وزارة البترول تؤكد نجاحها في تأمين إمدادات الطاقة خلال ذروة الصيف    منتخب شابات القدم يستعد للسفر لمواجهة غينيا الاستوائية في تصفيات المونديال    ثقافة الأقصر تحتفي باليوم المصري للموسيقى بعروض فنية متنوعة بحاجر العديسات    وزير الإسكان يستقبل وزير الأشغال البحريني لبحث أوجه التعاون بين مصر والبحرين    هل تحظر الحكومة تيك توك؟ مدبولي يرد    مدير الإصلاح الزراعي الجديد بالشرقية: توظيف كافة الموارد لخدمة القطاع الزراعي    نتنياهو وكاتس يجتمعان لبحث الحملة العسكرية المكثفة على غزة    الصين تحث الولايات المتحدة واليابان على سحب نظام صواريخ تايفون في أسرع وقت    الأمن يضبط زوجة حاولت إنهاء حياة زوجها إثر مشادة كلامية بالشرقية    المصرية للاتصالات تكرم أبطال الأوليمبياد الخاص المشاركين بالمسابقة الإقليمية الأولى للفروسية بالإمارات    السفير الفرنسي: تدشين الأكاديمية الدولية للعمران بهدف تشكيل مستقبل التنمية الحضرية    موقف نجم الزمالك من مباراة القمة أمام الأهلي بالدوري الممتاز    وزير التعليم: خطة متكاملة لضمان بداية منضبطة للعام الدراسي الجديد.. الكتب المدرسية تصدر حصريًا عن الوزارة.. استراتيجية جديدة للتوسع في إنشاء الفصول الدراسية.. وبشري سارة للمعلمين    وزير التعليم: نخطط لتوسيع مدارس التكنولوجيا التطبيقية إلى 200 مدرسة    قرار عاجل من الجنايات في قضية مقتل "مينا موسى" ممرض المنيا    الفنية العسكرية تفتح باب التسجيل لمنح درجة الماجستير المهنى البينى    جاستن بيبر يعود لإحياء الحفلات بمهرجان كوتشيلا    حكيم وهشام عباس ومصطفي قمر، نجوم التسعينيات يعودون للساحة الغنائية بعد غياب    وفاة أسطورة هوليوود روبرت ريدفورد عن عمر 89 عامًا    سارة سلامة بفستان قصير.. ما سر ارتدائها اللون الأسود؟    غموض في تشخيص حالات داخل مستشفى بالمنوفية، ووزارة الصحة تتدخل    الصحة: إنقاذ سيدة تعاني من تهتك وانفجار بالرحم بعد وفاة الجنين بمستشفى دسوق العام    هتوفرلك في ساندويتشات المدرسة، طريقة عمل الجبن المثلثات    ميار شريف تتأهل للدور الثاني من بطولة تولينتينو الإيطالية للتنس    مفتي الجمهورية: الحروب والجهل والتطرف أخطر ما يهدد التراث الديني والإنساني    المنيا.. مصرع أمين شرطة في حادث انقلاب سيارة بسمالوط    %22 زيادة في أعداد السائحين الوافدين إلى مصر خلال 7 أشهر    رئيس الأركان يلتقي نظيره الليبي خالد حفتر    وزير التعليم العالي: بدء الدراسة في 192 برنامجًا دراسيًا بالجامعات الأهلية    إيقاف تشغيل القطارات الصيفية على خط القاهرة – مرسى مطروح والعكس    انتبه.. تحديث iOS 26 يضعف بطارية موبايلك الآيفون.. وأبل ترد: أمر طبيعى    مقتل مزارع ونجله إثر تجدد خصومة ثأرية بدشنا فى قنا    المستقلين الجدد: الإساءات الإسرائيلية تعكس عدم اتزان وتخبط الكيان الصهيوني    برشلونة يحدد ملعب يوهان كرويف لمواجهة خيتافي في الجولة الخامسة من الليجا    «البترول» تصدر إنفوجرافًا يوضح نجاحها في تأمين إمدادات الطاقة بالكامل    جامعة قناة السويس تعلن مد فترة التسجيل ببرامج الدراسات العليا حتى 30 سبتمبر    البنك الأهلي المصري يحتفل بتخريج دفعة جديدة من الحاصلين على منح دراسية بمدينة زويل    رئيس الرقابة المالية: تلقينا 13 طلباً لتأسيس صناديق عقارية و4 آخرين لإنشاء منصات رقمية    خارجية السويد: الهجوم العسكرى المكثف على غزة يفاقم الوضع الإنساني الكارثى    هل سمعت عن زواج النفحة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى    موعد شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام فلكيًا    جامعة سوهاج تخفض رسوم برنامج بكالوريوس العلوم المصرفية ومد التقديم لنهاية سبتمبر    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل في دوري أبطال آسيا    وزير المالية: زيادة 80 % فى حجم الاستثمارات الخاصة أول 9 أشهر من العام المالى    محافظ المنيا: ندعم كافة مبادرات الصحة العامة لتحسين جودة الرعاية الطبية    وزارة الصحة تطلق خطة لتأهيل 20 ألف قابلة وتحسين خدمات الولادة الطبيعية    أستاذ فقه: الشكر عبادة عظيمة تغيب عن كثير من الناس بسبب الانشغال بالمفقود    99.1% هندسة بترول السويس و97.5% هندسة أسيوط بتنسيق الثانوي الصناعي 5 سنوات    أمين الإفتاء: الكلاب طاهرة وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    ميرتس يسعى لكسب ثقة قطاع الأعمال ويعد ب«خريف إصلاحات» لإعادة التنافسية لألمانيا    اختلف معها فطعنته.. التحقيق مع سيدة بتهمة الاعتداء على زوجها في الشرقية    أوباما: تنازلت عن مستحقاتي من أجل الزمالك ولن أطالب بالحصول عليها    الإفتاء تحذر من صور متعددة للكذب يغفل عنها كثير من الناس    ترامب يستبعد شن إسرائيل المزيد من الضربات على قطر    ترامب يعلن مقتل 3 أشخاص باستهداف سفينة مخدرات من فنزويلا    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 122 ألف سلة غذائية عبر قافلة زاد العزة ال38 إلى غزة    تعرف على برجك اليوم 2025/9/16.. «العذراء»: ركّز على عالمك العاطفى .. و«الدلو»: عقلك المبدع يبحث دومًا عن الجديد    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
‏20‏ مليون جهاز تكييف ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 08 - 2010

خلال الأسابيع الأخيرة‏,‏ كنت في الخارج وبعد أن عدت مرة أخري إلي القاهرة‏,‏ أصابتني صدمة كبيرة عندما توالت الأخبار عن انقطاعات متوالية في الكهرباء‏. وكان طبيعيا بعدها أن يحدث خلل كبير وانقطاع في المياه أيضا عن مواقع متفرقة في العاصمة وخارجها‏,‏ لأن محطات المياه تعمل هي الأخري بالطاقة الكهربائية‏.‏ ولم تكن الصدمة راجعة فقط إلي حادثة الانقطاع ولكن تكراره وانتشاره من منطقة إلي أخري‏;‏ وأكثر من ذلك المبررات التي سيقت لشرح ما جري‏.‏
والحقيقة أنه ليس مستبعدا أن يحدث انقطاع شامل في الكهرباء في واحدة من المدن الكبري‏,‏ ولعلنا نتذكر أو بعضا منا علي الأقل ما جري لمدينة نيويورك في السبعينيات حينما انقطعت عنها الكهرباء فصارت مجالا واسعا للنهب والسرقة أصبحت بعد ذلك مصدرا للعديد من الأفلام السينمائية‏.‏ وقد شاءت المصادفة أن أكون في الولايات المتحدة عندما انقطعت الكهرباء عن ولايات الساحل الشمالي كله‏;‏ كما شاءت المصادفة أيضا أن أكون هناك عندما انقطعت عن مدينة نيويورك مرة أخري‏,‏ ولكن هذه المرة كان سلوك السكان مختلفا‏,‏ بل كان متحضرا حتي عادت الطاقة الكهربائية إلي العمل‏,‏ وربما حرم ذلك صناع السينما من الحصول علي قصص درامية أخري‏.‏
والخلاصة أن انقطاع الكهرباء وارد أحيانا عندما تتوافق مجموعة من الظروف الاستثنائية التي تؤدي إلي تراجع قدرة أجهزة توليد ونقل الكهرباء علي الوفاء بحق المستهلكين في الحصول علي الكهرباء‏.‏ ولكن بالنسبة لنا فإن كافة التبريرات عادت بالأمر إلي نقطة واحدة وهي أنه لا يوجد لدينا كهرباء كافية تكفي حاجة الاستهلاك الحالية‏,‏ وتشير مراجعة التفسيرات الرسمية لانقطاع الكهرباء إلي ذلك بوضوح‏.‏
فأول تلك التفسيرات اعتمد علي أن الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة قد أثر علي عمل المحطات الكهربائية‏,‏ التي لم تعد قادرة علي العمل بكامل طاقتها‏,‏ فالمحطة الواحدة تفقد أكثر من‏10%‏ من طاقتها عند بلوغ درجة الحرارة‏40‏ درجة مئوية نهارا‏.‏ كما أن جميع المحولات والأسلاك في الشارع تفقد الكثير من طاقتها في ظل وجودها تحت حرارة الشمس العالية‏.‏
أما التفسير الثاني فقد عزا انقطاع الكهرباء إلي إسراف المواطنين في استهلاك الكهرباء‏,‏ بما يعني زيادة الأحمال علي الشبكة خاصة في أوقات الذروة‏,‏ الأمر الذي يبرر قطع الكهرباء في تلك الأوقات حتي لا يكون مصير الشبكة‏'‏ الانهيار‏',‏ وأرجع القائلون بهذا الرأي سبب الإسراف في الاستهلاك إلي زيادة أجهزة التكييف‏.‏ فعدد أجهزة التكييف في مصر في تزايد مستمر‏,‏ ووفقا لدراسة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول عدد أجهزة التكييف في مصر‏,‏ اتضح أن عدد أجهزة التكييف في مصر وصل إلي حوالي‏3‏ ملايين جهاز بينما كان العدد‏700‏ ألف في عام‏2006,‏ و‏165‏ ألف جهاز في عام‏1996,‏ أي أن معدل زيادة عدد أجهزة التكييف خلال الفترة من عام‏1996‏ إلي عام‏2006‏ قد بلغ نحو‏55‏ ألف جهاز سنويا‏,‏ وزاد هذا المعدل خلال السنوات الثلاث الماضية إلي نحو‏700‏ ألف جهاز سنويا‏.‏
وفي المقابل برز تفسير ثالث لرئيس الشركة القابضة للكهرباء إذ أكد أن السبب الحقيقي لانقطاع الكهرباء يعود إلي نقص كميات الغاز الطبيعي المورد من وزارة البترول إلي محطات توليد الكهرباء‏(‏ انخفضت إلي ما يقرب من‏79%‏ بعد أن كانت‏98%),‏ وسوء حالة المازوت‏,‏ مما أدي إلي نقص في قدرات التوليد وفقدان‏1600‏ ميجاوات مما اضطر شركات الكهرباء لعمليات التخفيف‏.‏
أما التفسير الرابع فيري أن ذلك الانقطاع نتاج لعدم وجود فترات زمنية كافية لصيانة المحطات قبل قدوم فصل الصيف‏.‏ ووفقا لذلك الاتجاه‏,‏ فإن القدرات الكهربائية المتاحة في مصر تفوق الاستهلاك لكن الاستخدام الخاطئ مع عدم الصيانة الكافية هو سبب زيادة الأحمال مع حدوث بعض الأعطال بين الحين والآخر‏,‏ وكان أبرزها العطل المفاجئ في الخط الكهربائي سمالوط القاهرة 500‏ كيلو فولت أمبير منذ أيام مما أدي إلي قطع الكهرباء عن بعض مناطق القاهرة الكبري‏,‏ خاصة الهرم والمعادي وحلوان ومدينة السلام ومحافظات الشرقية والدقهلية والمنوفية‏.‏
وإذا كان الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء قد صرح في مؤتمر صحفي بالإسكندرية بأن أعطال الكهرباء كالأمراض لا يمكن منعها‏,‏ وبرغم أن ذلك ربما يكون صحيحا كما أشرنا خاصة بالنسبة لمن عاشوا عصورا كان انقطاع الكهرباء بصورة يومية جزءا من الحياة العادية‏;‏ إلا أننا نفترض العيش في عصر آخر كان واحدا من أبرز إنجازاته هو بناء البنية الأساسية وزحفها لكي تشمل مصر كلها خاصة فيما يتعلق بالكهرباء والمياه والآن الصرف الصحي إلي آخر الجهود التي بذلت خلال العقود الثلاثة الماضية‏.‏
وبصراحة شديدة فإن المبررات المطروحة يوجد فيها جميعا ما يعيبها‏,‏ وهناك أخبار سيئة كثيرة علي السادة الوزراء أن يأخذوها في الاعتبار‏.‏ فدرجة الحرارة في مصر سوف تستمر في الارتفاع علي الأقل خلال المدي المنظور‏,‏ ومن عاش في مصر خلال العقود الستة الماضية سوف يشعر بالارتفاع في درجة الحرارة حتي لم يعد الشتاء شتاء‏,‏ واختفي الربيع بالفعل كواحد من فصول السنة المصرية‏,‏ ولا أدري شخصيا كيف ستعرف الأجيال القادمة معني الأغاني التي عشناها عن الربيع الذي عاد مرة أخري‏,‏ والزهور التي كانت من قسمات قصص حب وقصائد شعراء فاض بهم الشوق مع انتهاء برد الشتاء وظهور دفء محبب‏.‏ ولكن الحقيقة لا يمكن تجاهلها‏,‏ والعلماء في المنظمات الدولية وخارجها يقولون لنا إن الدنيا سوف تمر بحالة من الاحتباس الحراري ترفع درجة حرارة الأرض‏,‏ وتحول ثلج القطب الشمالي إلي ماء‏,‏ وفي كل الأحوال لن تكون درجة الحرارة عند الأربعين أو ما بعدها أمرا مفاجئا في مصر‏,‏ ومن يرد أن يشتري أو يقم محطات جديدة للطاقة في البلاد فعليه أن يجعل واحدة من مواصفاتها ألا تفقد جزءا من طاقتها إذا ما تجاوزت درجة الحرارة الأربعين درجة مئوية‏.‏
ولكن ما حول الصدمة إلي درجة عالية من الغيظ‏,‏ هو الحديث عن زيادة الاستهلاك‏,‏ وارتفاع عدد أجهزة التكييف إلي ثلاثة ملايين جهاز‏,‏ واعتبار ذلك سببا لتكرار انقطاع الكهرباء‏;‏ ومن ناحية فإن مصر ليست أجهزة تكييف فقط‏,‏ فهناك عمارات كاملة مركزية التكييف‏,‏ والوزارات والهيئات الحكومية الرئيسية مركزية التكييف‏,‏ ولمن لايعرف فإن عمارة واحدة في شارع الجيزة عندما أقيمت خلال السبعينيات أصبحت تستهلك ما يوازي استهلاك الجمهورية العربية المتحدة وكان ذلك هو اسم مصر وقتها كلها في عام‏1960,‏ أضف إلي ذلك قائمة طويلة من الفنادق‏,‏ والمولات التجارية التي تنتشر في ربوع مصر كلها‏,‏ وهناك حرص كبير ومشروع من محلات السوبر ماركت علي أن تكون مكيفة هي الأخري‏.‏
لا أدري هل يدخل كل ذلك في سياق العدد المشار إليه وهو ثلاثة ملايين جهاز تكييف أم أنه لا يدخل في الحسبان‏,‏ وإذا كان جزءا منه فتلك مصيبة لأن معني ذلك أن البلد كله أفقر مما نتصور‏,‏ أما إذا لم يكن فمعني ذلك مصيبة أخري وهو أنه لا يوجد إدراك لقدر التغيير الجاري اقتصاديا واجتماعيا في مصر الآن‏,‏ وباستطاعتنا الحديث عن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بهذه النسبة أو تلك‏,‏ وعن زيادة حجم الطبقة الوسطي وتطلعاتها‏,‏ وعن طموحاتنا لكي ترتفع معدلات النمو في مصر إلي‏8%‏ وما هو أكثر‏;‏ ولكن لكل ذلك معني وهو زيادة الحاجة إلي الطاقة والكهرباء سواء للحكومة أو الجهاز الإنتاجي في الدولة‏;‏ عاما وخاصا أو المواطنين‏.‏
وفي ظل الوضع الحالي فإن هناك توقعات بارتفاع هذا المعدل للاستهلاك في خلال العام الحالي إلي مليون جهاز تكييف إضافي‏,‏ والطاقة الكهربائية التي تستهلكها تصل إلي نحو‏12%‏ من الحمل أثناء وقت الذروة‏,‏ أي تمثل ما يقرب من‏2500‏ ميجاوات تحتاج استثمارات تعادل‏17‏ مليار جنيه‏.‏ وما يلفت النظر في هذا السياق‏,‏ أن عدد‏3‏ أو‏4‏ ملايين جهاز تكييف ليس رقما كبيرا بالنسبة لسكان مصر الذين يقتربون من‏84‏ مليون نسمة‏,‏ بل يفترض أن يغطي احتياجاتهم للتبريد أكثر ببضعة ملايين أخري من أجهزة التكييف‏.‏
وربما كان ذلك هو بيت القصيد كما يقال وهو أن علينا أن نقدر استثماراتنا في البنية الأساسية والتعليم والصحة علي أساس مجتمع آخر أكثر سترا ويسرا‏.‏ ويحضرني في هذا المقام أن مبني الأهرام الرئيسي في شارع الجلاء تم بناؤه في عام‏1968‏ وكان مكيفا تكييفا مركزيا لا يزال يعمل بكفاءة حتي الآن نتيجة عمليات الصيانة والتحديث المستمرة‏;‏ وبينما لم يغب عن المصممين حاجة العاملين لهواء بارد في بلد حار‏,‏ فإنه غاب عنهم أن هؤلاء سوف يمتلكون سيارات ذات يوم فلم يقيموا أسفل المبني مكانا لها فشاركت الصحيفة الآخرين في شوارع المنطقة حتي تم بناء المبني الكبير لما يسمي ميناء القاهرة البري بعد ذلك بعقود والذي بات يستوعب جزءا لا بأس به من سيارات العاملين‏.‏
وبصراحة شديدة فإن الحاجة ماسة إلي مراجعة كل الخطط الراهنة والقائمة علي مجتمع فقير ومحدود الدخل لا يعرف السيارة ولا جهاز التكييف ولا كثيرا مما بات جزءا من الحياة الحديثة‏.‏ وفي كل دول العالم فإن زيادة الاستهلاك يعد من علامات تحسن الصحة العامة للمجتمع‏,‏ ولا داعي للحديث كثيرا عن الإسراف لأن معالجته سهلة وهو أنه يعني زيادة الطلب‏,‏ وترجمته الفورية هي زيادة السعر وساعتها سوف يغلق كل الناس أجهزة تكييفهم عندما لا يستعملونها‏,‏ أما إذا فعلوا فمعني ذلك زيادة موارد الحكومة لكي تزيد من استثمارات الكهرباء وتربح في نفس الوقت لكي تنفق علي مجالات أخري‏.‏
ومعني ذلك أن هناك ضرورة لمراجعة نظام شرائح التعريفة المتبع حاليا والذي يشير حسب قول وزير الكهرباء إلي أن الدعم مستمر في أسعار الكهرباء ويستفيد منه جميع المستهلكين الذين يقل استهلاكهم عن‏730‏ كيلووات‏/‏ ساعة‏,‏ وهم يمثلون نحو‏98%‏ من عدد مستهلكي الكهرباء بالمنازل‏,‏ الذين يمثلون نحو‏39%‏ من قيمة استهلاك الكهرباء‏.‏ ولا يعني ذلك بالطبع أن جميع المستهلكين يستفيدون بنفس القدر من الدعم‏,‏ إذ ينقسم المستفيدون من الدعم إلي شرائح‏.‏ فعلي سبيل المثال تحظي الشريحة الأولي التي تستهلك‏50‏ كيلووات‏/‏ ساعة فقط‏,‏ بدعم يصل إلي نحو‏74%‏ من التكلفة‏,‏ أما الفئة الثانية التي يرتفع استهلاكها ليصل إلي ما بين‏51‏ و‏200‏ كيلووات‏/‏ ساعة فتحظي بدعم يصل إلي‏58%‏ من التكلفة‏,‏ أما الفئة التي تستهلك ما بين‏201‏ و‏350‏ كيلووات‏/‏ ساعة‏,‏ فيقل الدعم الموجه إليها ليصل إلي‏19%‏ من تكلفة الكيلووات‏/‏ساعة التي تقدر ب‏19‏ قرشا‏.‏ وكما هو واضح فإن الدعم يقل كلما زاد الاستهلاك‏.‏ وبصفة عامة بلغت قيمة الدعم المباشر الذي تتحمله شركات الكهرباء نحو‏4.3‏ مليار جنيه في عام‏2009/2008.‏ إن تغيير هذا الوضع يتطلب إصدار قرار من مجلس الوزراء إما بزيادة التعريفة أو بأي شكل آخر للتعامل مع هذه الشرائح المختلفة عند تعاملها مع أشكال متجاوزة من الاستهلاك‏.‏
صحيح أن هناك جهودا مشكورة للحكومة للتعامل مع الوضع الراهن لتأمين الكهرباء لنحو‏26‏ مليون مشترك علي مستوي الجمهورية وتقليل الأعطال‏.‏ ووفقا لتصريحات صادرة عن وزير الكهرباء‏,‏ يجري حاليا إضافة‏1000‏ ميجاوات يتم زيادتها إلي نحو‏2600‏ ميجاوات قبل نهاية العام الحالي ضمن خطة قطاع الكهرباء‏,‏ لإضافة نحو‏9000‏ ميجاوات خلال الخطة الخمسية الحالية‏2012/2007‏ باستثمارات تبلغ‏80‏ مليار جنيه‏.‏ وفي منتصف الشهر الماضي أشار د‏.‏عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية إلي أن الاستثمارات المستهدفة لقطاع الكهرباء تبلغ نحو‏16.3‏ مليار جنيه بخطة العام الحالي‏2011/2010,‏ تتولي الشركات القابضة النوعية تنفيذ الشطر الأعظم منها بنسبة‏84%‏ والباقي تنفذه الهيئات الاقتصادية بنسبة‏9%‏ والجهاز الحكومي بنسبة‏7%.‏
كل ذلك جهد لا يمكن إنكاره أو التقليل من أهميته‏,‏ ولكنه كله يدور ضمن الإطار الحالي للمعطيات السكانية والإنتاجية‏,‏ ولكن هذه لا تتطور بالطريقة التي تتصورها الحكومة ووفق نفس النسب التي تسير عليها‏,‏ حيث يوجد الكثير من المتغيرات غير المحسوبة التي سوف تجعل مصر أفضل حالا بأكثر ما نتصور حاليا ويجعل التعامل مع أكثر من‏20‏ مليون جهاز تكييف ليس أمرا مستبعدا خلال السنوات العشر المقبلة‏.‏
وأول هذه المتغيرات أنه توجد زيادة كبيرة في الاقتصاد غير الرسمي في مصر لا يجري حسابها كثيرا‏,‏ ولما كان هذا الاقتصاد غير رسمي فإنه يسير وفق قواعد السوق‏,‏ وعندما تكون الحال كذلك فإن النمو باطراد هو الأساس وليس الاستثناء‏.‏ والمتغير الثاني هو أن وجود نحو سبعة ملايين مصري الآن بالخارج‏,‏ وربما يصبحون عشرة ملايين خلال فترة قصيرة‏,‏ يعني أن شعبا مصريا كاملا يعيش في الخارج‏.‏ ومن يعرف المصريون جيدا يعرف أنهم لا يتركون أهلهم في مصر ومن ثم فإن تحويلاتهم‏,‏ وأملاكهم في مصر‏,‏ وعاداتهم واستهلاكهم‏,‏ قد تدفع في اتجاه الاقتراب من نفس مستويات الاستهلاك في مجتمعات أكثر غني‏.‏ والمتغير الثالث هو السياحة التي تعني الفنادق والمطاعم ومجمعات التسوق وكلها مكيفة الهواء هربا من القيظ من ناحية‏,‏ وتوفيرا للراحة من ناحية أخري‏;‏ وإذا كان عدد السائحين الآن ثلاثة عشر مليونا‏,‏ فكيف ستكون الحال عندما يصبح العدد عشرين مليونا‏.‏ والمتغير الرابع هو أن هناك ظاهرة جديدة الآن في مصر تبدو ملامحها بسيطة في أول الأمر‏,‏ ولكنها عند لحظة ما خلال العقد المقبل سوف تبلغ كتلة حرجة من التطور‏,‏ وهي عمليات التنمية والعمران السارية في محافظات مطروح والبحر الأحمر وسيناء‏,‏ وذلك غير محافظات وادي النيل المعروفة والتي تجري فيها الآن عمليات من التنمية اللامركزية سوف يكون لها آثارها علي طلب الطاقة هي الأخري‏.‏ وأخيرا‏,‏ وربما يكون ذلك عاملا كليا‏,‏ فإن مؤشرات التعليم والصحة والتنمية بشكل عام كلها‏,‏ علي عكس ما يقال‏,‏ تضع مصر علي أولي درجات الانطلاق التنموي التي حققتها الدول الأخري عندما توفرت نفس المؤشرات‏.‏
المسألة إذا هي كيف نتعامل مع مثل هذا الوضع الذي يقضي كله بالحاجة إلي مزيد من الطاقة وهو ما يعني دعما واندفاعا أكبر في بعض من السياسات القائمة‏;‏ والتطلع إلي مزيد من السياسات الأخري‏.‏ وبالنسبة لسياساتنا فقد أشرنا إلي الحاجة لتعديل سياسات الدعم القائمة لكي لا نشجع علي استهلاك غير مطلوب‏,‏ ومن الأصوب أن تسرع الحكومة من تنفيذ برامجها وفقا لما هو وارد في الخطة‏,‏ ولم يعد هناك وقت نضيعه أكثر من ذلك فيما يخص إقامة المحطات النووية‏,‏ وإشراك القطاع الخاص في بناء محطات الطاقة‏.‏ ولكن السياسات الإضافية تدعو‏,‏ في ظل كل ما تقدم‏,‏ إلي فتح الباب للاستثمارات الأجنبية خاصة في المحافظات المختلفة‏,‏ مادمناسوف نعتمد بكثرة علي استيراد محطات الطاقة المختلفة فلماذا لا نسمح لشركات كبري بنقل سبل الإدارة والتكنولوجيا التي تجعل عمليات إنتاج الكهرباء والطاقة عامة أكثر كفاءة‏.‏
وببساطة تعالوا نتعامل مع الموضوع علي الوجه التالي‏:‏ ما هو حجم الكهرباء التي نحتاجها في مجتمع يصل عدده إلي‏120‏ مليون نسمة‏,‏ وتتم التنمية فيه علي اتساع كل محافظاته‏,‏ ويبلغ فيه متوسط دخل الفرد عشرة آلاف دولار‏,‏ ومع كل ذلك بالإضافة إلي الصناعة والخدمات والمباني الحكومية الكثيرة يوجد لدي المواطنين عشرون مليونا من أجهزة التكييف؟

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.