في15 يوليو1840 وفي غياب حضور مصر, اتفقت القوي الدولية المهيمنة آنذاك, علي معاهدة لندن, التي رسمت حدود الشرعية السياسية في مصر, بأن فصلت بين حق الحكم وحق السيادة, فجلعت حكم مصر وراثيا في أسرة محمد علي, وأعطت حق السيادة للسلطان العثماني, ندفع إليه الجزية الثانوية, ونجمع الضرائب باسمه وتسري علينا ما يوقعه من معاهدات واتفاقات دولية, وتتولي الإنفاق علي قواتنا المسلحة ثم نضعها في خدمة السلطان وتحت تصرفه. استمرت هذه المعادلة حتي دخول الإنجليز مصر عام1882 حيث تحول حكم أسرة محمد علي إلي أداة شكلية, وتحولت السيادة العثمانية إلي حبر علي ورق, وأمسك الانجليز من الناحية العملية بخيوط الحكم والسيادة معا.. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولي, فرضت علينا نظام الحماية, فانتهت أطلال السيادة العثمانية إلي الأبد. بعد ثورة1919, ودستور1923 ظهرت معادلة جديدة تمزقت فيها الشرعية السياسية بين ثلاثة أطراف: الإنجليز, الملك والشعب, ممثلا في حزب الوفد, وهي المعادلة التي أدت بدورها إلي تمزيق السياسة والمجتمع في مصر. في23 يوليو1952, حدث ما لم يحدث في تاريخ مصر, منذ ما قبل دخول الاسكندر إليها بثلاثمائة عام قبل الميلاد. تخلصت مصر من الشرعية الثلاثية القديمة, انتهت شرعية أسرة محمد علي وما لها من حقوق بالوراثة وانتهت شرعية الانجليز وما لها من حقوق تمليها بالحديد والنار.. وكانت شرعية الوفد قد انتهت بإلغاء معاهدة1936 عام1951. هنا ولأول مرة ظهرت شرعية جديدة, شرعية موحدة هي شرعية الشعب المصري, تجمع بين الحكم والسيادة, وهنا هو المعني الكبير الذي جاءت به ثورة يوليو حين أعلنت مصر جمهورية مسقلة ذات سيادة. هذه الشرعية الجديدة, تطورت وتمثلت في عدة صياغات دستورية, في أعوام1953 و1956 و1958 و1960 و1964, ثم في الدستور الدائم1971 ثم في التعديلات الدستورية2007. عندنا أصوات مريضة لديها حنين سقيم إلي سيادة الأتراك, وأمثالهم لديهم حنين إلي سيادة الانجليز ومن ظهر بعد الانجليز. شرعية يوليو هي بداية التاريخ ولا نقول نهايته.. شرعية يوليو هي استقلال وسيادة برائحة الحرية ومذاق الكرامة.