سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اصلاح الفكر الديني
الدكتور مصطفي الشكعة رئيس لجنة التعريف بالإسلام بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية:
إصلاح الخطاب الديني يبدأ بتأهيل خطباء المساجد وعلي الكنيسة حض القساوسة علي نشر التسامح
حتمية إصلاح الخطاب الديني هدف أجمع عليه علماء المسلمين بسبب الانحراف عن الفهم الصحيح للإسلام ورسالته السمحة, وظهور عوامل كثيرة خلال الفترة الأخيرة أدت إلي عشوائية الخطاب الديني من ضعف مستوي الدعاة إلي جانب الفضائيات التي تسعي إلي إثارة البلبلة والفتاوي التكفيرية للمسلمين وغيرهم. هذا كان منطلق حورانا مع الدكتور مصطفي الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الآداب جامعة عين شمس الأسبق وعضو لجنة الحوار الإسلامي المسيحي بالأزهر الشريف ورئيس لجنة التعريف بالإسلام بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية الذي طالب فيه بالوصول إلي خطاب ديني متطور في دور العبادة, البيوت, المدارس, ومناهج التعليم والإعلام.. فإلي نص الحوار. * أولا ما معني إصلاح الخطاب الديني خصوصا مع كثرة الكلام عن ضرورته؟ ** قبل تعريف المفهوم, هناك ثوابت يجب التأكيد عليها قبل الاستجابة لتجديد الخطاب الديني, فالدين الإسلامي هو الدين الخاتم والقرآن هو كلام الله وهو الكتاب الخاتم مثلما أن محمدا صلي الله عليه وسلم هو النبي الخاتم, كما أن هناك فرائض وأسسا للإسلام مثل أركان الإسلام الخمسة يجب التأكيد عليها. ومن هنا فإن أي كلام يتناقض وهذه المباديء يعد خروجا علي الشريعة ومخالفة للدين. وهناك حديث شريف للنبي يقول إن الله يرسل علي كل رأس مئة سنة من يجدد لها دينها أي أن كل قرن تحدث تغييرات قد تتنافي مع الدين الثابت الذي لا يتغير, ومن هنا يرسل الله لنا من يحيي ما كلفنا به الله. إذا التجديد مفهوم علي غير صفته, ويجب ألا يكون في الدين بل في تناول تفسير الدين, وليس كما يريد العلمانيون وأقصد بهم هنا الذين لا يؤمنون بالدين علي إطلاقه. *هل تقصد أن يكون الإصلاح بتجديد فهم الناس للدين؟ **بالطبع, فهناك أركان في الدين وتكليفات يغالي فيها البعض, وهناك من يتهاون في أداء العبادات, وبالتالي نحتاج تصحيح فهم الناس للدين مع التأكيد علي وجوب تنفيذ ثوابت الدين مثل الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع, حتي لايختلط الأمر عند البعض بأنه يؤمن بالله ورسوله لكنه منكر لوجوب الصلاة, فهذا خروج عن الشريعة, فالأمر يحتاج أولا إلي الإيمان بالفرائض. * ما رأيك في الدعوات التي تنادي بتطوير الخطاب الديني في المساجد؟ ** هذا هو المطلوب, الآن بعض خطباء الجمع يكرهون الناس في الصلاة, فمنهم من يطيل أو يتحدث بفتاوي متشددة, وأنا شخصيا مع كبر سني أواجه مشكلة في مسجد قريب من بيتي, لا يعرف الخطيب فرضية الجمعة ويطيل الخطبة إلي ساعة ونصف مما يجعل الناس تنفر منه ومن حضور الصلاة في المسجد, وربما تكون هذه نقطة بسيطة لكنها تدخلنا إلي الفتاوي المتشددة, وجميعها بعيدة عن تعاليم الدين. * وكيف يتم التعامل مع هؤلاء المتشددين؟ **هناك من يحرمون الحياة علي الناس مثل من يحرم عمل موظف بالبنوك لأنها تعمل بالربا, أو تحريم عمل موظف في فندق يقدم الخمور وغيرها, وهنا يجب التأكيد علي الناس أنه فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه, فمن يعمل في مهنة محرمة ولا يجد غيرها لا إثم عليه حتي يجد غيرها. وهنا نقول كما قال صلي الله عليه وسلم الدين النصيحة, لذا يجب اتباع النصيحة مع الأئمة المتشددين, وإن لم يكن فيجب عزلهم فورا, وبعض هؤلاء لا ينطبق عليهم النصح, والمسئولية هنا تقع علي المؤسسات الدينية التابع لها المسجد أو الكنيسة. * تدخل مثل هؤلاء في الفتوي يجعلنا نسأل عن شروط الفتوي؟ ** الإفتاء لا يكون إلا من العلماء المتخصصين الذين درسوا علوم الشريعة والتفسير كاملة, فخريجو الأزهر من غير دارسي الشريعة لا تصح فتواهم, فالشرط فيمن يفتي الضلوع في الشريعة, ومن يفتي بغير علم يكون ظالما آثما. * ما رأيك في خطوات وزارة الأوقاف لإصلاح الخطاب الديني؟ ** الوزير حمدي زقزوق وزير الأوقاف وزير مصلح, وظف علمه لخدمة الدعوة, وآخر ما فعله من باب التجديد هو الأذان الموحد بصوت مشايخ مصر العظماء, فيصبح للقاهرة أذان موحد بصوت عذب ومخارج ألفاظ سليمة تحبب الصلاة للناس ولا تنفرهم من الأذان. ولا ننسي أن مؤذن الرسول كان بلال الحبشي, وكان أداؤه في الأذان راحة للنفس فكان صلي الله عليه وسلم يقول له أرحنا بها يا بلال. * وما رأيك في تطبيق الخطبة الموحدة؟ **إذا استحال إصلاح الأئمة والخطباء الفاسدين المتشددين يكون لا بأس منها لكي نتخلص من هؤلاء القرود الذين ملأوا منابر مصر, ويصعدون المنبر وهم جهلاء بصحيح ووسطية الدين, لكن في حال تطبيق الخطبة الموحدة مثل الأذان الموحد يجب وجود إمام للصلاة بالناس بعد انتهاء الخطبة. *كيف نصلح حال الدعوة لنشر الوسطية؟ **ألا نعين إماما إلا بعد التأكد من صلاحيته للخطبة والدعوة بعيدا عن التشدد, وأن يكون هناك تفتيش علي الخطباء للتأكد من عدم خروجهم عن الوسطية. * من تقع عليه مسئولية التجديد الديني؟ **المسئولون في الأوقاف والأزهر والعدل وخطباء المساجد الكبري. *كيف تري سيطرة الفكر الوهابي المتشدد بين خطباء ومساجد مصر؟ ** من ينادون بالفتاوي المتشددة مضللون, فالإسلام دين الوسطية بنص القرآن وكذلك جعلناكم أمة وسطا فالذي يتجاوز تلك الوسطية وهابيا كان أو غير وهابي خارج عن الشريعة ومضلل, فهذه الفئة التي تسمي وهابية إذا حادت عن الوسطية مضللون خرجوا عن تعاليم الإسلام الحنيف. والإسلام ليس به اختصار في فرائض الدين ولا تزود ومغالاة في الدين. * كيف نمنع ظهور التيار التكفيري والذي ظهر في التسعينات مرة أخري؟ ** الدولة في إعلامها ومؤسساتها الدينية والتعليمية مسئولة عن ذلك, فإذا علمنا الناس صحيح الدين سيلفظ المجتمع بنفسه أي عناصر تكفيرية. يقال إن إصلاح الدين يبدأ بتطوير مناهج التربية الدينية في المدارس. فما رأيك؟ ** من ينادون بتغيير مناهج التربية الدينية مخطئون, فالمناهج سليمة ولا تحض علي التفكير أو ازدراء الأديان, لكن المشكلة فيمن يدرسون مادة التربية الدينية من غير المؤهلين ودارسي الشريعة, فعادة يقوم مدرس اللغة العربية بتدريس مادة الدين, إذا فمسألة الإصلاح داخلية تخص المدارس ولا تتطلب تغيير المناهج. * هل نسند تدريس مادة الدين في المدارس لشيخ أو قسيس؟ ** قديما كان مدرس الدين خريج شريعة أو مدرس لغة عربية متبحرا في الدين, فالمطلوب اختيار ما لدينا من مدرسين درسوا الشريعة أو وسطيين يفهمون صحيح الدين, إسلاميا أو مسيحيا, ليكونوا مؤهلين, ولا نعني هنا الاستعانة بمشايخ أو قساوسة بل يجب تأهيل من يدرسون مادة التربية الدينية ليبتعدوا عن التشدد وينشروا صحيح الدين الوسطي. * مع كثرة الفتاوي التكفيرية المنتشرة علي الفضائيات مثل تكفير تارك الصلاة والحكومة وبعض المفكرين هل لنا أن نسأل عن مفهوم الكفر في الفكر الوسطي؟ ** الكافر هو من ينكر معلوم الدين بالضرورة مثل الشهادتين ونبوة محمد وفرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج وبالتالي منكر ما هو معلوم من الدين يعد كافرا أما تارك الصلاة كسلا فهو مخطئ وليس كافرا كما يروج المتشددون ويفتحون مفهوم الكفر علي مصراعيه علي خلق الله. *البعض يعتبر مفهوم الجهاد والقتال غاية الدين فما تعليقك علي ذلك؟ ** هناك الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس عن الهوي والمعاصي وكما قال صلي الله عليه وسلم بعد عودته من إحدي الغزوات عدنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس أي أنك حين تتعلم أمور الدين هذا جهاد, أما الجهاد الأصغر فهو قتال الأعداء المعتدين, وهنا شرط أن يعتدي عليك العدو, أي لا تحارب من لا يحاربك فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم, ولا تعتدوا, وقوله تعالي فقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم, ولا تعتدوا هذا هو مفهوم القتال والجهاد لمن يقاتلنا فقط. أما من يسيئ إلي ديني فأجادله بالتي هي أحسن ولايصل الأمر إلي الاعتداء. * ما رأيك في المشكلات العادية بين المسلمين والمسيحيين التي تنقلب فجأة لفتنة طائفية؟ ** هذه غفلة يقودها غافلون, ووجهة النظر في هذه الحالة واضحة كما قال تعالي لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا, ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري, ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون, لكن أن يبدأ المسلم أو المسيحي العدوان فهذا ليس من دين أيهما في شيء. وليعلم الجميع أن الله أباح لنا طعام أهل الكتاب وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم وهذه خصوصية بالتودد والتقرب بين المسلمين والمسيحيين. ويقول تعالي أيضا لا إكراه في الدين وهذا كله مفاده عدم التشدد أو ازدراء الدين المسيحي. وكل مثيري الفتنة الطائفية بين مسلمي مصر ومسيحييها آثمون, اعتدوا علي دينهم قبل أن يعتدوا علي الطرف الآخر, فلا الدين الإسلامي ولا المسيحي يبيح ذلك. * كيف نصلح الخطاب داخل المسجد والكنيسة لدرء الفتن؟ يجب أن نعلم المسلمين معني الإسلام وهو دين التسامح وأنه لا يعادي النصاري, وعلي القساوسة أيضا نشر التسامح وعدم النفخ في الأحداث, فالدين المسيحي يقوم علي التسامح من ضربك علي خدك الأيسر أعطه خدك الآخر وهي قمة التسامح, وفي النهاية هناك قانون يجب أن يحاسب به كل معتد سواء مسلم أو مسيحي. *البعض ينادي بتدريس مادة موحدة للتربية الدينية لنبذ التشدد؟ ** لا أؤيد المنادين بهذا, فتدريس مادة الدين الإسلامي أو المسيحي لا يحض علي العنف بل يحض علي التسامح فلا داعي لمادة موحدة. * إذا كان الغرب يطالب المسلمين بتغيير خطابهم الديني.. لماذا لا يطالب اليمين المسيحي واليهود المتطرفين بتغيير خطابهم الديني؟ ** الغرب يكرهنا لأن الشرق غالبيته مسلمون, وهم يحاربوننا حربا دينية منذ القرن الرابع عشر الهجري حتي الآن, ويكرهون أن تكون هناك ألفة بين المسلمين والمسيحيين في مصر, ويلصقون بنا التهم من التشدد إلي الإرهاب, وآخرهم بوش الابن الذي قال إن جنودنا يحاربون حربا صليبية في العراق رغم أنهم كانوا لا يفرقون في قتالهم العراقيين بين مسلم ومسيحي. أضف إلي ذلك ما يحدث من اضطهاد للمسلمين في أمريكا وبعض دول الغرب, يرون أن المسلمين متشددون وإرهابيون ويغضون الطرف عما يرتكب من مذابح للمسلمين. وللأسف هناك أطراف مسيحية شرقية من مصر ولبنان وسوريا يعملون في الغرب ضد مصالح مصر والمسلمين وينفخون في الفتنة الطائفية, ويكيلون الاتهامات للإسلام. لكن نحمد الله أن لدينا من المسيحيين من يردون علي الغرب افتراءه.