الذين كانوا يتابعون برنامج التعليق علي مباريات الدوري الممتاز الذي كنت أقوم بتقديمه علي مدي ثلاثين عاما منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتي منتصف ثمانينياته لايزالون يذكرون كيف أن البرنامج الذي لم تتجاوز مدته خمس دقائق كان له في كل مدينة تقام فيها مباريات الدوري الممتاز مراسل يوافيه بانباء المباراة التي كانت تقام علي ستاد هذه المدينة اسبوعا بعد أسبوع,سعدت بفوز عبد الرحمن الابنودي بجائزة مبارك للآداب أولا لأنه فوز صادف أهله وجاء عن جدارة واستحقاق وثانيا لأن الأبنودي صعيدي مثلي بل هو ابن محافظة قنا التي أنا واحد من أبنائها وعادتنا نحن الصعايدة نميل الي بعضنا البعض, وكما يقول المثل الصعيدي الصعايدة بيتكحرتوا علي بعض اي يتدحرج الواحد منهم الي الآخر ويميل اليه ويسعد لسعادته, وعبد الرحمن الابنودي هو ابن قرية ابنود الي الجنوب قليلا من مدينة قنا عاصمة المحافظة, وهي قرية شهيرة منذ اكثر من قرنين من الزمان عندما خرج أهلها ينسفون أسطول الحملة الفرنسية الذي شاء له القدر ان ترسو سفنه علي شاطئ القرية فقاموا جميعهم بليل واشعلوا النار في السفن وجرجر الفرنسيون اذيال خيبتهم وباءوا بالهزيمة, وكان ذلك في الثالث من مارس1799 وقد اتخذت محافظة قنا من هذا اليوم عبدا تحتفي فيه بأبطال أبنود وتكرم ابناء المحافظة وتفتح المنشآت والمشروعات التي شيدت وتضع حجر الاساس للمشروعات الجديدة وعبد الرحمن الابنودي عندما جاء إلي القاهرة في أواخر خمسينيات القرن الماضي كان من بين ممن أحاطتهم الشهرة في محافظة قنا, فهو فارس السهرات والاحتفالات وهو الذي يقول الشعر في مختلف المناسبات ووالده أشعر منه, وعندما استقبلته الاذاعة عندما قدم لها جانبا من انتاجه الغنائي فتحت له ذراعيها فهو يقول كلاما جديدا ليس فيه من النمطية من شيء وذاع صيته في برامج الاذاعة فهو ضيف عليها بين حين وآخر ويقول قصائد حراجي القط التي كان يرسلها الي زوجته وهو يعمل في بناء السد العالي, ثم هو يتغني بالسد العالي ويتغني بالثورة ويقدم أغنيات شعبية جميلة شدا بها محمد رشدي ومحمد حمام وغيرهما وتفاعل مع الاحداث وغني له عبد الحليم تلك الاغنية الرائعة التي حركت النفوس الراكدة بسبب النكسة وأججت المشاعر وأخرجت الناس من الإحباط وهي أغنية عدي النهار واغاني الأبنودي التي ترددت علي الالسنة بلا حصر أو عدد وكل كبار الملحنين لحنوا هذه الاغاني وأغلب الاصوات الجميلة شدت بهذه الاغنيات ولكني أزعم أن السيرة الهلالية تشكل محطة بالغة الشأن في مسيرة عبد الرحمن الأبنودي فمن خلالها استطاع عبد الرحمن ان يكون قريبا جدا من ملايين الناس الشغوفين بسيرة بني هلال وبطولات ابو زيد وخليفة الزناتي وخضرة الشريفة وأولادها الثلاثة يحيي ويونس ومرعي, ولعلي في هذا السياق أذكر عندما وأنا أدير اذاعة الشعب في منتصف سعبينيات القرن الماضي ان فاجأني الأبنودي برغبته في تقديم السيرة الهلالية عبر ميكروفون إذاعة الشعب ولما كنت مفتونا منذ نعومة أظافري بسيرة أبوزيد وكيف ان شاعر الربابة الذي كنا نتحلقه في ليالي القرية المقمرة كان يهز مشاعرنا ويأخذنا إلي آفاق بعيدة مع أبطال السيرة فإنني وافقت علي الفور وجاء الأبنودي بعد أيام بصحبة الراحل جابر ابو حسين سيد شعراء السيرة الهلالية واتفقنا علي كل شيء وقامت الاذاعة بحجز غرفة في احد فنادق ميدان العتبة لجابر ابو حسين وضابط الايقاع الذي يصاحبه, وفي كل يوم كان الأبنودي يحضر مع الشاعر وضابط ايقاعه الي استوديو اذاعة الشعب ليسجل اكثر من ثلاث ساعات يوميا وبلغ عدد ساعات التسجيل حوالي مائة ساعة وزعت بمعدل ربع ساعة يوميا علي مدار عام1976 وكانت الحلقات تذاع تباعا الساعة الثامنة والربع مساء وتفاعل المتلقون مع السيرة وجاءت رسائلهم تملأ الزكايب منهم من يقرظا ومنهم من يصحح واقعة معينة وكان الأبنودي يخصص وقتا معينا كل اسبوع للرد علي هذه الرسائل, ولعلي في هذا السياق أعتب علي الأبنودي أنه في كل حديث يدلي به بخصوص السيرة الهلالية لا يذكر شيئا عن اذاعة الشعب وكيف انها فتحت ابوابها له وللسيرة الهلالية في ميكروفون اذاعة الشعب كان الباب الملكي الذي عبرت منه سيرة بني هلال الي آفاق بعيدة وعالية ومرة ثانية مبروك للأبنودي فوزه بالجائزة.