عون: السعودية ساهمت في إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان    مئات الآلاف يواصلون تظاهراتهم في إسرائيل للمطالبة بوقف العدوان على غزة    الأغذية العالمي: نصف مليون فلسطيني في غزة على شفا المجاعة    النيابة تستعجل تحريات مقتل سيدة على يد زوجها أمام طفليها التوأم في الإسكندرية    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    أرتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    إيران: احتمال اندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل قائم.. ونستعد لكل السيناريوهات    ممثل واشنطن لدى الناتو: حلف شمال الأطلسي لن يشارك في الضمانات الأمنية لأوكرانيا    ترامب يهاجم «وسائل الإعلام الكاذبة» بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 18-8-2025 مع بداية التعاملات    حار رطب على أغلب الأنحاء.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين 18 أغسطس    «زمانك دلوقتي».. شذى تطرح أولى أغاني ألبومها الجديد    ياسين التهامي يوجه الدعوة لتأمل معاني الحب الإلهي في مهرجان القلعة    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أحمد إبراهيم يوضح موقفه من أزمة مها أحمد.. ماذا قال؟    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    مطاردة الواحات المميتة.. الداخلية والإعلام يضعان الجناة في قبضة العدالة    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    أمير هشام: غضب في الزمالك بعد التعادل أمام المقاولون    لو التكييف شغال مش بيبرد.. اعرف السبب والحل ودرجة الحرارة المثالية بدل وضع Fan    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أتلتيكو مدريد يسقط أمام إسبانيول بثنائية في الدوري الإسباني    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع سيدة في حادث سير على الطريق الدولي بالشيخ زويد    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    الأونروا: ما يحدث في قطاع غزة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة (تفاصيل)    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    طارق مجدي حكما للإسماعيلي والاتحاد وبسيوني للمصري وبيراميدز    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    انطلاق دورة تدريبية لمديري المدارس بالإسماعيلية    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
الكتاب‏...!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 09 - 2010

يبدو أننا لا نفكر بما يكفي في الكتاب‏,‏ فقد بدأ الهجوم الصحفي الإعلامي علي مصر‏,‏ وهو هجوم له جانب مادي يتمثل في عدد كبير من الصحفيين وشبكات التليفزيون والإذاعة‏. وله جانب آخر هو أن غالبية هؤلاء يحملون صورا سلبية عما يجري في مصر في معظم المجالات‏..‏ خاصة في المجال السياسي‏.‏ وربما لا يكون أي من ذلك جديدا‏,‏ فالموسم السياسي الكبير في مصر الانتخابات التشريعية ومن بعدها الرئاسية في العام المقبل يعطي قصصا صحفية كبيرة خاصة لو كانت في بلد مهم ومحوري‏,‏ كما تكثر وتشيع فيه القصص الحريفة‏.‏
لقد شعرت ببداية هذا الهجوم بجانبيه خلال زيارتي الأخيرة واشنطن‏,‏ حيث وجدت الأغلبية من مراكز البحوث السياسية والإستراتيجية مهتمة بما يجري في بلدنا بعد تدويره وتحويره حتي يصل إلي قصة الخلافة السياسية‏,‏ التي ما زالت لغزا محيرا لهم‏.‏ فبعد أن خفت نجم الدكتور البرادعي أمام هذه المراكز‏,‏ حين اكتشف الباحثون والخبراء فيها‏,‏ أنه ليس لديه المعدن الرئاسي الذي يجعله صلبا في الساحة السياسية المصرية‏,‏ وإنما زائر لها من وقت لآخر‏,‏ إضافة إلي جريه نحو هوامش اليسار‏,‏ ثم ارتمائه في أحضان الإخوان المسلمين‏,‏ لم يبق بعد ذلك إلا البحث عن المستقبل المصري من زوايا أخري ذات أبعاد تراجيدية أحيانا وكوميدية في أحيان أخري‏.‏
وعلي أي حال‏,‏ لم يكن ذلك تقييمي الخاص للدكتور البرادعي الذي تظل ظاهرته أكثر تعقيدا مما تبدو عليه في القاهرة أو واشنطن‏,‏ ولكن ما أدهشني حقا هو عدم الإدراك الكافي في كلتا العاصمتين لحقيقتين‏:‏ الأولي أن الدولة بمعني سلطة علي شعب وأرض ظلت لآلاف السنين كما نعرفها الآن تقريبا في مصر قديمة للغاية‏;‏ وأنها في صورتها الحديثة ممتدة لأكثر من مائتي عام‏.‏ والثانية أن تغيير السلطة ورأسها‏,‏ واليا كان أو خديو أو سلطانا أو ملكا أو رئيسا للجمهورية‏,‏ قد تم من خلال كتاب من نوع ما‏,‏ فرمانا كان أو دستورا أو إعلانا دستوريا‏,‏ لم يحد أحد عن أي من مواده‏,‏ بل كان الالتزام به حرفيا سواء كان ذلك في عهود التبعية للإمبراطورية العثمانية‏,‏ أو ملكية الأسرة العلوية أو خلال الفترة الجمهورية‏.‏ وفي كل مرة جرت محاولة للخروج عن شرعية الكتاب كانت تلك الشرعية هي التي تنتصر في النهاية حتي لو كان أعداؤها يملكون قوة قاهرة‏.‏
النسخة الأولي من الكتاب المصري في الشرعية السياسية بدأت مع الوالي العثماني محمد علي الكبير الذي بدأ عملية الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية‏,‏ التي ترجع جذورها إلي معاهدة لندن التي تم توقيعها بين الدولة العثمانية وأربع دول أوروبية هي روسيا وإنجلترا والنمسا وبروسيا في‏15‏ يوليو‏1840,‏ ونصت المادة الأولي أو الشرط الأول منها علي أن يعطي محمد علي وخلفاؤه من بعده حكم مصر وراثيا‏.‏ ويكون لمحمد علي مدة حياته فقط حكم جنوب سوريا‏(‏ فلسطين‏),‏ وإخلاء جزيرة كريت والحجاز وأدنة‏,‏ مع إعادة الأسطول العثماني‏.‏ وتنص المادة الثانية علي أنه إذا لم يقبل هذا القرار‏,‏ في مدة عشرة أيام‏,‏ يحرم حكم ولاية عكا‏.‏ وإذا استمر رفضه‏,‏ مدة عشرة أيام أخري‏,‏ يصبح السلطان العثماني في حل من حرمانه ولاية مصر‏.‏
رفض محمد علي تلك المعاهدة‏,‏ حيث راوده الأمل أن يتفكك تحالف الدول الأوروبية ضده ووقوف فرنسا معه‏,‏ لكن الأخيرة لم تسانده‏.‏ كذلك لم تفلح محاولته في مفاوضة الباب العالي في مسألة الحكم الوراثي في مصر وحكم الشام كله طيلة حياته‏.‏ وأدي ذلك إلي تراجع جيش محمد علي في الشام‏,‏ نتيجة تدخل أساطيل الحلفاء وقواتهم وثورات الأهالي‏,‏ وانتهي الأمر إلي قبول محمد علي الصلح‏,‏ بحيث يقتصر الحكم الوراثي للوالي علي مصر فقط‏,‏ ومن الوالي إلي أكبر أبنائه‏.‏
ثم أصدر الباب العالي فرمان‏13‏ فبراير‏1841,‏ حيث أورث محمد علي وذكور أسرته حكم مصر‏,‏ علي أن يختار السلطان العثماني المتوارثين‏.‏ وإذا انقرض ذكور الأسرة الحاكمة‏,‏ يختار هو كذلك للولاية من يشاء‏.‏ ونص الفرمان علي أن جعل الولاية وراثية منحة‏,‏ تخضع لشروط الفرمان‏,‏ فتبطل إذا أخل الولاة بالشروط الواردة في الفرمان‏.‏ ونتيجة لاعتراض محمد علي علي الفرمان وتدخل الدول الأربع أصدر الباب العالي فرمانين تاليين الأول في‏23‏ مايو‏1841,‏ والثاني في‏1‏ يونيو من نفس العام لتنظيم وراثة العرش‏,‏ فحصراها في الأكبر فالأكبر من ذكور أسرة محمد علي‏,‏ أي أن السلطان فقد حق اختيار الوالي‏,‏ وإن اشترط إصداره فرمان التقليد‏.‏
هذه النسخة الأولي من كتاب الشرعية السياسية المصرية ما لبثت أن تعرضت إلي أول اختباراتها بعد اغتيال عباس باشا والي مصر الثالث بعد محمد علي وابنه إبراهيم حينما جرت محاولة لاستبعاد سعيد باشا الأحق بالسلطة وفقا للفرمانين المشار إليهما‏,‏ ولكنها وئدت في مهدها‏,‏ وقاد الرجل مصر بين عامي‏1854‏ و‏1863‏ ثم تولي إسماعيل باشا الحكم وفقا للكتاب‏,‏ أي ما هو مقرر في الفرمان العثماني‏.‏ ورغم جبروت إسماعيل وقدراته فإن رغبته في أن يكون الحكم لأبنائه من بعده لم يكن ممكنا تنفيذها بل كان مستحيلا رغم أن مصر كانت عمليا قد أصبحت مستقلة عن الدولة العثمانية دون إصدار فرمان كتاب آخر جاء بعد جهود مضنية مضيفا إلي رغبته لقب الخديو‏.‏ كان كتاب الشرعية هو الأساس الذي دونه لا يمكن حكم مصر أو البقاء علي رأس سلطتها السياسية أو حتي الوصول إليها‏.‏
واستقلت مصر فعلا بعد ثورتها العظمي عام‏1919‏ وصدر دستورها كتابها الثالث عام‏1923‏ الذي نص في المادة الأولي علي أن مصر دولة ذات سيادة وهي حرة مستقلة‏,‏ ملكها لا يجزأ ولا ينزل عن شيء منه‏,‏ وحكومتها ملكية وراثية وشكلها نيابي‏.‏ وتنص المادة‏32‏ علي أن عرش المملكة المصرية وراثي في أسرة محمد علي‏.‏ وتكون وراثة العرش وفق النظام المقرر بالأمر الكريم الصادر في‏13‏ أبريل سنة‏1922.‏ وتنص المادة‏52‏ علي أنه إثر وفاة الملك يجتمع المجلسان‏(‏ الشيوخ والنواب‏)‏ بحكم القانون في مدي عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفاة‏.‏ فإذا كان مجلس النواب منحلا وكان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر فإن المجلس القديم يعود للعمل حتي يجتمع المجلس الذي يخلفه‏.‏
وتنص المادة‏54‏ علي أنه في حالة خلو العرش لعدم وجود من يخلف الملك أو لعدم تعيين خلف له‏...‏ يجتمع المجلسان‏(‏ النواب والشيوخ‏)‏ بحكم القانون فورا في هيئة مؤتمر لاختيار الملك‏.‏ ويقع هذا الاختيار في مدي ثمانية أيام من وقت اجتماعهما ويشترط لصحته حضور ثلاثة أرباع كل من المجلسين وأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين‏.‏ فإذا لم يتسن الاختيار في الميعاد المتقدم ففي اليوم التاسع يشرع المجلسان مجتمعين في الاختيار أيا كان عدد الأعضاء الحاضرين‏.‏ وفي هذه الحالة يكون الاختيار صحيحا بالأغلبية النسبية‏.‏ وإذا كان مجلس النواب منحلا وقت خلو العرش فإنه يعود للعمل حتي يجتمع المجلس الذي يخلفه‏.‏ وتنص المادة‏55‏ علي أنه من وقت وفاة الملك إلي أن يؤدي خلفه أو أوصياء العرش اليمين تكون سلطات الملك الدستورية لمجلس الوزراء يتولاها باسم الأمة المصرية وتحت مسئوليته‏.‏ واستنادا إلي هذا الكتاب تولي الملك فاروق حكم مصر في‏28‏ أبريل‏1936‏ بعد وفاة والده الملك فؤاد الأول‏,‏ ولأنه كان قاصرا‏,‏ فقد تم تشكيل مجلس وصاية رأسه ابن عمه الأمير محمد علي بن الخديو توفيق‏,‏ وكان سبب اختياره هو أنه أكبر أمراء الأسرة العلوية سنا‏,‏ واستمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاثة أشهر‏,‏ وتوج فاروق ملكا رسميا في‏29‏ يوليو‏1937.‏
وربما في نظر الكثيرين منا‏,‏ ولدي الأجانب أكثر‏,‏ أن ثورة يوليو كانت نقطة فاصلة في التاريخ المصري‏,‏ ولكن ما حدث فعليا أنها لم تكن مثل كل الثورات التي تمزق الكتاب القديم وتحكم بسلطات استثنائية بعد إعدام أو سحل أركان النظام القديم‏.‏ ولكن ذلك لم يحدث بل خرج الملك متنازلا عن العرش مودعا من قبل عناصر البحرية المصرية بينما تطلق المدفعية‏21‏ طلقة تحية للملك الذي غادر البلاد بعد أن تنازل عن العرش لابنه الطفل أحمد فؤاد الذي كان عمره حينذاك ستة أشهر‏.‏ وتشكلت لجنة للوصاية علي العرش من الأمير محمد عبد المنعم وبهي الدين باشا بركات والقائمقام رشاد مهنا‏,‏ لكن السلطة الفعلية تركزت في يد مجلس الوزراء الذي كان يرأسه بعد قيام الثورة علي باشا ماهر‏,‏ وفي مرحلة لاحقة تولي رئاسته اللواء محمد نجيب بالإضافة إلي منصبه كقائد عام للجيش‏,‏ وأضيف إليه منصب رئيس مجلس قيادة الثورة إلي أن تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في مصر في‏18‏ يونيو‏1953,‏ وعين اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية وفقا لهذا الإعلان الذي جاء مؤقتا حتي صدور دستور جديد‏.‏ ويحكي لنا التاريخ أنه حتي جمال عبد الناصر‏,‏ بشخصيته التاريخية والكارزمية‏,‏ والمفجر الحقيقي لثورة يوليو‏,‏ فإنه لم يستطع تجاوز كتاب الشرعية خلال أزمة مارس‏1954‏ حتي بعد أن تم الإعلان في‏14‏ نوفمبر من نفس العام عن توقف محمد نجيب عن ممارسة سلطاته كرئيس للجمهورية وأن البكباشي جمال عبد الناصر سوف تنقل إليه اختصاصاته والمهام التي يقوم بها‏,‏ ولكنه رغم كل ذلك لم يصبح رئيسا للجمهورية وبقي منصب رئيس الجمهورية شاغرا لمدة تسعة عشر شهرا بعد خروج محمد نجيب‏,‏ حتي تم وضع دستور عام‏1956‏ وأجري استفتاء علي شخص رئيس الجمهورية وفقا للدستور الجديد ليصبح رئيسا لمصر في‏23‏ يونيو‏1956.‏ وتولي جمال عبدالناصر رئاسة الجمهورية العربية المتحدة التي قامت في فبراير‏1958‏ باتحاد مصر وسوريا بعد استفتاء ثان‏,‏ ثم أعيد انتخابه مرة أخري في استفتاء في مارس‏1965.‏
وينص دستور‏1956‏ في المادة‏121‏ علي أن يرشح مجلس الأمة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه رئيس الجمهورية‏,‏ ويعرض الترشيح علي المواطنين لاستفتائهم فيه‏.‏ ويعتبر المرشح رئيسا للجمهورية بحصوله علي الأغلبية المطلقة لعدد من أعطوا أصواتهم في الاستفتاء‏.‏ أما المادة‏102‏ من دستور‏1964‏ فنصت علي أن يرشح مجلس الأمة رئيس الجمهورية‏,‏ ويعرض الترشيح علي المواطنين لاستفتائهم فيه‏.‏ ويتم الترشيح في مجلس الأمة لمنصب رئيس الجمهورية بناء علي اقتراح ثلث أعضائه علي الأقل‏.‏ ويعرض المرشح الحاصل علي أغلبية ثلثي أعضاء المجلس علي المواطنين لاستفتائهم فيه‏.‏ فإذا لم يحصل أحد من المرشحين علي الأغلبية المشار إليها‏,‏ أعيد الترشيح مرة أخري بعد يومين من تاريخ التصويت الأول‏,‏ ويعرض المرشح الحاصل علي الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس علي المواطنين لاستفتائهم فيه‏.‏ ويعتبر المرشح رئيسا للجمهورية بحصوله علي الأغلبية المطلقة لعدد من أعطوا أصواتهم في الاستفتاء‏.‏ فإن لم يحصل المرشح علي هذه الأغلبية‏,‏ رشح المجلس غيره‏,‏ ويتبع في شأنه الطريقة ذاتها‏.‏
وعقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في‏28‏ سبتمبر‏1970‏ انتقلت السلطة وفقا لكتاب الشرعية إلي نائبه محمد أنور السادات‏,‏ بعد استفتاء شعبي أجري في أكتوبر‏1970,‏ وأعيد انتخاب السادات في استفتاء أكتوبر‏1976‏ رئيسا للمرة الثانية‏.‏ ويقول أحد شهود العيان في تلك المرحلة وهو الأستاذ محمد حسنين هيكل في مؤلفه خريف الغضب‏,‏ إنه في يوم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر‏,‏ سأله السادات عن رأيه في الوقت الحالي‏,‏ فقال إنه من المهم الآن أن يشعر الناس بحركة الاستمرار‏.‏ لا ينبغي أن نجدد أو نخترع‏,‏ وإنما لابد أن نحتكم جميعا إلي قاعدة وضعت سلفا‏,‏ ولا يمكن أن تكون هناك قاعدة إلا الدستور‏,‏ والدستور يقول بأنه في حالة وفاة رئيس الجمهورية فإن نائبه يتولي رئاسة الجمهورية بالنيابة لفترة ستين يوما حتي يجري الاستفتاء علي خلف له يحل محله‏.‏ وكان ذلك هو ما قاله هيكل لجماعة أخري فكرت في حجب الكتاب حتي يمكن الحفاظ علي التراث الناصري للدولة‏.‏ ولكن المثير أيضا في تلك المرحلة أن استمرارية الدولة المصرية كانت حاضرة عندما جري التساؤل حول إجراءات التعامل مع وفاة قائد الدولة‏,‏ وكان الرد هو العودة إلي تلك الإجراءات التي تم اتخاذها إبان وفاة الملك فؤاد‏.‏
وفي عام‏1971‏ ظهر الكتاب مرة أخري في صورة دستور جديد نص في المادة‏76‏ علي أن يرشح مجلس الشعب رئيس الجمهورية‏,‏ ويعرض الترشيح علي المواطنين لاستفتائهم فيه‏.‏ ويتم الترشيح في مجلس الشعب لمنصب رئيس الجمهورية بناء علي اقتراح ثلث أعضائه علي الأقل‏,‏ ويعرض المرشح الحاصل علي أغلبية ثلثي أعضاء المجلس علي المواطنين لاستفتائهم فيه‏,‏ فإذا لم يحصل علي الأغلبية المشار إليها أعيد الترشيح مرة أخري بعد يومين من تاريخ نتيجة التصويت الأول‏,‏ ويعرض المرشح الحاصل علي الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس علي المواطنين لاستفتائهم فيه‏.‏ ويعتبر المرشح رئيسا للجمهورية بحصوله علي الأغلبية المطلقة لعدد من أعطوا أصواتهم في الاستفتاء‏.‏ فإن لم يحصل المرشح علي هذه الأغلبية رشح المجلس غيره‏.‏ وتتبع في شأن ترشيحه وانتخابه الإجراءات ذاتها‏.‏
وجري تطبيق هذا الكتاب حرفيا بعد اغتيال الرئيس السادات في‏6‏ أكتوبر‏1981,‏ حيث تولي رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب‏,‏ إلي أن تولي الرئيس حسني مبارك سلطاته الدستورية في‏14‏ أكتوبر‏1981,‏ وذلك باستفتاء شعبي بعد ترشيح مجلس الشعب له‏,‏ وظل هذا الوضع قائما خلال الاستفتاءات التي أجريت في أعوام‏1987‏ و‏1993‏ و‏1999‏ وفقا للدستور وتعديلاته التي جرت في عهد الرئيس السادات عام‏1980.‏
كما تم انتخاب الرئيس مبارك لفترة ولاية جديدة عام‏2005‏ بعد تعديل المادة‏76‏ من الدستور المصري في ذلك العام‏,‏ وإقرار قانون جديد لانتخابات رئاسة الجمهورية بحيث تم إلغاء أسلوب الاستفتاء علي شخص المرشح الواحد إلي آلية الانتخاب بين أكثر من مرشح‏.‏ وقد تنافس أمام الرئيس حسني مبارك مرشح الحزب الوطني تسعة مرشحين عن أحزاب الوفد والغد والتكافل الاجتماعي ومصر العربي الاشتراكي والاتحاد الديمقراطي والدستوري الاجتماعي والأمة ومصر‏2000‏ والوفاق الوطني‏,‏ وحصل الرئيس مبارك علي أعلي نسبة تأييد بينهم وهي‏88.6%‏ من إجمالي الأصوات‏.‏
هذا هو كتاب السلطة السياسية في مصر في ظل دولتها الحديثة‏,‏ وهو كتاب كما نري كان دوما قابلا للتغيير والتعديل من خلال النظام الذي يحدده‏,‏ ولكنه ليس قابلا للخروج عنه أو عليه من قبل خديو أو ملك أو زعيم سواء كان داخل السلطة أو خارجها‏.‏ ومهما كانت التحفظات المشروعة والمقدرة علي ما هو في الكتاب الدستوري فإن مكانها النقاش والحوار العام والسعي نحو إقناع الغالبية في المجالس النيابية بأهمية التغيير من حال إلي أخري‏.‏ وربما يبدو ذلك صعبا علي جماعة منا تريد التغييرات بفرقعة إصبع‏;‏ ولكن عليهم أن يعرفوا أن استمرارية الدولة المصرية وتميزها بين أقرانها من دول كثيرة هي حفاظها علي التمسك‏,‏ ساعة التغيير والانتخاب‏,‏ بما هو موجود في الكتاب‏,‏ فإذا مرت اللحظة فإنه يمكن ساعتها التداول والتدبر الحكيم حول ما يجب تغييره وما هو واجب الحفاظ عليه حسب ما جري من تغير الظروف والأحوال‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.