ماذا يعني يوليو بالنسبة للمصريين؟ أكيد أن أول ما يتبادر إلي الذهن هو الرطوبة والحرارة! وقد يوحي الشهر لآخرين بالإجازة الصيفية, أو النكد العائلي لاضطرار أفراد الأسرة لتمضية قدر أكبر من الوقت مع بعضهم البعض. وقد يعني الشهر لفئة معينة مارينا سواء من قبل سكانها أو الحالمين بها أو حتي الحاقدين عليها. ويعني لآخرين جولات مكوكية في المدن الأوروبية للتبضع واكتناز أحدث صيحات الملابس قبل أن تقتنيها مدام شيرويت أو ترتديها مدموازيل كوكيت. المهم أن شهر يوليو بات لا يخرج في أذهان المصريين عن الارتباطات المناخية والقيود المادية وربما المشكلات الاجتماعية والزوجية, لكن عددا منهم مازالوا يشعرون بأنه شهر الثورة والتغيير الفعلي الحقيقي الذي طرأ علي مصر والمصريين في العصر الحديث, أحببناه أم كرهناه, قليل جدا جدا. سألت شابا من العائلة عن يوليو, فقال دون تفكير: صيف وافتكاسات وساحل وحفلات. أحلي شهر في السنة. وكررت السؤال مرارا وتكرارا علي شباب وشابات علي اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية, وجاءتني الإجابات متشابهة إلي درجة تغيظ. سيتي ستارز وكافيهات نوم ثم نوم ثم نوم! أنتخة ودماغ عالية وبس. ولا أنكر أنه كانت هناك إجابات حاول أصحابها أن يرتدوا رداء الأخلاق والفضيلة, ومنهم من قالت: أساعد ماما شوية في شغل البيت وأخرج مع صاحباتي شوية. أو أقف مع بابا في المحل وبعدين أقابل أصحابي, وهناك من ذكر الصلاة وقراءة القرآن, أو زيارة الأقارب وود الأهل وما شابه. رجل سبعيني وحيد هو الذي قال طبعا يوليو يعني ثورة يوليو. لم أتوقف كثيرا لأساله عن موقفه من الثورة, أو رأيه في الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, فما يعنيني هو أن يستوقفنا هذا الشهر, لا سيما الشباب منا, لنسأل أنفسنا ومن حولنا ونبحث في التغيير الأكبر, ويكاد يكون الوحيد بهذا الحجم الذي طرأ علينا. لم يذكر أحد باستثناء هذا الرجل ثورة يوليو, لا بالخير ولا بالشر. وكان عندي أهون لو حتي تم ذكرها بالنقد والتوبيخ, لكن ألا تستوقف أحدا, فهذا هو المخيف. أغلبنا يتوق إلي التغيير, لكن أغلب الظن أننا لسنا متأكدين من نوع أو شكل التغيير الذي نبتغيه. بمعني آخر عايزين نغير وخلاص. والحقيقة أن لنا عذرنا في ذلك. فالملل يكاد يقتلنا, فما نبيت فيه نصحو فيه, والمشكلات قتلتنا بالفعل. ولأننا لا حول لنا أو قوة, ولأننا غير مسلحين ببدائل حياتية., وغير مجهزين بالقدرة علي التفكير العلمي الصائب للخروج من المطبات, وغير معتادين علي ملكة أو مهارة وضع تصورات للمستقبل بناء علي معطيات حالية, وبالتالي نعتقد أنه لا حل لنا سوي التغيير. ورغم الأحداث الهائلة والكثيرة, والإيجابية والسلبية, التي مرت بنا أو مررنا بها خلال الأعوام ال58 الماضية, إلا أن ثورة يوليو تظل الحدث الأكبر, علي الأقل بالنسبة إلي ما أسفرت عنه ومازالت حتي يومنا هذا. لماذا لا يكون شهر يوليو شهرا مصريا بجدارة؟ لماذا لا نستفيد من تزامن هذا الشهر بذكرياته الكثيرة من ثورة مصرية, وتأميم قناة السويس والجلاء وغيرها كثير من الأحداث وتكون هناك فعاليات موجهة إلي الشباب, بس والنبي بلاش حكاية شباب الحزب الوطني والشباب الجد بتبني مش بتهد والحاجات دي. وبمعني آخر, يمكن لجهة أو جهات ما, ولتكن علي غرار ساقية الصاوي مثلا, ويتم تنظيم فعاليات جاذبة للشباب تتيح لهم فرصة التواصل الفعلي وليس مجرد الاستماع لمحاضرات ومواعظ؟! الحكومة ونحن وعلي سيرة المحاضرات والمواعظ أتساءل سؤالا بريئا: حين يتنامي إلي علم حكومة ما أن الشعب ناقم عليها وفي حالة مستمرة من عدم الرضا عنها وعن أفعالها, أو فلنقل مش, علي بلاطة مش مستوعبها, ماذا تفعل؟ ولا أقصد حكومتنا علي وجه التحديد, ولكنه سؤال عام! يفترض أن الحكومة, أي حكومة, يصل أعضاؤها إلي منصابهم لأن الشعب اختار الحزب أو التوجه السياسي الذي ينتمون إليه, أو بمعني آخر تم اختيارهم لتبوؤ هذه المناصب ليخدموا من خلالها الناخبين الذين يفترض طبعا أنهم اختاروا بحرية وشفافية من ييسر ويدير لهم أمورهم. لكن إذا استمرت حالة عدم الرضا هذه, ولم تكن مرتبطة بتصرف بعينه, أو سياسة ما دونا عن بقية السياسات, هل ترد الحكومة بتصريحات ومؤتمرات ومحاضرات يدور جميعها في إطار واحد ألا وهو لأنكم مش فاهمين وإحنا إللي فاهمين, عليكم بالانصياع التام لما نقرره دون أن تشتكوا. أما من تسول له نفسه منكم بأن ينتقد تصرفاتنا أو سياساتنا, فسنرد عليه بالتجاهل التام, لأننا بصراحة فاهمين أكثر!؟ في هذه الحالة, هل يسلم الشعب أنه البعيد مش فاهم؟ أم يعترض ويطالب بحوار يتعامل فيه الطرفان بندية وليس من منطلق السيد والعبد؟ مجرد سؤال! مجرد سؤال أيضا أطرحه حول العنف والسلاح وضغوط الطبقة المتوسطة في مصر. المذيع الهاديء إيهاب صلاح, الذي أعتقد أن كثيرين يعرفون وجهه تمام المعرفة, لكنهم باتوا يعرفون إسمه بعد ما قتل زوجته. رجل أربعيني يبدو من ملامحه أنه هاديء الطباع, مذيع رزين يعرف ملامح وجهه من يواظبون علي متابعة نشرات الأخبار علي التليفزيون المصري. عاد إلي بيته في تلك الليلة, وتشاجر مع زوجته, ويبدو أن الحياة الزوجية بينهما لم تكن تسير بسلاسة. كلمة من هنا وكلمة من هناك, احتدمت المشاجرة, وتطور الموقف لتعايره الزوجة بانها تنفق عليه وعلي البيت. قال لها شيئا أغضبها, أو أتي بفعل زاد من احتدام الموقف, فلطمته علي وجهه لطمة طارت معها نظارته. جن جنونه, وتوجه إلي غرفة النوم وعاد بمسدس قيل انه لوالده و.. قتلها. جرائم القتل قديمة قدم التاريخ, ولكن مع ظهور نوعيات حديثة منها, أو مع انضمام أنواع جديدة إلي فئة القتلة, يتحتم علينا أن نتوقف لبعض الوقت. وما لفت انتباهي في هذا الحادث المؤلم بضع نقاط هي: أولا اتساع تعريف المرأة المعيلة, فهي لم تعد حكرا علي طبقة السيدات المطحونات المتزوجات من عواطلية ومدمنين ومسجونين ومبلطجين في البيت أو حتي مرضي, فهناك فئة من النساء المعيلات ممن ينتمين إلي طبقات اجتماعية واقتصادية مرتفعة. وللعلم هي طبقة ليست قليلة وآخذة في الاتساع. ثانيا: أتمني ان تتبني احدي الجهات البحثية او أحد الباحثين الجامعيين البحث والتنقيب في أثر تنامي ظاهرة المرأة المعيلة علي تركيبة قضايا الجندر في مصر, أو بمعني آخر, مازال المجتمع المصري مجتمعا ذكوريا بحتا بغض النظر عما احرزته المرأة من مكاسب وانجازات, وهذا يعني انه في الأحوال التي تكون فيها المرأة هي المعيلة, أو صاحبة نسبة الانفاق الأكبر في البيت, هناك آثار نفسية عدة تلقي بظلالها, هذه الآثار قد تعبر عن نفسها بمزيد من القهر من قبل الزوج علي الزوجة, أو بشعور الرجل بالضعف والحرج وفقدان الثقة في النفس, وهي مشاعر قد لا يعبر عنها صراحة او مباشرة, لكنه يختزنها, وكل ما تم اختزانه مصيره الخروج من مخزنه, قد يخرج في صورة هدوء غير معتاد, او عصبية غير مبررة, او حتي هروب من المكان الذي يذكره بما يعتبره ضعفا الا وهو البيت. ثالثا: راتب المذيع التليفزيوني الذي يعمل في التليفزيون الرسمي الدولة لا يكفي لاعاشته هو وزوجته. رابعا: هل الأسلحة تورث؟ وهل يطلب من الأبناء الذين يرثونها الحصول علي إذن بحيازة السلاح الموروث أم أنهم يرثونه اتوماتيكيا؟ خامسا: كثير من التعليقات التي كتبها قراء المواقع الخبرية الالكترونية دار في فلك الدين وحتي أكون أكثر تحديدا في فلك الدين الإسلامي, هذه ليست اخلاق الرجل المسلم المرأة المسلمة التي تتحلي بأخلاق الإسلام لا تعير زوجها هو أساء اختيار الزوجة, ولو كان اختارها متبعا ما امرنا به الله تعالي, ورسوله الكريم لما انتهي به المطاف هذه النهاية وبداية أقول إنه بالطبع فإن الدين الإسلامي الحنيف بريء تماما من مثل هذه الجرائم البشعة, وكذلك الحال لبقية الاديان السماوية التي نؤمن بها, فلو كان القاتل والمقتولة مسيحيين او حتي يهوديين, فإن هذا لا يبرر الحادث, لماذا إذن نقحم الدين في كل شيء؟ وهل معايير اختيار شريك الحياة تختلف في الإسلام عنها في المسيحية مثلا؟ لقد صارت عباءة الدين فضفاضة اكثر مما ينبغي, وهي للأسف اثرت سلبيا علي عباءات اخري منها ما هو اخلاقي ومنهاما هو قيمي ومنها ما هو منطقي وعقلاني, لقد بات همنا الأوحد هو المظهر, ولاننا نعيش للأسف عصر الاحتكار الديني, فقد تركنا انفسنا لقمة سائغة لكل من قرر ان يفسر الدين بتفسيراته الخاصة به والتي تناسب اهواءه وترضيها, كما اننا غيبنا العقل, واعتبرنا من يلجأ اليه كافرا وفاسقا, رغم ان الدين لا يكتمل دون العقل. العقل زينة: ولأن العقل زينة, فعلينا قدر المستطاع ان نستخدمه في أمور حياتنا, ومن هذه الأموركيفية وزن ما يقال لنا, فقبل فترة خرج علينا من يؤكد لنا ان استطلاعا للرأي اجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء اثبت ان المصريين غاية في الانبساط, قد اصدق ان المصريين قانعون بما قسم الله لهم, اي من منطلق الإيمان الجم, وقد أفهم انهم راضون من باب ان الشكوي لغير الله مذلة, فماشي لكن ان يكونوا سعداء فهذا ما لا اصدقه ابدا. ففي اوائل العام الماضي, قالت الدراسة الحكومية ان89 في المائة من المصريين سعداء, رغم جميع الظروف المحيطة بهم, وأنهم يشعرون بالرضا التام عن اوضاعهم الاقتصادية. ليس هذا فقط, بل قيل ان الدراسة شملت عينة من3000 مصري من مختلف الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية. وكما اسلفت, اكدت الدراسة ان89% من المصريين يشعرون بالسعادة والرضا التام بين الفئات التعليمية الحاصلة علي تعليم جامعي او أعلي, وان87 في المائة من الإناث لديهن شعور بالسعادة, وهذه السعادة جاءت مقترنة بالرضا عن الوضع الاقتصادي للأسرة. وقبل أيام خرجت علينا نتائج مسح آخر, لكنه هذه المرة ليس حكوميا, بل ليس مصريا من اصله, وضعت نتائج المسح الذي اجراه معهد جالوب لدراسات الرأي العام, ونشرت نتائجه قبل أيام المصريين في المرتبة ال115 دولة حول العالم وهو ما مدي الرضا العام عن حياتك؟ والإجابة يجب ان تكون ما بين1 إلي10, كما اعتمد المسح علي اسئلة تتعلق بالخبرة الحياتية للمواطن في هذه الدول ومدي شعوره بالاحترام والتقدير وسهولة الحياة؟ وأغلب الظن ان نتائج المسح لم تتعرض للتزوير, كما اشك بشدة ان تكون جهة ماقد دفعت به من اجل النيل من سمعة مصر ومكانتها, وذلك من باب الغيرة او الكراهية او ماشابه, يعني ما فيش شبهة كذب أو تدليس في الموضوع. وعندي سؤال اوجهه لكل من يقرأ هذه السطور: هل تجد نفسك تميل إلي تصديق البحث الأول الذي يؤكد اننا هنطق من السعادة, ام الثاني الذي يشير إلي اننا مش سعداء ولا حاجة؟ علي فكرة, الدنماركيون تبوأوا مكانة الصدارة, وتلاهم الفنلنديون, وبعدهم النرويجيون وجاء الاسرائيليون في المركز الثامن, والامارات العربية المتحدة في المركز ال20, والسعوديون في المركز ال58.