تصبح أكثر وطأة لأن القسم الأكبر من المهاجرين وأبنائهم يأتون من مجتمعات إسلامية, حتي ان ساراتزين يتوقع تحول ألمانيا إلي بلد إسلامي خلال مائة عام, حال بقاء السياسات والأوضاع القائمة علي حالها. كلام ساراتزين مهم ولا يجب التعامل معه باستخفاف ليس لأن ما يتنبأ به صحيح أو غير صحيح, ولكن لأن وصول مثل هذه الآراء إلي مثقفي اليسارالاشتراكي الديمقراطي يعكس عمق القلق الذي ينتاب المجتمع الألماني بسبب زيادة الهجرة. فحتي وقت قريب كان القلق من المهاجرين شأنا يمينيا, ظهر أولا بين جماعات اليمين المتطرف القومية والدينية, وانتشر منها لأحزاب يمين الوسط وهو ما يصل إلي يسار الوسط الاشتراكي الديمقراطي, حتي كاد الموقف السلبي من الهجرة والمهاجرين يتحول إلي قضية إجماع وطني. لقد نفذت الطبعة الأولي ذات العشرين ألف نسخة من كتاب ساراتزين خلال أسبوع, أما الطبعة الثانية الأكثر عددا ففي طريقها للأسواق, وكلها حقائق تؤشر علي القبول الواسع الذي باتت تحظي به مثل هذه الأفكار بين الألمان, والمؤكد أن صدور هذه الأفكار عن مفكر يساري سيتيح لها انتشارا لم يوفره لها مثقفو اليمين الموسومون بالعنصرية. ما يثير القلق بدرجة أكبر فيما نشره ساراتزين هو عدم تردده في استخدام تعبيرات لا تخلو من عنصرية في وصف المهاجرين من المسلمين, الذين يتحدث عن جيناتهم المختلفة, وعن أنهم لا يملكون شيئا يقدمونه لبناء ألمانيا أكثر من بيع الخضراوات. لا تنفعل عزيزي القارئ ولا تغضب بسبب هذه الأوصاف الذميمة, فقد قال اليمينيون المتشددون في أوروبا أكثر من هذا بكثير عن المهاجرين المسلمين منذ زمن طويل, والمطلوب ليس الغضب وإنما التفكر فيما تفعله الهجرة في مجتمعات الاعتراب, وفي تغير القيم الثقافية للمجتمعات الأوروبية من مجتمعات منفتحة ترحب بالتعددية وتحتفل بها إلي مجتمعات تخشي الغرباء وتقلق منهم, وفي أثر كل هذا علينا.