تدهور محصول الطماطم في محافظات الصعيد من حيث الكميات والجودة بسبب قيام شركات تتاجر في البذور والمبيدات الزراعية بترويج بذور تالفة أو غير ملائمة. انخفاض أسعار البذور' المضروبة' أغري الفلاحين بشرائها فكانت النتيجة كارثية. كانت وزارة الزراعة في الماضي تتولي توزيع المدخلات الزراعية من بذور وأسمدة ومبيدات وغيرها علي الفلاحين. لم يكن الحال ورديا في ذلك الزمان, فكان تسليم المستلزمات يتأخر عن المواعيد المناسبة, وكانت الإجراءات والسخافة البيروقراطية تستهلك وقت المزارعين و'تبهدل' كرامتهم, وكان كل ذلك جزءا من سياسة شاملة احتكرت الدولة بمقتضاها توفير مستلزمات الإنتاج, وتحديد المحاصيل التي يمكن للفلاحين زراعتها, كما احتكرت التجارة في المحاصيل الزراعية الرئيسية.تغير الزمان وأصبح للمزارعين الحرية في اختيار المحاصيل التي يريدون زراعتها وفقا لما تدره عليهم من دخل, وأصبح لهم الحق في بيع منتجاتهم للدولة أو لأي جهة أخري تدفع ثمنا أعلي, وبالمقابل أصبح للفلاحين الحق في شراء مستلزمات الإنتاج من الموردين التابعين للدولة أو من غيرهم, فظهرت في مصر لأول مرة سوقا للتجارة في مستلزمات الإنتاج الزراعية.السوق تجلب معها المنافسة في الأسعار والجودة وسهولة الحصول علي الخدمة, لكنها تجلب أيضا مغامرين ومجرمين لا يتورعون عن خداع المزارعين بحيل وأساليب يصعب كشفها. فالفلاح مهما بلغت خبرته لا يستطيع أن يميز بين البذور أو الأسمدة الجيدة والأخري' المضروبة', فهذا أمر لا تستطيعه سوي جهات لديها من العلم والخبرة والمعدات ما لا يتوافر للمزارعين. وهنا يأتي دور الدولة الذي عليها القيام به لأن أحدا غيرها لا يستطيع القيام به.تحرر الفلاح من سيطرة بيروقراطية الدولة وباتت لديه الحرية في اتخاذ القرارات التي تخدم مصلحته, مثله مثل أي منتج آخر في اقتصاد السوق الذي استقر في بلادنا. لكن السوق لا تنظم نفسها بنفسها, وما لم تتدخل الدولة لتنظيمها تتحول إلي غابة يخسر فيها الجميع باستثناء أكثر العناصر إجراما وخبثا. ليس مطلوبا من الدولة أن تعود لبيع السماد والبذور, وليس مطلوبا منها أن تتدخل لتحديد الأسعار, ولكن مطلوبا منها ضبط أداء الأسواق عبر إصدار شهادات الجودة والصلاحية المؤكدة, ومطاردة المروجين للسلع المعطوبة من أفراد وشركات وحرمانهم من التراخيص. الدولة المطلوبة هي الدولة المنظمة للأسواق وليست الدولة المحتكرة لها أو المتدخلة فيها, وقد فعل الكثيرون في العالم هذا من قبل, وبإمكاننا أن نفعل مثلهم هنا في مصر.