لم أبتلع أيا من المرشدين العموميين لجماعة الإخوان, باستثناء المرشد الثالث عمر التلمساني, أحببت فيه الإشراقة الروحية والزهد وعفاف اللسان والتواضع والأدب. وعرفت بعد ذلك أن الرجل كان مجرد واجهة وصورة علي السطح, وأن رجال التشدد والتطرف من أصحاب الميول المسلحة كانوا يعزلون الرجل, وكانوا يهمشونه, وكانوا ينفردون باتخاذ القرارات التنظيمية, ويتولون تسيير كتائب الإخوان دون علمه أو بعلمه فلم يكونوا ينظرون إليه إلا علي أنه مجرد واجهة علي السطح فقط. واستمرت الأمور علي ماهي عليه في عهد المرشد الرابع محمد حامد أبوالنصر وكان فلاحا من أصول صعيدية محترمة, كان طاعنا في السن, متقدما في العمر, لم يزاول من المهام إلا أنه ملأ الخانة الفارغة تحت لقب المرشد العام.... ثم توالي الثالوث العنيف الراحلون مصطفي مشهور وجرت بيعته بين المقابر, ثم مأمون الهضيبي, ثم محمد مهدي عاكف, وفي هذه العهود الثلاثة تراجعت الطبيعة الدينية للجماعة, وتغلبت الثقافة التنظيمية السرية, مشفوعة بالرغبة في القفز علي الواقع السياسي, وقد بلغت ذروتها مع المرشد السابق محمد مهدي عاكف, بتواضع علمه, ومحدودية ثقافته, وعصبية مزاجه, وبقتالية روحه وطباعه, فهو يتجلي لك مرشدا مسلحا بقلب لا يعرف من التسامح إلا ما ندر, وأخلاق ينقصها الحلم ويغلب عليها التسرع, ورغبة غير محدودة في تسليط اللسان الحاد والجارح علي مالا يعجبه, مع حياة يبدو عليها الترف والفخامة والانفاق الباذخ والمال الوفير. في مرحلة عاكف, تجلت الميول الرأسمالية لدي قيادات الجماعة, يمارسون أنشطة طفيلية سريعة في إدرار المال ومراكمته, ويعيشون حياة البارونات والأباطرة, حيث جمعوا الثروة والسلطة معا, باسم الإسلام, وباسم الدعوة.. يدرس أبناؤهم في الجامعات الأجنبية, ويلتحقون بأندية الطبقة العليا, ويركبون أفخم السيارات الفارهة, ويسكنون الكومبوندات المحصنة, ويدخلون ويتداخلون مع نسيج طبقة البيزنس ورجال الأعمال علي وجه العموم. وأخيرا, جاء المرشد الحالي, من قلب تيار التكفير, ليقود جماعة تقف علي قمة هرم الثروة, وتتبني الفكر الرأسمالي بأكثر صوره توحشا, وبأكثر طبعاته نفعية وانتهازية.... الدكتور محمد بديع, هو مرشد يجمع بين ثقافة التكفير, وثقافة التنظيم, وثقافة الرأسمالية المغرورة المتوحشة... ونستكمل