إن أكثر ما يحرك الشجون والآلام فى مصر الآن هى صورة شبابها الذين يتساقطون ما بين قوات الجيش وقوات الشرطة نتيجة التفجيرات التى نفاجأ بها من وقت لآخر وأبناء الجامعات والمساكين الذين يطاردهم الإرهاب فى الشوارع وهم يبحثون عن تعليم ناضج لمستقبل أفضل وعن لقمة عيش شريفة وسط مجتمع من الضباع الذين نهبوا الحاضر والماضى ويتربصون بالمستقبل. نجد أن الوقت الحاضر ورغم ما نراه ونعيشه من ظروف لا حول بها ولا قوة نجد أنفسنا أمام جيل من الشباب امتلك القوة والجسارة حين خرج يوم 25 يناير بعيداً عن أنه يمتلك العديد من المواهب والطموح، ولكن مازال البعض يُنكر شرف الثورة وأنها كانت مؤامرة متعددة الأطراف ما بين الداخل والخارج رغم أنها كانت من أشرف اللحظات فى تاريخنا المعاصر. ونجد هناك مازال البعض يتهم ويُنكر على شباب مصر هذه اللحظة النادرة فى تاريخ المصريين ، ولكن لا نستطيع أن ننكر أن هؤلاء الشباب خرجوا وقدموا أرواحهم فداء وطن استعبدته عصابة من الأفاقين واللصوص واستباحت كل شيء فيه فهل كان الوفاء لمن حرروا إرادة هذا الشعب فهذه الاتهامات الباطلة وهذا الظلم الفادح لا يستطيع أن يغير مصيرهم نحو بناء المستقبل الذى يريدونه. نجد أنه من السهل أن نسرق حلم جيل كامل وقد نسرق منه لحظة وقد حدث وقد نتحايل عليه فى فرصة وقد حدث وقد نحاول بكل الوسائل أن نوقف مسيرته ولكن الزمن سوف يقف أمامنا بالمرصاد لأنه فى النهاية صاحب الحسم والقرار. نجد جيل الشباب الذى يطارد الآن فى كل المواقع لا يملك المشروع وليس فى يده سلطة القرار ولا يدعى أن لديه برامج مدروسة إلا أن الشيء المؤكد بأنه وحده صاحب الغد وهو الوحيد الذى يمكن أن يتحدث عن المستقبل أمام أجيال انتهى عمرها الافتراضي من زمن بعيد. وحقيقة الأمر نجد أنفسنا أمام جيل من الشباب لم يجد من يُؤهله بالخبرة والمعرفة أمام مجتمع لم يعرف غير الأنانية وحب الذات ونظام قرر أن يتخلص من كل الكفاءات وأن يهدر كل الطاقات ، وكان ثمن ذلك كله ملايين الضحايا من أجيال شباب متعاقبة فمن كان عمره ثلاثون عاماً وجد نفسه بعد ثلاثين مثلها يقف أمام شباك المعاشات ليستلم الاستمارة رقم 6 وبطاقة عليها رقم المعاش والاسم والعنوان. وهذا يدل على مجتمع فقد أبسط قوانين العدالة وتكافؤ الفرص والاستثمار الحقيقى للبشر. ولنعتقد بأن هناك مجموعات من البشر سرقت خيرات شعب واستباحت كل شئ فيه فنحن الأن أمام أجيال لن تستسلم لمثل هذا الماضى القبيح، فى ثلاث سنوات أصبحنا أمام ثلاثة رؤساء اثنان منهما أمام العدالة ولن يحكمنا رئيس آخر لفترة طويلة ، ولابد أن يعترف هذا الوطن بالعرفان لبعض شبابه لأنهم وحدهم من حققوا هذه المعجزة وقدموا دمائهم من أجل الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية للمجتمع ككل ، بينما كانت فلول الأجيال الأخرى بتدينها الكاذب وحرياتها المغرضة تغامر وتقامر وتجنى ثمار الشر وحدها. - ولنجد أنفسنا أمام مواجهة حقيقية بين أجيال مصر، جيلٌ أسقط أكثر من نظام وصنع معجزة وأجيال تتربص بالمستقبل رغم أنها لن تكون صاحبة دور فيه، ونجد أيضاً الأجيال القديمة مازالت تبخل على الأجيال الجديدة بالخبرات والفرص بدافع الأنانية والإمساك بحركة الزمن والتاريخ، ونتأكد بالفعل بأن الأجيال الشابة ضاقت بكل ما حولها من ألوان العفن والتحايل والرقص على الحبال. حقيقة الأمر أننا أمام مجتمع من الشباب تقوده وتحركه عقول شاخت وأمام حماس أجيال تبحث عن حقها فى الحياة أمام بقايا أزمنة رحلت وحشود ترهلت، ولنتساءل: كيف سالت دماء هؤلاء الشباب بأوامر من قيادات عاشت عمرها آلاف المرات وبخلت على أبنائها أن تعيش مرة واحدة. فالصراع الدامى الذى يجرى فى مصر الآن ويتساقط فيه آلاف الشباب هو أكبر جريمة فى حق المستقبل وبدلاً من أن نتركه لأجيالنا القادمة حباً وبناءً وشموخاً نراه دماء وضحايا وخرائب فى الفكر والعقائد، وهنا نجد الآن بأن مصر تعيش أمام هذا الصراع الواضح حالة من الإفلاس غريبة الوصف والواقع. فنحن أمام إفلاس فكرى مخيف ما بين نخبة تجرفت بشيوخها وشبابها ومجتمع أفلس فى ثوابته وقيمه وكل ما بناه منذ زمن بعيد وحضارة شامخة تكاد تنهار، فنحن أمام إفلاس ثقافى أمام وطن كانت الثقافة والحضارة عموده الفقرى وكان البشر أغلى ثرواته ولكن تحول إلى إطلال فى الثقافة والفكر، فنحن أمام إفلاس اقتصادى وأمام مجتمع تجاوز فيه حجم الدين المحلى أرقام يصعب التدقيق فيها من كثافة حجمها وخطورتها، وأصبح مجتمعاً خاملاً لا يعمل ولا ينتج. فبذلك أصبح عاجزاً عن توفير فرص عمل لشبابه وتحول إلى حشود وفرق فئوية، وكل فريق يبحث عن شئ من الغنيمة رغم أن الملايين من شبابه تلقيهم الطرق إلى الطرق والشوارع إلى الشوارع وجدوا أنفسهم أمام مستقبل غامض وواقع كئيب وقادة بخلاء مكابرين جهلاء بالمسئولية حمقاء على رعاياهم ، فالمجتمع الآن يعانى من إفلاس سلوكى وأخلاقى، مجتمع فقد الضوابط وأصبحت مواكب الفوضى تحكم كل شيء فيه. وهنا نجد أنفسنا أمام إتهام وجه للشباب بأن البعض يقول أن أجيال الشباب لا تعترف بمن كانوا قبلهم وأننا نعيش فعلاً حالة صراع بين الأجيال. فالصراع فى حقيقته يعنى أننا أمام قوى متكافئة، وهنا نضع المقارنة بحشود الشباب بصراخهم وشكواهم بأجيال أخرى تملك كل شيء ابتداءً بثروات الوطن وانتهاءً بسلطة القرار مروراً على دوائر أخرى لا تراها العين وإن كانت تحكم كل شئ إلا إنها كانت لا تدرك أى شيء ولا تعقل أى شيء. ولنجد سراديب السلطة فى مصر بكل ما فيها من تراث عقيم للبيروقراطية المصرية العريقة ووجوه تجاوزت كل حسابات الزمن لا يمكن أن تدفع مجتمعاً للأمام أمام عصر اختلف كل مقوماته وألوانه وحركة الأشياء فيه أصبحت بشكل المنافسة والمقارنة والتفوق، ولنجد أن مئات الالاف من المسئولين القابعين فى دوائر الحكومة ومؤسساتها وتتجاوز رواتبهم أكثر من 20 مليار جنيه يمثلون عبئاً على ميزانية الدولة وإدارة شئونها وسرعة قراراتها. إن هؤلاء يجيدون لعبة واحدة هى إيقاف عقارب الزمن وهؤلاء يقومون بدور تاريخى فى تعطيل حركة المجتمع ، فهم لا يشعرون بالآخرين الذين يعيشون معهم فى مجتمع واحد لا يدركون معاناة الجوع والفقر والحاجة ،فلا أجد مبرراً لمنطق الاتهامات أو الوصف لهم، ولكن أصبحنا نجد أجيال قديمة تُدين ما حدث فى ثورة يناير ولاءً لماض مغرض وقبيح وأجيال شابة تجد من يشكك فى قدراتها وأفكارها وثقافتها وحتى مصداقية انتمائها لا يقصدون بذلك سوى تحطيمهم وعرقلتهم. وهنا نجد شيئا غريبا؛ فالأجيال القديمة تسأل الشباب فى صورة إدانة لماذا لا تتعلمون، والأجيال الشابة تتساءل فى عتاب ومن أين نتعلم أمام ثقافة خاوية وتعليم فاسد وإعلام تنكر لكل المبادئ وحكومة عاجزة على تحقيق أبسط الأشياء لشعبها.
نحن أمام جيل من الشباب لا بديل عن تسليم الراية له ولكن عليه أن يبدأ فى إعداد نفسه فكرياً وعملياً لكى يكون قادراً على تحمل المسئولية تعلم من الماضى ومن الحاضر فمن واجبه أن يتأنى قليلا ليصنع المستقبل. ومن مسئولية الأجيال الأخرى أن تسلم بالأمر الواقع بأن هذا الجيل هو صاحب المستقبل ولا بديل عنه، لأننا أمام مجتمع توقف تماماً عن العمل بكل أجياله القديمة والجديدة وتحولت أحلامه وقدراته إلى مطالب فقط ، وإذا كانت المطالب حق فإن العمل واجب ولا يمكن أن يتطور مجتمع من المجتمعات بينما نصفه يحمل مطالبه والنصف الآخر يتظاهر فى الشوارع بينما هناك فصيل آخر يترصد الجميع بالقتل والإرهاب ينفذ ما يطلب من قياداته ولا يعى أين تعليمه وأين عقله وأين دينه وخوفه من ربه فيما ينفذه طاعةً لقادته. والواقع السئ الآن هو أن صورة القادرين من أثرياء مصر الأن تدعو للأسف أمام سلبيتهم الواضحة وتخليهم عن دورهم الاجتماعي والإنساني أين اصحاب المليارات والملايين والأرقام الخيالية من رجال الأعمال وأين مكاسبهم من الأراضى والبنوك والعقارات والعمولات ومضاربات البورصة والاتجار بحياة شعب كامل؟ أين هؤلاء جميعاً من الأعباء الضخمة التى يعانى منها المجتمع المصرى بكل فئاته وطوائفه؟ وتكمن الإجابة هنا أننا الأن نتلقى معونات ضخمة من الدول العربية الشقيقة والمواطن المصرى البسيط يتساءل .أين معونات القادرين من أبناء الشعب أين أصحاب القصور والمدن الجديدة والمنتجعات وأين الذين باعوا القطاع العام وأخذوا المليارات قروضاً من البنوك وأين سماسرة الأراضى والعقارات طوال السنوات الماضية من الخراب والنهب والدولة والحضارة العريقة التى أقبلت على الإنهيار؟. إن معركة مصر الحقيقية الآن ينبغى أن تكون معركة البناء والعودة عن الأفعال التى لا نجنى منها إلا الضرر بمجتمعنا ، وهذه تحتاج مننا جميعاً أن نجتمع فى لحظة تتجرد فيها النفوس وتصفوا المشاعر وتتوحد الإرادة حتى ننتصر فى معركتنا فى الداخل ضد التخلف ومعركتنا فى الخارج ضد المؤامرات، وأن يقدم قادتنا وعلمائنا كل الخبرات والنصائح لشباب وطنهم الذين يحملون راية بلدهم كما فعل قادتهم معهم حتى وصلوا لمكانتهم الآن ، وليعلم الجميع أن ما سلبيات الماضى القريب مثلت عبئاً جسيماً على الوطن ، أصبح من الصعب تصحيح صوابه ولكن ليس بمستحيل ، فلنعزم الآمر جميعاً ونتوكل على الله ، نحو بناء وطن بسواعد الشباب وخبرات الأمجاد.