إن احتلال الهكسوس لأرض مصر وإذلال شعبها كانت تجربة قاسية بمعنى الكلمة على كل المصريين ,علمتهم درسا لم ينسوه على مدار تاريخهم وقد جعلت هذه التجربة المريرة ملوك طيبة عاصمة مصر بالدولة الحديثة يعيدوا النظر فى جميع النظم الحربية التى اعتادوا عليها. ولذلك ظهرت نظم جديدة ومتطورة تكرس الجزء الأعظم من موارد الدولة لتحديث وتطوير الجيش الذى خاض حرب التحرير لطرد الهكسوس الذين أتوا من أسيا و لم يهن ولم يركن الجيش المصرى بل شن حربا تحريرية ضارية لتطهير البلاد بعد أن قام ( أحمس ) بتقسيم الجيش إلى ألوية وأجنحة مستقلة تعمل تحت قيادة مركزية موحدة وهذا وهذه التقنيات والاستخدام الاستراتيجي للقوات المسلحة ظهر لأول مرة فى تاريخ العالم بأسره على أرض مصر. ولا شك أن هذا التطور كان منطقيا نتيجة للقدرة الإدارية الفذة التى كان يتصف بها نظام الحكم فى مصر آنذاك والتي اكتسبها من تراكم خبرات تاريخ طويل فى تنظيم وإدارة دفة الحياة السياسية والحربية على ارض وادي النيل. وبذلك يمكن القول أن استخدام الخيول والعجلات الحربية التى أخذت عن الهكسوس لم تكن الفيصل فى الانتصار وإنما رجح كفة الجيش المصرى التطور الحربى الهائل فى عملية التنظيم والإدارة التى أدت إلى ظهور وتأسيس أول مؤسسة عسكرية تتمتع بأعظم قدر من القوة الإستراتيجية فى العالم على تطويع تلك الأسلحة لمقتضيات المعركة. ولم يكن الجيش المصرى قادر على مثل هذا التطوير لولا قدرة المصريين المتأصلة فى التنظيم والإدارة وتنفيذ التدريبات على جميع الحركات التكتيكية فى تناسق بين كل هذه الوحدات وبعضها حيث يشترك المشاة مع راكبى الخيول من الفرسان وراكبى المركبات الحربية ( العجلات الحربية ) مع الرماة فى تنفيذ المناورات والمهام العسكرية بتنظيم رائع وبشكل يجعلها فى النهاية قادرة على تحقيق الانتصار. ولقد ضرب لنا ( تحوتمس الثالث ) بالدولة الحديثة أروع الأمثلة على القدرة الهائلة فى إدارة موقعة (مجدو) وعبور نهر الفرات عندما وضع خطة للتنسيق بين تحركات سفن الأسطول البحرى المصرى والجيوش البرية المتجهة بقيادته نحو الشمال ونحو الشرق والتى تظهر قدرة فائقة على تنظيم وإدارة الجيش بطريقة تحدث لأول مرة فى تاريخ الأمم. وقام عالم المصريات ( جيمس هنرى بريستد ) بدراسة وتحليل الخطة الحربية التى وضعها تحوتمس الثالث للهجوم على مدينة "مجدو" والمناورة الحربية التى درب عليها الجيش فى اليوم السابق للمعركة وقال عنها أنها مناورة ناجحة ليس لها أي سوابق فى تاريخ الدول الأخرى ولكى نعرف الصعوبات التى اكتنفت المعركة يمكن مقارنة النجاح الذى حققه "تحوتمس"عندما فتح فلسطين بمحاولة نابليون بونابرت الفاشلة حين خرج بجيشه من مصر متوجها إلى فلسطين عبر نفس الطريق محاولا فتح عكا. وأخيرا فان الجيش المصرى لا يزال يبهر العالم آسره منذ بدء التاريخ وحتى وقتنا الحاضر لما تميز به من دقة وصرامة وحزم , أبقى الله هامة الجيش المصرى عالية خفاقة بفضل شجاعة وإخلاص جنوده وقادته,