وسط الحديث عن إظلام الشوارع أو تخفيض الإنارة في الطرقات العامة ليلا لمواجهة تعاظم الاستهلاك من الطاقة صيفا للارتفاعات المتوالية في درجات الحرارة بدا أن مصر في مسيس الحاجة لنوع مختلف من نمط الحياة في ضوء المتغيرات والظروف العامة التي نمر بها اتساع مساحة العمران في كل محافظات مصر, والتوسع الأفقي للإنشاءات, مع النمو السكاني المطرد, وزيادة أعداد المدن المأهولة بالسكان, إلي جانب التنامي في حجم الاستثمارات الصناعية, مع استمرار نفس الأساليب التقليدية في الري, مع ثبات حجم مصادر المياه, يؤكد أن الأزمة قادمة إن لم تكن قد حلت فعلا, ما يستوجب معاها ضرورة الترشيد في استهلاك المياه. ما يقال عن المياه يقال عن الطاقة, ولنفس الأسباب باتت السياسات والأساليب المتبعة غير مجدية لمواجهة تنامي الاحتياجات من الكهرباء, وينطبق الأمر نفسه كذلك علي البترول والغاز, خصوصا مع تعاظم أعداد المركبات في الطرقات العامة والصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة. وحتي في استهلاكنا الغذائي القائم علي المفاهيم التقليدية, أصبح التغيير فيه ملحا و ضروريا مع المتغيرات العالمية المتواصلة و المتسببة في ارتفاع أسعار السلع الغذائية, إلي جانب شح مصادر المياه المحلية وارتفاع تكاليف استصلاح المزيد من الأراضي للزراعة مع زحف العمران علي أراضي الوادي الخصبة. المثير أن منهج الترشيد بات مطلوبا أيضا في السياسة لدي الحكومة و المعارضة علي حد سواء, فالإفراط في التصريحات أو التحليلات لم يذهب بنا إلا إلي المزيد من المشكلات وفقدان الثقة بين الطرفين, ويظل الشعب في النهاية حائرا بين الطرفين, والنتيجة الطبيعية بالقطع هي سقوطه في أيدي الفاشيين القادرين علي استغلال الموقف بالمزايدات. الترشيد إذن يجب أن يتحول إلي منهج حياتي لدي المصريين, ويجب أن يخرج من إطار الشعارات إلي الممارسات الفعلية الحياتية اليومية, ولا يكفي الترويج الإعلامي لترسيخ منهج الترشيد, وإنما يتوقف نجاح الأمر في اعتقادي علي القدرة علي تقديم النماذج الناجحة من خلال أدوات جديدة تتيح للناس الاقتناع بأهمية مبدأ الترشيد. نحتاج إلي تكاتف وطني لترسيخ منهج الترشيد في حياتنا.. إنها قضية اتفاق بين الجميع. [email protected]