مازال المفكر الإسلامي المصري الأصل المثير للجدل طارق رمضان حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين يشغل بال المفكرين في أوروبا, حتي أصبح يشكل ظاهرة سياسية تستحق الدراسة, فهناك من يراه صاحب رؤية تقدمية جديدة للإسلام المعاصر, وبينما ينظر آخرون اليه كصاحب أفكار أصولية يخفي وجهه الحقيقي تحت غطاء الليبرالية ومن بين هؤلاء الكاتب البريطاني جون جراي الذي كتب مقالا في الجارديان البريطانية مؤخرا يهاجم فيه رمضان ويفند أفكاره التي تناولها في كتابه الجديد( البحث عن المعني: وضع فلسفة للتعددية) الصادر2010 جراي رأي في كتاب رمضان أكثر من تدريب علي فن الخطابة في اشارة منه الي عدم الوضوح والتناقض بين الأفكار واستخدام رمضان لما اعتبره لغة شعرية بدلا من مناقشة فكرة التعددية بشكل مقنع. في كتابة الجديد الواقع في244 صفحة والصادر بالانجليزية عن دار نشر ألن لان البريطانية يتناول طارق رمضان فلسفة التسامح في محاولة منه لوضع إطار فلسفي لفهم التعددية من أجل تهيئة مجتمع عالمي يسوده التعايش والحوار والتعاون, ويناقش مفاهيم وقضايا أساسية كالعلاقة بين الإيمان والعقل, والعواطف والقيم الروحية والتقاليد والحداثة والحرية والمساواة والعالمية والحضارة. ووفقا لمحاضرة كان قد ألقاها في كلية لندن للاقتصاد في أغسطس الماضي تحدث رمضان عن الكتاب مؤكدا أن المبدأ الأساسي الذي يجب أن ننطلق منه هو أننا كبشر مختلفون, شارحا فكرته: دعونا نعتبر أن كلا منا يقف عند نافذة تطل علي محيط, فرغم ان الجميع ينظر إلي نفس المحيط, الا أن كل نافذة لها زاوية مختلفة للرؤية, لذلك لابد أن نقبل حقيقة أنه لايوجد أحد يحتكر الحقيقة كاملة أولديه الرؤية الكاملة فالرؤية الشاملة للمحيط لن تتم إلا من خلال كل النوافذ معا. المنطلق الفكري الذي يبدأ منه رمضان كا محط انتقاد لاذع من قبل جراي الذي كتب: البحث عن طرق يمكن بواسطتها لوجهات النظر المتصارعة ان تتعايش هدفا لايمكن تحقيقه عن طريق طمس الاختلافات بينهم أو محاولة القول بوجود وحدة كلية تربط بينهم, حيث ننكر وجود الصراع كما يريد رمضان! ويضيف: أحد الحلول هو التسامح التقليدي, اي قبول بأن الاخر حر في تبني وجهة النظر حتي لو كنت تراها خاطئة أو مكروهة. ويضيف جراي في معرض تناوله لفكرة التعددية لدي مضان: بخلاف الزخارف الاسلامية التي يمتلئ بها الكتاب, فان رمضان لم يأت بجديد سوي تقديم نفس الأفكار أصحاب الليبرالية ما بعد الحداثية, وان كان يضيف اليها فهو لم يقدم الا مزيدا من الوهم, فرؤيته عن العالم الذي لم يعد بحاجة الي التسامح هي يوتوبيا ما بعد حداثية. ومن الأفكار التي يتناولها رمضان في كتابه فكرة الزمن اذ يقول: الزمن له مسار خطي أو دوري, طرقه منحدرة مرات, ومرات أخري مليئة بالجبال والسهول ومساحات شاسعة من الصحراء أو الأنهار, اما أن نمضي فيه قدما لنحرز تقدما, واما نظل فقط في جيئة وذهاب, كما نتعلم كيف نكون وكيف نعيش وكيف نفكر ونحب, وهو ما يعلق عليه جراي قائلا: هل يريد رمضان أن يخبر القارئ معلومة أن الزمن اما خطي او دائري ولكنه لا يخبره أيهما؟ هل من الممكن أن توجد الصفتان معا؟! ويضيف مثل الفقرة السابقة يمتليء الكتاب بعبارات مهترئة وغامضة, فيمكنك قراءة عشرات الصفحات بل والفصول بدون الحصول علي فكرة واحدة مباشرة وأضاف: اسلوب رمضان الموارب هو ما جعل منه هدفا للهجوم الشرس من قبل كل من المحافظين الجدد والليبراليين. والمعروف ان رمضان عاش عمره مثارا لجدل وانقسام بين المثقفين والأكاديميين في الغرب, فبينما تعتبره مجلة التايم البريطانية واحدا من بين100 شخصية مؤثرة في العالم وتعطيه لقب نجم اسلامي, تراه باحثة وصحفية مثل كارولين فورست في كتابها( أخي طارق) الصادر بالفرنسية2008 بعد أن قامت بتحليل مضمون ل15 كتابا و1500 صفحة من الحوارات التي أجريت معه ونحو100 تسجيل, ووصلت الي نتيجة مفادها: رمضان هو قائد حرب, وهو الوريث السياسي جده مؤكدة ان الخطاب الذي يقدمه ما هو الا اعادة لما قدمه البنا في مقتبل القرن العشرين وانه من قدم البنا كنموذج يجب اتباعه. ورمضان أستاذ محاضر سويسري في علوم الإسلام بأوكسفورد, بريطانيا وجامعة فرايبورغ سويسرا وباحث أول في مؤسسة لوكاهي, ساهم من خلال كتاباته ومحاضراته بشكل كبير في النقاش حول قضايا المسلمين في الغرب والإحياء الإسلامي في العالم الإسلامي, بالاضافة الي أنه عضو في العديد من المنظمات الدولية واللجان التوجيهية, وقد ترجمت كتبه إلي لغات عديدة. وطارق هو من مواليد سويسرا1962, كان والده سعيد رمضان, ابن مؤسس جماعة الاخوان المسلمين قد هرب من السلطات إلي سويسرا ليعيش هناك في المنفي, وقام بتأسيس مركز إسلامي بجنيف, فيما تعلم ابنه في جنيف, ودرس علوم الإسلام ونال درجة الدكتوراه في التخصص ذاته, وذاع صيته في السنوات الأخيرة من خلال محاضراته وحواراته وكتبه العديدة. وفي عام2003 أصبح رمضان نجما عالميا بعد جدال بينه وبين مثقفين يهود في فرنسا انتقدهم فيه بالدعم المطلق للسياسة الإسرائيلية أي بالانحيازية, وثارت وقتها الدوائر المحافظة في الغرب متهمة اياه بمعاداة السامية, وفيما بعد المناظرة التي أجراها عبر إحدي قنوات التليفزيون الفرنسي في نوفمبر2003 مع وزير الداخلية آنذاك نيكولا ساركوزي حول الحجاب, وعلي العكس من جراي, يجد رمضان من يدافع عنه ويراه فيلسوفا متسامحا, من هؤلاء المستشرقة الأيرلندية كارين أرمسترونج, ففي مقال نشر في مجلة الفايناشال تايمز البريطانية أواخر يوليو الماضي وقدمت من خلاله عرضا للكتاب بعنوان( بحث طارق رمضان عن الحقيقة): الكتاب عبارة عن رحلة واستهلال, كما وصفته خلال العرض بأنه يمثل صتا قويا للإصلاح والنهضة في العالم الإسلامي. وأضافت أرمسترونج, في معرض انتقادها لهجوم المثقفين في الغرب عليه: وإن كان لدي الغرب الكثير من الشكوك تجاهه فكثير من الليبراليين يوجهون إليه النقد بزعم أن الإسلام لا يعني بالإصلاح أو النهضة, وبالتالي فقد باتت الشكوك والمخاوف تهيمن علي حياتنا السياسية وكثيرا ما تمنع الآخرين من رويتنا بوضوح. وفي كتابها( من يخاف طارق رمضان.. الرجل الذي يريد إصلاح الإسلام وتغيير العالم الغربي) الصادر بالألمانية2009 تدافع عنه الصحفية والكاتبة الألمانية نينا زو فررزتنبرج, وعضو جمعية( ريسيت) لحوار الحضارات في روما مؤكدة أن الخوف من الاسلام يشل تفكير الغرب, وهو ما وضع رمضان في خانة الاسلام المتشدد.