هاجس حماية الأمن القومي هو الذريعة التي يمكن أن تكون مقبولة للمجتمع الدولي إذا قررت دولة ما ممارسة سياسة التمييز العنصري ضد الاجانب سواء كانوا مهاجرين شرعيين أو غير شرعيين أو لاجئين سياسيين أو حتي من الحاصلين علي جنسية تلك الدولة بصورة طبيعية! فلعقود طويلة كانت القارة الأوروبية العجوز قبلة المهاجرون من شمال ووسط إفريقيا وبعض الدول الآسيوية وشرق أوروبا, وكان هؤلاء المهاجرين الذين يجدون طريقهم للوصول إلي مبتغاهم ووضع أقدامهم علي أراضي القارة يجدون فرص عمل جيدة جدا مقارنة بما كان متاحا لديهم في بلادهم الاصلية برغم تدني هذه الفرص في سلم الوظائف. في الآونة الأخيرة ظهرت في بعض الدول الأوروبية من بينها ألمانياوفرنسا وإيطاليا اتجاهات معادية للاجانب ورافعة لوجودهم عبرت عن نفسها في تشديد مراقبة السواحل لمنع قوارب المهاجرين غير الشرعيين واحتجازهم في معسكرات ومخيمات جماعية وترحيلهم بسرعة إلي بلادهم الاصلية ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل تعداه للتضييق علي العمال الاجانب وتصعيب إجراءات الإقامة الشرعية إلي حد سحب الجنسية من آخرين. في إطار هذه السياسة الرافضة للأجانب قامت فرنسا بترحيل آلاف المتسللين والمهاجرين من الغجر إلي بلادهم الاصلية بلغاريا ورومانيا بشكل جماعي, نال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الجانب الأكبر من الانتقادات الأوروبية جراء هذا القرار الأخير. وتحت عنوان فرنسا والغجر... الآن وبعد نشرت صحيفة هيرالدتربيون الأمريكية أخيرا تقريرا حول الإجراءات الفرنسية التي اتخذتها الحكومة ضد الغجر وترحيلهم إلي بلغاريا ورومانيا كتبه كل من روبرت زيرتسكي وأوليفيا ميلجيانيك جاء فيه أن حكومة الجمهورية الفرنسية وضعت الأسس الإدارية والشرعية المناوئة ل الغجر منذ وقت مبكر, ففي عام1912 سنت مجموعة من القوانين التي تستهدف في ظاهرها المتشردين إلا أنها كانت موجهة ل الغجر علي وجه الخصوص, حيث قامت بإصدار بطاقات شخصية كشفت بها عن نياتها الحقيقية تجاههم برغم عدم ذكر القانون للفظ غجر وذكرت بدلا منها كلمة بدو إلا أنه عند التطبيق الفعلي لهذه القوانين اتضح أن التعليمات المباشرة الصادرة للمسئولين المحليين أدت إلي ممارسة التمييز العنصري ضد الغجر. فقد سمحت هذه البطاقات للسلطات بتعقب تحركات العجر أثناء الحرب العالمية الأولي, ثم تغير هذا النظام في منتصف الثلاثينيات. وبمنطق لا هوادة فيه, أصبحت عشرات المراكز الخاصة معسكرات اعتقال للاجئين الحديثي الوصول للاراضي الفرنسية. وفي نفس الوقت قامت فرنسا بتجريد المواطنين الحاصلين علي الجنسية الفرنسية أخيرا منها. كما قامت بوضع الغجر البدو في مناطق مخصصة معللة ذلك بأن أولئك الأشخاص بلا مأوي أو وظيفة فعلية يمثلون خطرا علي الأمن القومي لذلك فلابد من ابعادهم. بالطبع لم تمارس الجمهورية أي سياسة عنصرية ضد الغجر واليهود كما فعلت حكومة فيشي, ناهيك عن المشاركة في منهجية ترحيل هذه المجموعات إلي معسكرات الموت. ففي هذا الصدد, فإن فيشي والجمهورية ليس لديهما شيء مشترك, وإنما هما مختلفان كليا. ومع ذلك, فإن العلاقة بين المراحل الديمقراطية والاستبدادية في التاريخ الفرنسي أدت إلي ملاحظة عامة وهي أن الدول الديمقراطية مثل الدول المستبدة في ممارستها للسياسات العنصرية وكرهها الاجانب. ففي رومانيا, معدل فقر السكان من الغجر يصل إلي ثلاثة أضعاف معدل المتوسط القومي, كما أن لديهم معدلا كبيرا من الأمية, وقد تصل البطالة في بعض المناطق إلي مائة بالمائة. ومنذ الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي والحكومة الرومانية تقوم علي مضض بمبادرات تهدف إلي تسهيل اندماج الغجر في المجتمع. وبالرغم من أن فرنسا لا تواجه الآن الحرب, لكنها تواجه الآن أزمات أخري مثل الركود الاقتصادي وتآكل المدن الداخلية. وهنا تكمن مشكلة ساركوزي ومباركة رومانيا, فالاتحاد الأوروبي قد انتقد طويلا عجز فرنسا الديمقراطي لكنه يمكن أن يصبح الملاذ الأخير لشعب بلا مأوي أو جنسية في أوروبا.