احتدم النقاش مؤخرآ في مصر حول استخدام الفحم مصدرآ للطاقة، وللأسف كما في كل الأمور التي نختلف عليها يتحول النقاش إلى أمور شخصية، لأننا في مصر لا نملك ثقافة الحوار، ولا نملك موهبة الاستماع إلى الرأي الآخر، ولا نملك شجاعة أن نقول للطرف الآخر: أحسنت أنت وأنا أخطأت، ومع ذلك فإن الحقائق العلمية تبقى فوق الجميع، ورغمآ عن الجميع، ولا اجتهادات شخصية فيها، والحقائق العلمية في استخدام الفحم مصدرآ للطاقة تشمل الآتي: أولآ: لاشك أن تكلفة استخدام الفحم أقل من تكلفة استخدام الغاز بصورة مجردة، ولكن بالنظر إلى الكوارث الصحية والبيئية لإستخدام الفحم يكون ثمن الغاز أرخص، ويجدر بي هنا أن أشير إلى تقرير علمي أصدرته جامعة هارفارد يفيد أن تكلفة علاج الآثار السيئة الناجمة عن استخدام الفحم في الولاياتالمتحدةالأمريكية تصل إلى خمسمائة مليار دولار سنويآ. ثانيآ: توصي كل المراكز العالمية وجامعة هارفارد أن يتوقف استخدام الفحم في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة - مثل صناعة الأسمنت - حتى يتم التوصل إلى تكنولوجيا الفحم النظيف ( Clean Coal Technology CCT) والتي لم يتوصل العالم لها حتى الآن ولا يتوقع الوصول إليها قبل عام 2020. ثالثآ: من المتوقع أن يكون سعر الفحم في عام 2017 أغلى من سعر الغاز، وبدون احتساب تكاليف علاج الآثار الصحية والبيئية المترتبة على استخدام الفحم، فلماذا الإصرار على المضي قدمآ في استخدام الفحم كمصدر للطاقة. رابعآ: يجب أن ندرك تمامآ أن استخدام الطاقة الأحفورية ( وهى الطاقة الناجمة عن استخدام مصادر تستخرج بالحفر من باطن الأرض مثل الفحم والغاز والبترول ) سوف تؤدي إلى كارثة مهلكة ما لم تتخذ إجراءات حاسمة للحد من الإحترار المناخي ، وكان هذا تحذيرآ أصدرته هيئة الأممالمتحدة في 12 أبريل 2014 إلى كل الحكومات المعنية بتغير المناخ وضعه 235 عالمآ من 58 بلدآ، وراجعه 900 خبير واختصاصي من خارج الهيئة، وقد تضمن هذا التقرير النقاط الآتية: 1- وصل الإحترار المناخي الناجم عن النشاط البشري إلى مرحلة حرجة نتيجة سنين من التراخي النسبي لحكومات العالم، وحسب التحذير، إذا لم يقم العالم بتحرك كبير خلال الخمس عشرة سنة المقبلة لاستبدال الوقود الأحفوري الذي ينتج عن الفحم والغاز والبترول بمصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، فسوف تحدث كارثة بيئية. 2- ينبه التقرير إلى أن عواقب عدم الاستبدال ستشمل انهيار الصفائح الجليدية في العالم، وارتفاعاً كبيراً في مستويات البحار، وزوال الغابات على نطاق هائل، والعجز عن إنتاج إمدادات غذائية كافية، وانقراض جماعي لأنواع حيوانية ونباتية. وستكون تلك صورة بشعة. 3- نتيجة تقصير دول العالم، ازدادت انبعاثات الغازات على مستوى العالم خلال العقد الأول في القرن الواحد والعشرين بمقدار ضعف زياداتها في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وقد قال أو ثمار ايدنهوفر، بروفيسور اقتصاد التغير المناخي في معهد برلين للتكنولوجيا، والرئيس المشارك لمجموعة العمل الثالثة التابعة للهيئة الحكومية الدولية : "نحن لا نستطيع تحمل إضاعة عقد آخر". 4- ذكر تقرير الهيئة الحكومية الدولية أنه إذا ما استمر تراخي المجتمع الدولي، فسوف يتم استثمار مليارات الدولارات في السنوات المقبلة لبناء محطات طاقة وأبنية، وإنتاج شاحنات وسيارات ، جميعها تعتمد على الوقود الأحفوري الفتاك، مما سيؤدي إلى زيادة الاحترار المناخي وحدوث كوارث بيئية. 5- أثبتت أبحاث البروفيسور مارك جاكوبسون أستاذ الهندسة في جامعة ستانفورد، والبروفيسور مارك ديلوتشي الباحث في الاقتصاد والبيئة بجامعة كاليفورنيا أن البشرية ليست مرغمة على سلوك هذا الطريق المهلك نتيجة استخدام الوقود الأحفوري الناتج من الفحم والغاز، حيث أنه بالإمكان أن تتحول البشرية إلى نظام طاقة يعتمد كليآ على مصادر متجددة بحلول عام 2030 ، إذا إعتمدت دول العالم على تكنولوجيات يدقق عليها العلماء وليست على تلك التي تروج لها الشركات الصناعية ، والخطة التي اقترحها جاكوبسون وديلوتشي لتحول العالم إلى الاعتماد بنسبة 100% على طاقة مستمدة من الرياح والمياه والشمس بحلول عام 2030 تدعو إلى صنع ملايين من توربينات توليد الطاقة من الرياح ، ومنشآت توليد الطاقة من المياه والشمس. 6- أشار جاكوبسون وديلوتشي في خطتهما المقترحة إلى "أن أشكالاً معينة من طاقة الرياح والمياه والشمس ستكون أكثر تكلفة بكثير من الطاقة الأحفورية"، لكن على المدى البعيد، ما من شيء يمكن أن يكون أكثر تكلفة من مواصلة السير على الطريق الراهن بمعنى أنه رغم ارتفاع تكلفة طاقة الرياح والمياه والشمس، لكن على المدى البعيد ستكون تكاليف استخدام الفحم والغاز أعلى بكثير ماليآ وصحيآ وبيئيآ، كما يقول شعار لنشطاء حماية البيئة "لا يوجد اقتصاد على كوكب ميت". 7- من المتوقع أن يواجه التحول إلى مصادر طاقة صديقة للبيئة عقبة شديدة تتمثل في القوة السياسية التي تتمتع بها شركات الطاقة الأحفورية والمؤسسات المالية التي تدعمها، ما دفع العلماء إلى حث المشرعين وصانعي السياسة الذين يريدون إنقاذ كوكب الأرض على إيجاد سبل لمقاومة ضغوط شركات الفحم والغاز.