تجديد الخطاب الديني احدي ركائز الحوار مع الآخر في الداخل أو الخارج, وهو ما يسعي إليه الداعية فاضل سليمان رئيس مؤسسة جسور للتعريف بالإسلام وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومن خلال عمله كمذيع بالتليفزيون والراديو الأمريكي يسعي إلي توضيح صورة الإسلام وتصحيح الفهم الخاطئ للدين عند بعض الجماعات المتشددة في الغرب, يري سليمان أن الوسطية الدينية هي أساس الفهم الديني الصحيح مطالبا بمركز أو هيئة للوسطية الدينية في مصر تضم علماء وتربويين مسلمين ومسيحيين لدحض أي فتن طائفية, فضلا عن تغيير الخطاب الديني بالمساجد والكنائس والفضائيات والمدارس نحو قبول الآخر والعيش المشترك بين أخوة الوطن.. الأهرام المسائي التقته وحاورته وفيما يلي نص الحوار.. * ماهو تعريفك لمفهوم تجديد الخطاب وتجديد الفكر الديني؟ ** الإسلام جاء لكي يحرر العقل, والتجديد سنة الإسلام, وبهذا فإن تجديد الخطاب الديني يعني إعادة الخطاب الإسلامي إلي أصله دون تحريف أو تأويل خاطئ حسب ظروف وواقع العصر الذي نعيشه, وكما قال النبي إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها. * وما وسائل تجديد الفكر الديني؟ ** التجديد يحتاج وسائل جديدة, أولا يجب اختيار اللغة المناسبة لشباب اليوم من خلال الإنترنت وورش العمل, وربط الدين بالحياة وليس فصلهما, بالإضافة إلي تغيير طريقة تعليم الدين بالفهم والاستنباط واعمال العقل لا بالحفظ والتلقين, فأطفال اليوم يفرض عليهم حفظ آيات من القرآن لا يفهمونها, لماذا لا نختار لهم الأيسر والأسهل مثل الآيات الخاصة بالقصص القرآني ليتعلموا منها الأخلاق والدين فيكون حفظها أيسر. * وبالنسبة لحالات التطرف الفكري الديني كيف يمكن مواجهتها؟ **يجب أن نعترف أولا أن الخطاب الديني اليوم يعاني التطرف سواء في بعض الكنائس أو المساجد, والحل أن يجتمع مجموعة من علماء الدين سواء الإسلامي أو المسيحي والتربويون لتجديد الفكر والفهم الديني دون ممالئة لأحد, للوصول بمفهوم المواطنة داخل كل مصري, فالإسلام سماها الأخوة بين الناس جميعا وليس كما يظن البعض بين المسلمين فقط, وبنص22 آية في القرآن أن هناك إنسانية في الوطن, كما يجب العمل بمنهج الوسطية في الفكر الديني واعمال العقل وقبول آراء الآخرين ومجادلتهم بالحسني لا بالتكفير أو العنف. * هل تري أن هناك أزمة في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر؟ ** لا أنكر أن المسيحيين في مصر لديهم مشاكل كثيرة ربما يكون سببها عدم نجاح أي مسيحي في أي انتخابات, فالمسلمون في غالبية الأمر لا ينتخبون المسيحي, بسبب الاستفزاز الذي يقوم به المسيحي بالحديث الدائم عن أنه مضطهد, ومطالبة بعضهم بحقهم في الترشح لرئاسة الجمهورية, وبعضهم ينحرف بأقوال متعصبة أن أصل سكان مصر هم الأقباط ويعنون بها خطأ المسيحيين, لكن كما يؤكد التاريخ أن الأقباط تعني أهل مصر مسلم أو مسيحي, فالمسلمون الموجودون الآن أحفاد أقباط مصر الذين دخلوا الإسلام, ومن هنا فالعلاقة بين الطرفين تحتاج إلي وضوح, فهناك أخوة يجب التأكيد عليها بين المسيحي بوصفه الأخ الأصغر للنسبة العددية, والمسلم بوصفه الأخ الأكبر, وهنا يجب علي الأخ الأصغر ألا يستفز أخاه الأكبر, وعلي الأكبر أن يساعد ويتعاطف مع أخيه الأصغر ولا يتعصب ضده, ويساعده للصعود في البرلمان وأن نختار منهم من يصلح ومن نحبه من المسيحيين المعتدلين بدلا من أن تفرض علينا الحكومة بعضهم, فنحن شركاء في هذا الوطن منذ2000 سنة وليس1400 سنة, يجب وقف الاستفزاز والتطرف من الجانبين. * هل الخطاب الديني يدعم مفهوم المواطنة الذي نص عليه الدستور؟ **للأسف هناك بعض المتشددين من القائمين علي الخطاب الديني يسعون للفصل بين أخوة الوطن الواحد, ومفهوم المواطنة معروف في الإسلام تحت مسمي الأخوة لدرجة أنه لدينا في القرآن أوامر ببر أخوة الوطن كما يأمرنا ببر الوالدين, والبر هنا هو منتهي التسامح. * هل الوسطية الدينية هي الحل لدرء الفتن؟ ** احدي أهم الخطوات التي يجب أن نقوم بها كمسلمين في الداخل والخارج نشر الخطاب الإسلامي الوسطي المستنير, وأطالب هنا بإقامة مركز للوسطية داخل الأزهر نفسه, فهناك أزهريون متشددون كما يوجد آخرون مستنيرون والوسطية تتطلب الابتعاد عن تسييس الدين. * ما مفهومك عن تسييس الدين؟ ** هناك تسييس للدين من قبل بعض الجماعات, ومن قبل الحكومة نفسها التي بدأت تستخدم الدين في السياسة, ومثال ذلك ما صدر من فتاوي تستخدمها في الانتخابات, مثل فتوي بأنه يأثم من يقاطع الانتخابات رغم أن المقاطعة وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي, ونطالب الحكومة والجماعات بعدم تسييس الدين. * ماهو دور مؤسسة جسور في تصحيح الفكر الديني وصورة الإسلام في الخارج؟ ** تصحيح صورة الإسلام في الغرب وأمريكا بدأ بعد أحداث11 سبتمبر, ولازم هذا الهدف تصحيح الفهم الديني عند بعض الجماعات الإسلامية التي تعمل في الخارج وتسئ بفهمها الخاطئ للإسلام, ومن هنا قمنا بعمل سلسلة أفلام بعنوان الضباب ينقشع الجزء الأول بعنوان رسالة الإسلام نستهدف به أساتذة الجامعات والسياسيين والكتاب والصحفيين من مختلف الديانات بالعالم. * لماذا التركيز علي أساتذة الجامعات؟ ** نحن نركز في خطابنا علي التربويين من أساتذة الجامعات الذين يربون الأجيال القادمة, ونحن هنا نستفيد من تجربة اليهود الذين كانوا منذ نحو خمسين عاما مضطهدين في أمريكا, لدرجة أن هناك مطاعم كانت تضع إشارة ممنوع الدخول. للسود واليهود والكلاب, فبعد قيام اليهود بالتركيز علي تحسين صورتهم لدي عدد كبير من أساتذة الجامعات نقلوا عن أنفسهم صورة جيدة, فهم فكروا بطريقة موضوعية, فلم يركزوا كثيرا علي تحسين صورتهم مع الجيل الذي يكرههم لكن وجهوا خطابهم للأجيال الناشئة من خلال التعليم ووسائل الإعلام. واستطاعوا خلال أقل من خمسين عاما تغيير صورتهم في أمريكا والغرب. وللأسف المسلمون معظمهم الآن في أمريكا وأوروبا يعملون بالجامعات ولكن لايضعون هذا الهدف نصب أعينهم, فيرون المسلمين مضطهدين فلا يحاولون تحسين الصورة. * لماذا؟ ** عدم وجود خبرة لديهم في توصيل الرسالة الصحيحة عن الإسلام, ومن هنا نحاول نحن توصيل الرسالة من خلال مجموعة من الندوات والأفلام عبر أساتذة الجامعات والمعلمين المسلمين وغير المسلمين في الغرب وأمريكا. وبالفعل وزعنا حوالي130 ألف نسخة من فيلم رسالة الإسلام, وكانت النتائج جيدة فكثير منهم استخدم هذا الفيلم كمادة تعليمية للطلاب لتعريفهم ماهو الإسلام. * كيف واجهتم الفكر الديني المتطرف الذي كان سببا في وصف الإسلام بأنه دين إرهابي؟ ** هناك جزء من سلسلة الأفلام الموجهة هو الجهاد ضد الإرهاب وتمت ترجمته إلي28 لغة منها اللغة العبرية, وهو يفرق بين مفهومين من أخطر مايمكن اليوم في المفاهيم الغربية, فالجهاد لايستطيع أحد إنكاره في الإسلام وهو ذروة سنام الإيمان, والجهاد لايمكن قصره علي جهاد النفس فقط, وهو القتال كما جاء في مواضع عديدة بالقرآن. *هل الجهاد مصطلح مرعب في الغرب؟ ** الجهاد في الغرب يعني الإرهاب وقتل الأبرياء, والكلمة تسبب الذعر, وأنا لي موقف شخصي عندما كنت في معرض الكتاب بفرانكفورت بألمانيا, وعندما خرجنا عند انتهاء المعرض واتجهنا لإحدي محطات المترو, كان الزحام في ذروته, ووقف جانبي صحفي ألماني كان بصحبتي وقال لي في سخرية هل تريد أن تجتاز الزحام بسهولة.. قل الله أكبر بصوت عال سيبتعد الجميع عن باب المترو أو قل بصوت عالي جهاد, وهذا يؤكد مايقال بكراهية الغرب للمسلمين وظنهم أنهم إرهابيون, ويعتقدون أن15% من المسلمين إرهابيون أو مؤهلون ليكونوا إرهابيين. المهم أننا من منطلق هذا نسعي للتفريق بين معني الجهاد والإرهاب, ورغم كل مايقال فإنه لايوجد حتي الآن تعريف محدد للإرهاب. * ماالهدف من الخلط في الغرب بين مفهوم الإرهاب والجهاد؟ ** في الفيلم نطرح هذا الأمر, فرغم أن زعماء العالم اجتمعوا في الأممالمتحدة عام2005, لم يخرجوا بتعريف للارهاب, وقالوا لاحاجة لتعريف الإرهاب لأن العالم يعرف ماهو الإرهاب, وحقيقة الأمر أنه لو تم تعريف الإرهاب سيدخل نصف هؤلاء الحكام السجن, فالارهاب بمعناه الدقيق استهداف غير المقاتلين لدفع أجندة سياسية وإذا طبقت هذا المصطلح سيدخل فيه سياسيون كبار في العالم ولن يكون أسامة بن لادن هو الإرهابي الوحيد. * لكن كثيرا من المسلمين لديهم فهم خاطئ عن الجهاد, ما السبب؟ ** المشكلة تجاهل تدريس هذا المفهوم لأبنائنا. فالمسلمون لديهم خجل في تدريس هذا المفهوم, والإحساس بأن طرق هذا الأمر قد يسبب مشاكل, لكن حقيقة الأمر أن عدم طرقه هو الذي يسبب مشاكل, فلابد أن تعلمه للناس بمفهومه الصحيح ليعرفوا منك بدلا أن يعرفوه ويتعلموه بمفهومه الخاطئ من جماعات متطرفة, أو يقوم بأعمال يظن أنها جهاد وهي ليست جهادا. كما أن الدولة قد تحتاج أن يقوموا بالجهاد في أي حرب وأي وقت ولاتجدهم لأنهم يفهمونه خطأ أو لايفهمون معناه وتوقيته ومكانه إطلاقا. * هل الأصل في الجهاد هو القتال؟ ** الإسلام أجاز القتال لكن في حالات محدودة, عندما تحاول تحقيق العدالة والقسط فتفشل, عندها يجوز القتال كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم, أو عند مواجهة المعتدي القاتل. * ماهي منابع التشدد الديني؟ ** السبب الرئيسي الجهل بفهم صحيح الدين, ثم يأتي قصر فهم بعض النصوص الدينية فهما خاطئا لاستخدامها في أجندات سياسية معينة. * هل الفتاوي تتغير من زمن إلي زمن؟ ** هناك موجبات لتغير الفتوي, وفق واقع العصر والزمان والظروف الموجودة يجب فهمها قبل الإدلاء بفتاوي. * ماذا عن الفضائيات الدينية المتشددة التي انتشرت شعبيتها سريعا؟ ** تمييع الدين في الإعلام الرسمي سبب ظهور شعبية هذه الفضائيات التي يبث بعضها فتاوي منحرفة, وبعضهم يفتي بأمور غريبة مثل تحريم إلقاء السلام علي غير المسلم, رغم أن إلقاء السلام علي غير المسلم من السنة النبوية وليس بحرام, وذلك بنص فتوي فيصل مولوي في أحد كتبه جواز إلقاء السلام علي غير المسلم, والغريب أن الشيخ ابن باز مفتي السعودية السابق حرم ذلك في حين أجازه فيصل مولوي, والسبب أن السعودية ليس بها غير مسلمين أما فيصل مولوي في لبنان التي تعيش بها طوائف دينية عديدة, وهو هنا استخدم فقه الواقع. * ماذا تقصد بتمييع الدين؟ ** عدم مناقشة المسائل الخلافية بين العقائد التي يريد فهمها المسلم والمسيحي, ومن هنا يلجأ للبحث عن المعلومة لدي الفضائيات الدينية الخاصة, المتشددة في بعض الأحيان. * ألا تري أن بعض هذه الفضائيات أصبحت منبر تكفير لمن يخالفهم الرأي؟ ** كلمة كافر ليست بشتيمة أو سبة ولكنها وصف, فأنا مؤمن بالاسلام وكافر بأي عقيدة أخري, لكن للأسف أصبحت تستخدم كسبة بين الأديان المختلفة. * ماهي إشكالية الولاء والبراء في الفهم الديني والتعامل مع الآخر؟ ** مسألة الولاء والبراء في الأديان مسألة قلبية, فأنا أوالي من يؤمن بعقيدتي وأبرأ ممن لايؤمن بها, هكذا تحضنا الأديان, لكنها مسألة قلبية لايجب أن تخرج للسطح وأن تعسكر من الطرفين, وللأسف فقد خرجت هذه المسألة وتم عسكرتها من قبل بعض الجماعات المتشددة ليحاربوا بها غيرهم, ونحن أبناء وطن واحد والهم مشترك, يجب ترك الأمور العقائدية وإذا تناولناها يكون في جو من المحبة. * هل مناهج التربية الدينية تحتاج لتعديل؟ ** بالتأكيد مع تغير الوقت تحتاج إلي تعديل, وهناك أشياء أخري يجب أن تناسب السن وهذا العصر.