"تشكل كراهية الأجانب الموجهة ضد غير المواطنين وبخاصة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء أحد المصادر الرئيسية للعنصرية المعاصرة. تلك العبارة وردت في الفقرة رقم 16 من اعلان وبرنامج عمل «دربن» الذي اعتمده المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الاجانب وما يتعلق بها من تعصب عام 2001. والأسطر القادمة غير متعلقة بسياسة الدولة والمجتمع في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين او طالبي اللجوء بل بالأحري تتعلق بالسياسة الدولية سواء علي مستوي الحكومات او الشعوب بشكل عام تجاه قضايا تلك الفئات المهمشة والجديرة بالرعاية . فالظاهرة تمثل شاغلا ليس محدودا لا تنحصر أبعاده في الحدود الجغرافية لدولة موفدة او مستقبلة للهجرة بل هي تتعلق بالكرامة الانسانية التي تمتد جذورها الي النفس البشرية ولعدم القبول تحت اي ظروف تعرضها الي الاهانة او الاذلال او الخضوع الي اوضاع من شأنها ان تمثل انتهاكا جسيما لحقوق الانسان بغض النظر عن الدولة التي يتواجد علي ارضها الانسان وبغض النظر عن جنسيته او دينه او عرقه او انتمائه السياسي. فظاهرة الهجرة غيرالشرعية واللجوء لا تمثل مشكلة يتم التعامل معها من خلال سياسات تعتمد علي المصلحة المحضة للدول والتي لا تتدخل فيها الاعتبارات الانسانية، وان كان في ذات الوقت ايجاد حلول لها تعتمد علي الانتقال بتلك الفئات الاكثر تهميشا الي واقع مناسب ومأمون مغاير لمصيرها المدقع في عباب الفقر والجهل والمرض يمثل مصلحة انسانية جديرة جدا بالرعايا للمجتمع الدولي وهو الهدف الأسمي الذي يجب علي الدول وشعوبها أن تعمل من اجله، والامر في ذات الوقت يجد ما يبرره ويستند اليه بعيدا عن التفاؤل والمثالية، وقد تعطي الافكار والمعطيات الاتية دليلا علي أن الظاهرة تسترعي اهتمام لا يبني علي المصالح الحالة للدول بقدر اعتماده علي مصير بشري مشترك ينتظر الشعوب : 1- المهاجرون وطالبو اللجوء ليسوا مرضا يجب استئصاله بل هم أعضاء في جسد المجتمع الدولي ويجب علي الدول أن توجد سياسات تتسم باحترام حقوق الإنسان لمواجهة الظروف القاسية التي تعرضوا لها والتي قد لايزالون يعانوا من اثارها السلبية وفقا لوظيفة ارتضتها وهي ان تكون عضو في الجماعة الدولية. 2- عدم تطبيق التزامات الدول بتعهداتها الدولية الارادية وبقانون حقوق الانسان والاعراف الدولية المتعلقة بتقنين اوضاع المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء هو اتجاه غير محمود نحو تجاهل الطبيعة الملزمة لتلك التعاهدات والاعراف الدولية ويؤدي الي فصل القانون الدولي عن قوته وغرضه الذي انشئ من اجله في كونه وضعاً ليطبق مما يمثل تهديدا عاما يقع علي مبدأ الشرعية ويجسد اتجاها قد تكرسه الممارسة الي تجاهل تطبيق احكام القانون بشكل عام. 3- التعامل المجتمعي الجمعي مع ظاهرة الهجرة والتأكيد من خلال تنفيذ الالتزامات الدولية علي التمسك بالقناعة الأكثر منطقية والتي تؤكد وحدة المصير البشري وترسيخ لقيم العدالة والمساواة داخل المجتمع ودعمه سلوكيا يمثل اصلاحا ثقافيا واجتماعيا ليس محدود الاثر في علاقة المواطن بالدولة وبمؤسساتها وايضا بعلاقته بالمواطنين وغير المواطنين المتواجدين علي اراضيها. 4- الدعم الانساني الذي تقدمه الدول الي المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء الي اراضيها علي عكس ما يعتقده البعض يقلل من المخاطر التي تتعرض لها الدولة من رعايتها الموجهة إليهم حيث يمثل ذلك الدعم تقليصا كبيرا لشعور تلك الفئات المهمشة بعدم العدالة والكراهية والظلم تجاه المجتمعات التي انتقلوا اليها ويحد من معدلات الجريمة ويدفعهم الي الشعور بالارتباط والانتماء الي تلك المجتمعات . أعلم تماما أن الدول لديها شواغل ذات أهمية بالغة وأن ارتباط تنفيذ السياسات مرهون بمعايير ترتكز في أغلب الاحيان علي اعتبارات الأمن القومي وسيادة الدولة علي أراضيها ولكن الاهتمام الانساني بقضايا المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء وخاصة من قبل دول الشمال والالتزام بتعهداتها تجاه دول الجنوب بوصف الأولي هي الاكثر ثراء وتقدما وجذبا للهجرة واللاجئين يجد مبررا قويا في ضمير الشعوب ... في اعماقها... وارتباطها بالاخر الذي لا تفصله الحدود الجغرافية او الاختلافات القومية او الدينية او الثقافية .