انتهي عامي الأول في قيادة الأهرام وكأن الزمن كان مائة عام; وهناك فارق هائل بين أن تتمني الحصول علي هذا الشرف وأن تسأل نفسك بعد أن تحصل عليه ماذا سوف تفعل به ؟ وبشكل أو آخر فإن الجلوس علي مقعد من سبقوك فيه قدر غير قليل من الهيبة; إلا أن الشهور الستة الأولي كانت كفاحا في مواجهة توقعات مرتفعة بأن تعود الأيام الطيبة الأولي إلي سيرتها العظيمة. وفي مؤسسة صحفية فإن الصحفيين فيها علي قلتهم( حوالي14% من عدد العاملين تقريبا) لديهم وصفة لكل المشكلات التي تقلب الدنيا فورا رأسا علي عقب, أما غير الصحفيين من إداريين وعمال فإن أحلامهم لم تقل عن مضاعفة الدخول. ورغم أنني عشت في الأهرام لقرابة35 عاما فلم أكن أعرفها جيدا, وفي مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية فإن الواقع مختلف تماما عن بقية المؤسسة حيث تختلط الأكاديمية بالسياسة مع الصحافة في مثلث مثير. كان معناه ليس فقط التوازن الدفتري بين الإيرادات والمصروفات ولكن أن تكون المؤسسة قادرة علي مواجهة الأزمات الاقتصادية في الحاضر والمستقبل. أما تحسين أوضاع العاملين فهو زيادة الدخل الحقيقي لجميع العاملين بالمؤسسة مع العام الجديد2010 أصبح لدينا أربعة أهداف كلها تصب في الأهداف الإستراتيجية الكبري. الأول تحقيق معدلات أعلي للتوزيع في كل إصدارات المؤسسة, والثاني تحويل المؤسسة كلها مع نهاية عام2010 إلي مؤسسة تعتمد علي الكمبيوتر مع إطلاق بوابة إلكترونية هائلة أما بقية المؤسسة فقد كانت تعيش خليطا من ماض تليد يعطي نوعا من الهوية الذاتية المتعاظمة الأنا; ومعه شعور قاس بأن الأرض تميد من تحت الأقدام بفعل التطور التكنولوجي مرة, وبفعل ظهور صحافة منافسة بقوة مرات. وما بين الشعور بالعظمة الزائدة, والإحساس الخائف من زلزال يطيح بكل شيء كانت تشققات تظهر علي جدران الأهرام ظهرت في شكل اعتصامات وإضرابات وانقسامات لم يحدث مثلها في تاريخ الأهرام من قبل. وحينما وصلت إلي مكتبي وجدت أنني لا أعرف الكثير, وكان لدي بعض من خبرة حيث كنت عضوا في مجلس الإدارة لمدة ستة أعوام من قبل(1999-2005), كما كانت لدي خبرة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية, وأخيرا كانت لدي الدراسات والقراءات التي قمت بها خلال الأعوام الماضية; ولكن المؤسسة كانت قد تغيرت كثيرا, والأهم أن واقعها كان فيه تناقض حاد ما بين مؤسسة عامة ولكنها أصبحت تعمل في نظام للسوق يقوم علي المنافسة. المؤسسة العامة تدخل السوق وهي مثقلة بقوانين للعمل والعمال, ومناخ من التلاحم الاجتماعي يجعل العاملين, وأسرهم, وحتي هؤلاء الذين خرجوا علي المعاش, جزءا من نظام العناية الذي علي المؤسسة أن تأخذ به. ولكن في المقابل فإن المؤسسة لأسباب تاريخية يوجد لديها أيضا إمكانات كبيرة ولكنها غير مستغلة. وببساطة كان رأس المال الميت كبيرا وميتا لوقت طويل. وفي نفس الوقت كانت السوق تحمل تحديا كبيرا, وعلي عكس ما هو شائع فإن الحكومة لم تعد تشجع الصحف القومية أو تعطيها الأنباء لأنها لم تكن دوما طوع البنان; وفي الوقت نفسه كانت الصحف الخاصة تتحرك ضمن اعتقاد في انتصارها المؤزر. وبالنسبة لنا في الأهرام فقد كان لنا وضع خاص, فأخبارنا لا يجري عليها ما يجري علي بقية المؤسسات الإعلامية في البلاد, وإنما يجري عليها ما يجري علي أخبار الدولة. وكانت النتيجة أن كل تطور, أو اجتماع لمجلس الإدارة, أو خلاف في الرأي داخلنا يصبح فورا جزءا من مقدمات البرامج الحوارية اليومية وكأن بركانا لا يقل عن بركان أيسلندا قد انفجر. في الأيام الأولي, والمعلومات تكاد تكون غير موجودة أو مخفاة, كان لا بد من تحقيق ثلاثة أهداف خلال الشهور الثلاثة الأولي: أن تكون لدينا أهداف واضحة للجميع, وأن تكون لدينا بنية تنظيمية وإدارية, وأن يشعر الجميع أن تغييرا سوف يحدث, وأن هذا التغيير سوف يقودنا إلي استعادة الثقة بأنفسنا مرة أخري. وهكذا وضعت ثلاثة أهداف: استعادة مكانة الأهرام في الساحة الفكرية والإعلامية المصرية كقوة رائدة بالمعرفة; والحفاظ علي التوازن المالي والاقتصادي للمؤسسة بحيث لا تتعرض لأي خلل مرة أخري; وتحسين أوضاع العاملين. ولم تكن هذه الأهداف معلقة في الهواء بل كان لكل منها ترجمة عملية فاستعادة المكانة تمت ترجمته إلي معدلات في التوزيع والاقتباس والإشارة في الصحافة مرئية أو مكتوبة المحلية والعربية والحصول علي الجوائز. والحفاظ علي التوازن المالي والاقتصادي كان معناه ليس فقط التوازن الدفتري بين الإيرادات والمصروفات ولكن أن تكون المؤسسة قادرة علي مواجهة الأزمات الاقتصادية في الحاضر والمستقبل. أما تحسين أوضاع العاملين فهو زيادة الدخل الحقيقي لجميع العاملين بالمؤسسة. مع وضع هذه الأهداف وترجمتها إلي مؤشرات عملية بدأت عملية التنظيم الإداري, وكانت الخطوة الأولي اختيار مدير عام للمؤسسة يقوم بدور ضابط الإيقاع والتأكد من أن الأهداف الموضوعة يتم تنفيذها وفقا للوائح والقوانين المرعية; والثانية تشكيل مكتب فني لرئيس مجلس الإدارة يقوم بدور ضابط الاتصال بينه وبين أرجاء المؤسسة المختلفة, وقد كنت محظوظا عندما كان الأول هو الدكتور طه عبد العليم والثاني هو الدكتور محمد عبد السلام. وكانت النظرة الأولي للمؤسسة أنها كانت أشبه بالجبنة السويسرية حيث توجد هياكل إدارية كثيرة, ولكنها بعد المنصب الأول المدير العام لا توجد قيادات أخري حيث كانت حركة الترقيات قد توقفت منذ وقت طويل. وكان ذلك خللا كبيرا, لم تمض أسابيع علي أي الأحوال حتي جرت أكبر حركة للترقيات عرفتها المؤسسة, ومعها صارت المؤسسة مؤسسة لأن لها أهدافا, وبناء معروفا أوله من آخره, وبات الموقف هو ما الذي سوف نفعله في ذلك كله؟ وبالتوازي مع هذه الخطوات الإدارية تم إعطاء جميع الإدارات والإصدارات ما سميته في ذلك الوقت حقنة مقويات في العضل كان هدفها التعامل مع القضايا الملحة والعاجلة التي تعطل العمل وتجعله مستحيلا سواء كانت أجهزة مطلوبة أو نوعيات من الورق أعلي من تلك التي كانت إصدارات الأهرام قد هبطت إليها. وجرت تغييرات محدودة في قيادات المؤسسة, وتم ملء الفراغات القائمة في بعضها الآخر. وبينما كان كل ذلك يجري تولدت ثلاثة أشكال جديدة من التنظيم لم تكن قائمة من قبل: أولها مجلس المديرين, وهو مجلس بات يجتمع شهريا للتأكد من التنسيق بين جميع إدارات المؤسسة. وثانيها مجلس رؤساء تحرير الإصدارات للتعامل مع المشكلات والبحث عن حلول. وثالثها إطلاق المبادرات التي تعطي التوجه نحو تحقيق الأهداف ومن ثم كانت جائزتا التفوق الصحفي والإنتاجي; والإعداد لمعرض المقتنيات الفنية, وإطلاق بوابة الأهرام الإلكترونية. ومع نهاية شهر سبتمبر, أي في نهاية الربع الأول من السنة المالية, كانت المؤسسة جاهزة للانطلاق رغم أن إيرادات الربع الأول كانت أقل بكثير مما يقابلها في العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية. وهكذا بدأنا الربع الثاني بقدر أكبر من الثقة, وبدأت المبادرات المختلفة تأتي من كل الأنحاء, وبالتأكيد كانت هناك صعوبات غير قليلة مثل استكمال استيعاب الزملاء في صحيفتي التعاون والمجلة الزراعية, ومسألة حق الصحفيين في مقابلة السفير الإسرائيلي أم لا, وقضايا أخري ليس هذا وقت التذكير بما جري فيها. ولكن مع يوم الأهرام الأول في27 ديسمبر2009( جري تأسيس شركة الأهرام في27 ديسمبر1875) كانت هناك مبادرات كثيرة جاهزة للانطلاق حتي لو جاء الربع الثاني من حيث الإيرادات مخيبا للآمال أيضا. كانت الأزمة الاقتصادية لا تزال متحكمة في السوق, ولكن كان لدينا القدرة من جانب آخر علي خفض المصروفات حتي لو كنا نزيد الإنفاق علي العاملين في مناسبات مختلفة, وزيادة موارد المؤسسة في مجالات جديدة تعوض بعضا مما فقدناه. ومع العام الجديد2010 أصبح لدينا أربعة أهداف كلها تصب في الأهداف الإستراتيجية الكبري. الأول تحقيق معدلات أعلي للتوزيع في كل إصدارات المؤسسة; والثاني تحويل المؤسسة كلها مع نهاية عام2010 إلي مؤسسة تعتمد علي الكمبيوتر مع إطلاق بوابة إلكترونية هائلة; والثالث تفعيل استثمارات الأهرام المختلفة, أرضا ومباني وشركات وجامعة; والرابع بحث إطلاق قناة فضائية تليفزيونية. هذه الأهداف جميعها جري التقدم فيها الواحد بعد الآخر خلال النصف الأول من العام حيث بدأت الأزمة الاقتصادية في الانحسار وبات ممكنا إعطاء مزايا جديدة للعاملين سواء من حيث الزيادات المالية أو احتياطيات الطوارئ بأنواعها المختلفة في الوقت الذي يجري فيه الإنفاق علي توسعات استثمارية كانت متأخرة لقرابة عقد من السنوات. الرائع في الأمر أن التجربة كلها كانت غنية, وأثناء زيارة أخيرة لي لواشنطن لدراسة أحوال شركة الأهرام الدولية في شمال أمريكا وجدت محامينا الأمريكي يضع علي غلاف المجلد الذي قدمه معبرا عن أحوال الشركة عبارة قالها شاعر مصري قديم: يخاف الإنسان الزمن; ولكن الزمن يخاف الأهرام. وبالطبع فإن الشاعر كان يعني أهرام الجيزة وليس الأهرام الصحيفة, ولكن بعد135 عاما من الوجود فإن المؤسسة تتحدي كل من جاءوا إليها قادمين وراحلين. وإذا كان العام الأول من العمل يشكل سطرا في تاريخ المؤسسة, فإنه سيكون كافيا لكل من عملوا خلال العام. [email protected]