تتعدد ديانات العالم تعددا هائلا, كما لا يكاد يوجد وطن واحد في هذا العالم تجمع كل سكانه عقيدة واحدة, أو مذهب واحد, وغالبا ما تتكون الدولة من أغلبية دينة كبيرة وصغيرة ومعها العديد من الأقليات الدينية الكبيرة والصغيرة ايضا هذا من ناحية, ولكن ورغم ذلك نجد من الناس من يسعي للتأكيد علي عناصر الاختلاف والتنافر بين الناس والعقائد المختلفة, أما العصر الحديث والدول الحديثة, والتي تؤمن بالديمقراطية وحقوق الانسان والحكم فيها يستند الي الجماهير وليس لحقوق إلهية أو ملكية, ومن ناحية ثانية مثلت العولمة تحديا حقيقيا للعقائد والديانات المختلفة في العالم, اذ لم يعد من الممكن ان تكتفي أي دولة ذاتيا اكتفاء كاملا أو حتي تستغني استغناء تاما عن ابناء الشعوب الاخري بغض النظر عن اختلاف درجات التقدم والرفاهية للبلدان المختلفة. كما أصبحت شبكات الاتصالات الاليكترونية كالانترنت والاقمار الصناعية ميدانا واسعا ومفتوحا للتعارف والتفاهم والتعاون بين شعوب العالم كل بصرف النظر عن اختلاف الوطن والنوع والدين والعرق, وهو ما يحتم ضرورة البحث عن أرض مشتركة ومساحات من الاتفاق بين الشعوب المختلفة لتعزيز التفاهم والتعاون والسلام بني الناس جميعا. ولكن ورغم ذلك نجد من الناس من يسعي للتأكيد علي عناصر الاختلاف والتنافر بين الناس والعقائد المختلفة, كما يسعي للتأكيد علي استحالة التوفيق بين الأضداد اذا اعتبرنا ان الاديان كلها ضد بعضها البعض, وهو ما يؤدي في النهاية الي اثارة الضغائن والاحقاد والكراهية بين انصار الديانات المختلفة, سواء كان داخل الوطن الواحد او بين الدول المختلفة, ومن اسف ان اصحاب تلك الاصوات المنكرة منتشرون بين ابناء مختلف الملل المدعوة اليوم للتفاهم اكثر من أي وقت مضي. وفي البداية اؤكد انه ليس هناك حصر دقيق لأديان العالم, لأسباب متعددة منها: الاختلافات الفكرية والثقافية حول تعريف الدين والتمييز بينه وبين المعتقد, والمذهب أساسيا كان أو فرعيا والطائفة والملة, ومنها كذلك الحركة المستمرة للناس بين الأديان دخولا وخروجا ومنها أيضا أن كثيرا من شعوب العالم قد اعتمدت العلمانية في نظامها القانوني ولم تعد وثائقها الرسمية تهتم بتسجيل ديانات مواطنيها ومذاهبهم, ومن هنا يقدر بعض الباحثين عدد الأديان بعشرة الآف دين, منها مئة وخمسين ديانة يزيد عدد معتنقيها علي مليون فأكثر, وهكذا يتراوح عدد معتنقي الأديان بين أكثر من مليار, كما في الاسلام والمسيحية, أو عدة آلاف كما في عشرات الديانات القبلية والمحلية هنا وهناك. وعموما وعلي سبيل التذكرة فقط تشير بعض المصادر الي بعض الديانات الكبري وهي: المسيحية ويعتنقها مليارا شخص, الاسلام ويعتنقه3,1 مليار, الهندوسية900 مليون, البوذية400 مليون, ديانات محلية400 مليون, السيخ30 مليونا واليهود20 مليون شخص,فإذا كان مجموع معتنقي الديانات الكبري تلك لايزيد كثيرا علي خمسة مليارات شخص فان معني ذلك أن هناك حوالي مليار شخص نصفهم ممن لم يعرف لهم دين, ونصفهم الآخر ممن لا يؤمنون بأي دين, المهم أنه لظروف تاريخية معقدة توزعت معظم تلك الديانات علي معظم بقاع ودول العالم, لننتهي الي أن كل دول العالم تقريبا تضم أغلبية تنتمي الي دين معين, وأقلية أو اقليات تنتمي إلي دين أو أديان أخري وطبعا سيزداد الأمر تعقيدا لو كنا ولنا الاقليات العرقية والثقافية وغيرها. وأعود سريعا الي معتنقي الاسلام من الأقليات, اذا تشير الدراسات الي أن أكثر من ثلث المسلمين(500 مليون) يعيشون كأقليات تتراوح بين أكثر من مئة مليون مسلم يمثلون عشرين بالمائة من سكان الهند, وبضعة آلاف قد لا تصل الي واحد بالمئة من سكان بعض الدول, فكيف تعيش تلك الأقلية وغيرها من أقليات دينية في دول غالبيتها تدين بدين مختلف, أقول انه في العصور الوسطي وفي ظل نظم دينية أو طائفية أو قبلية أو ملكية, كانت الحدود بين الأقلية والأغلبية وحقوق الأقلية توضع بشكل تعسفي وتحكمي من النظام الحاكم, مع التهديد المستمر بالاضطهاد بل والابادة, التي عانت منها أقليات مسيحية ومسلمة ويهودية وهنود حمر في فترات وبقاع مختلفة من العالم. أما العصر الحديث والدول الحديثة, والتي تؤمن بالديمقراطية وحقوق الانسان والحكم فيها يستند الي الجماهير وليس لحقوق إلهية أو ملكية, فانها قد حلت مشكلة الأقليات بقوانين المواطنة التي تساوي في الحقوق والواجبات بين مختلف السكان بلا تمييز علي أساس الدين أو النوع أو العرق أو غيرها, كما حلت مشكلة الأقليات في الحكم والبرلمان بأحد طريقين: الأول الأخذ بالنظام العلماني الذي لا يهتم بعقائد الناس في التوظيف والترشيح والانتخاب وتولي المناصب كبيرة كانت أم صغيرة, والثاني الأخذ بنظام المحاصصة( الكوتة), أي يتم تمثيل المواطنين تبعا لدياناتهم في الوظائف والبرلمان وغيره بنسب تتسق مع أعدادهم في المجتمع, وهكذا حصلت الأقليات علي حقوقها, وعاشت في وئام وسلام مع الأغلبية. هذا علي مستوي الاوطان وفي داخلها وعلي المستوي الدولي مثلت حركة حقوق الانسان الاطار الحاكم للنظر الي الفرد وما ينبغي ان يتوافر له من حقوق واحترام وقد تجاوزت حركة حقوق الانسان كونها مجرد توصيات نظرية فلسفية وانما صبحت هناك آليات محترمة لصيانة تلك الحقوق أو تعديلها اذا لزم الأمر, ومن هنا فانني كمسلم اتمني أن تعيش الاقليات المسلمة مهما كانت اعدادها متناهية الصغر في جميع دول العالم في وئام مع أغلبية تحترم عقيدتها وتراثها وطقوسها وتعطيها الحق في اقامة شعائرها وبناء مساجدها, وتعطيها الحق في بناء مدارس تدرس لأبنائها المسلمين عقيدتهم وتراثهم ولغتهم وتاريخهم وفنونهم. وتعطيها الحق بأن يكون لها ممثلون في البرلمان والوزارة ومختلف المناصب الكبري, وهكذا ينبغي ان نعترف للجميع بحقوق المواطنة وحقوق الانسان بصرف النظر عن اختلاف مللهم وعقائدهم ودياناتهم وأظن أن الانصاف يحتم علي أن أعطي الناس من الحقوق, وما أطالب به لأهلي وعشيرتي, ودون ذلك لا يكون هناك سوي الازدواجية والفصام والكيل بمكيالين والتعصب البغيض والكراهية المقيتة التي تشعل في الأوطان نارا لا تبقي ولاتذر.