للأثري علي رضوان بين علماء المصريات في الداخل والخارج, عشرات في مصر وآلاف خارجها, منزلة خاصة جدا, تتعلق بتاريخ الرجل العلمي بين أرض خوفو ورمسيس وأرض الجرمان الألمان.. لم يأت وعي رضوان بحتمية انتمائه الوطني لحضارة هذا الشعب من فراغ, خلق معه.. مثلي ومثلك, بل مدعوما بذكريات لها خصوصيتها الجغرافية. إن وعي الأثري علي رضوان بتاريخ مجيد وحضارة مازالت تبعث بآيات الفخر في أوردتنا وشراييننا بصمودها علي مر الزمان, حقيقة تجسدها أبحاثه ودراساته بالعربية والألمانية, وغيرهما من اللغات. * قلت له بداية أود لو حدثتنا عن النشأة والبدايات الأولي خلال مرحلة الطفولة؟ ** قال: ولدت في مدينة التل الكبير التي شهدت المعركة الفاصلة بين عرابي والانجليز.. وكانت جدتي التي عاصرت تلك الأحداث تحكي لي ما رأته, وكطفل صغير كنت معتادا أن اسألها عن تلك الأحداث التي كانت علي بعد خطوات من منزلنا, ومن هنا أصبح هناك ارتباط وحب وعشق للتاريخ. * وماذا عن فترة الدراسة, هل مازلت تتذكر منها شيئا ظل كامنا في الذاكرة؟ ** قال: أتذكر وأنا في المرحلة الثانوية, ومثل أي تلميذ فوجئت بكتاب مترجم عن الإنجليزية للمؤلف جميس هنري برستيد وكانت الترجمة للدكتور أحمد فخري الذي كتب في المقدمة عن شبابه وحياته وكيف بدأ, والحقيقة ان هذه المقدمة أثرت في جدا فعشقت الآثار من يومها.. والغريب أن تلك الأمنية تحققت, وصرت فيما بعد مفتشا للآثار... في شهادة علنية له, مع الأهرام المسائي, أشاد الدكتور زاهي حواس أمين عام الآثار المصرية, بإنجازات علي رضوان, ووفق تعبيراته الحرفية ضرب المثل في الوطنية في كل المواقع, ورفض كل إغراءات معاهد البحث والجامعات الغربية.. التاريخ ثم التاريخ وقال إن تاريخنا عظيم يدرك الغرب قيمته ويبجلونه أكثر منا هنا في الداخل, فأهم مادة من مواد التاريخ التي تدرس لتلاميذ المدارس في أوروبا وأمريكا واليابان والصين هي تاريخ مصر القديم لأنهم يعتبرونه نقطة انطلاقة الحضارة الإنسانية التي لا يمكن دراستها دون دراسة تاريخ مصر.. هكذا يفاجئك بحديثه محددا العلامات والنقاط فوق الحروف, من أنه لا سبيل أمام أي أمة لكي تنهض من تخلفها وأمراضها إلا عبر بوابة التاريخ ففيه ستري وتسمع وتنصت إلي ذاتها العذبة الصافية, ولن تشعر بالعجز مطلقا في سبيلها نحو المستقبل فكم من الأمم جاري عليها الزمان, غير انها نهضت وقاومت وخطت طريقها إلي الأمام. * علي هذا النحو هل تعتقد أن أحلام الطفولة كانت السبب وراء شغفك بالتاريخ فيما بعد؟ ** يبتسم عالم الآثار المصري الدكتور علي رضوان قائلا إن مرحلة الطفولة والشباب هي التي رسمت طريقه في الحياة ومهدت له السبل والفرص وصاغت الأحلام. مردفا بأنه عشق التاريخ منذ صغره من حكايات الجدة, وأن القرآن يحثنا علي التفكر في سير الأولين. من ألمانيا إلي أسيوط * إذن كان لكتاب التاريخ علي أيامك, الفضل في أن تصبح استاذا في التاريخ المصري القديم؟ ** أجاب الدكتور علي رضوان المثقف الموسوعي, الحاصل علي جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية قائلا: نعم في الصف الأول الثانوي كان مقررا علينا كتاب مترجم للآثار كتب مقدمته أحمد فخري وبعد قراءته أصررت في نفسي أن أكون مفتشا للاثار ولكن أسرتي رفضت لرغبتهم في دراستي للغة الإنجليزية, ثم التقيت بزميل لي يدرس بقسم الآثار, وطلبت منه أن أحضر معه محاضرة ووافق, وبعد المحاضرة شعرت بأني منوم مغناطيسيا فذهبت فورا إلي شئون الطلاب وقمت بالتحويل إلي قسم الآثار. * وبعد التخرج أين تم تعيينك؟ ** قال: عينت مفتشا للآثار بمحافظتي بني سويف والفيوم, وبعد فترة وجدت الدكتور عبد المنعم أبو بكر يرشحني للعمل في جامعة أسيوط, فركبت القطار وسافرت إلي مدينة أسيوط, وقابلت الدكتور سليمان حزين رئيس الجامعة آنذاك الذي رشحني بدوره لبعثة في المانيا, فسافرت عام1963 وحصلت علي شهادة الدكتوراة عام1968 من جامعة ميونخ, ثم عدت إلي مصر وتم تعييني مدرسا للآثار والحضارة المصرية بكلية التجارة جامعة أسيوط. بعدها تم افتتاح كلية الآداب جامعة أسيوط في مدينة المنيا وكنت أول محاضر في قسم التاريخ بها لأدرس تاريخ مصر القديم وتاريخ الشرق الأدني القديم, وفي عهد السادات تم إنشاء كلية الآثار وهكذا عدت إلي جامعتي الأم جامعة القاهرة, وأصبحت عميدا لكلية الآثار في عام1987 وحتي عام1993. * إذا أردنا أن نضع عنوانا لهذه المسيرة فماذا تقول عنها؟ ** علي رضوان: يمكنني أن ألخص مسيرتي بأن اقول أن افضل ما في الوجود أن تعشق ما تعمل, وأن تكون صادقا وأمينا مع نفسك وأن نعمل بجد من أجل هذا الوطن فأنا اعتز جدا بطلابي وأراهم رصيدي الحقيقي في هذه الحياة, ودائما ما أضع المثل الفرعوني القديم أمام عيني اصنع الخير وألقه في النهر فعندما يجف الماء ولسوف تجده حاضرا, داعيا الآباء بان يتركوا لأبنائهم حرية اختيار المواد والكليات التي يحبونها. ** وقال إن الأمم لا تنهض إلا بشيء أساسي وغال ألا وهو الانتماء, ولو أن هذا الانتماء غير موجود فعلي الدنيا السلام, مؤكدا أن اعظم شيء يشعل شعلة الانتماء في نفوس البشر هو دراسة التاريخ, فلما سقطت ألمانيا في يد نابليون بونابرت جاء الألمان بأكبر ثلاثة مفكرين عندهم منهم الشاعر العظيم جوته فوضعوا روشتة من سبع كلمات هي: علي الشباب الألماني أن يعرف تاريخ بلاده, هذه الروشتة هي التي أنقذت ألمانيا من مشاعر ألياس والإحباط التي تصيب الشعوب عقب لحظات الهزيمة.. وعلي نفس المنوال يقول: علي الشباب المصري أن يعرف تاريخ بلاده, لأن الذي يعرف تاريخه هو الذي يشعر ويعطي ويبدع, وهو الإنسان الذي يكون عاملا من عوامل التقدم لبلاده.