في مدينة سينوب شمال الأناضول, وقبل أشهر قليلة, افترش المئات الشوارع احتجاجا علي الأسلحة النووية, في إشارة واضحة لتداعيات الملف الإيرانيبعد هذه الواقعة بأيام خرج المئات في جنوب البلاد بمظاهرات ينددون فيها بالإرهاب الانفصالي الذي يستهدف تمزيق الوطن وشرذمته في كيانات بعيدة عن الوحدة والاتحاد, ناهيك عن سقوط الضحايا الأبرياء نتيجة عمليات التفجير تارة, وإطلاق النار العشوائي تارة أخري في عموم البلاد, في المقابل هناك من يطالب بوضع حد لمسلسل المواجهات المسلحة المستمر طوال السنوات الست والعشرين الماضية. والحق أن الحكومة من جانبها طرحت مشروعها بالانفتاح علي المعضلة الكردية, لكن سرعان ما تعثر وذلك لإصرار متمردي حزب العمال الكردستاني علي تلبية مطالبهم التي يبدو تحقيقها مستحيلا, فضلا عن تلويحهم الدائم بعمليات إرهابية تطول المدنيين قبل العسكريين, أمام هذا الابتزاز لم يكن هناك مفر, سوي الاستمرار في مكافحة الإرهاب مهما طال الزمن, زاد من هذا العزم تغير في المواقف الأوروبية التي صارت أكثر تفهما ودعما للمواقف التركية حيال الحرب ضد المنظمة الانفصالية, وبالأمس فقط جددت واشنطن مساندتها لأنقرة واستعدادها للتعاون معها من أجل القضاء علي تلك المنظمة التي وصفها جيمس جيفري سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية بأنها مثل القاعدة, وبالتوازي شن الجيش عملية عسكرية علي الحدود مع شمال العراق حيث نقاط انطلاق العمليات الإرهابية ضد المنشآت العسكرية والاقتصادية جنوب وجنوب شرق الأناضول, التي ترافق معها نشاطات وتحركات ما يسمي اتحاد المجتمع الكردستاني داخل أوساط سكان تلك المناطق, بمساعدة من حزب السلام والديمقراطية ذي الميول الكردية الواضحة, وذلك للمطالبة بالحكم الذاتي الديمقراطي في المدن والقري التي تقطنها أغلبية كردية. في المقابل كان لابد أن تتحرك أنقرة في أكثر من اتجاه, فمن جانب مارست الدبلوماسية التركية قدرا مهما من الضغوط علي حلفائها, خصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض البلدان الأوروبية, وأخيرا إدارة شمال العراق لتسليم الانفصاليين الموجودين علي أراضيهم لمحاكمتهم, من جانب آخر تفعيل آلية التعاون بين أنقرة وبغداد وواشنطن, والقيام بعملية عسكرية ثلاثية مشتركة ضد معسكرات المنظمة الانفصالية, وهذا ما حدث بالفعل. الخبراء السياسيون من جانبهم, ومن خلال تصريحاتهم وتحليلاتهم التي تجد طريقها إلي وسائل الإعلام, أشاروا إلي أن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان يحاول إقناع البيت الأبيض بشن عملية عسكرية تشارك فيها قوات أمريكية وبدعم من البرزاني للقضاء علي الانفصاليين, إلا أن واشنطن, وفقا لما ذهبوا إليه, لا تشارك أنقرة في هذا التوجه, وأسبابها في ذلك عديدة, منها أن إدارة أوباما لا تريد فتح جبهة قتالية جديدة في جبال قنديل المتاخمة للحدود مع العراق, خصوصا أن هناك مخططا للانسحاب من العراق العام المقبل. لكن في المقابل, ومن أجل إرضاء تركيا فتحت القوات الأمريكية في العراق جميع الممرات الجوية في شمال العراق لاستخدامها من قبل الطائرات الحربية التركية للمساهمة في القضاء علي المنظمة الانفصالية, وهذا مؤشر علي زيادة التعاون بالمجال الاستخباراتي الفوري بين العاصمتين التركية والأمريكية, وهو ما كانت تطالب به تركيا منذ فترة طويلة, وأضاف الخبراء أن هناك سببين رئيسيين دفعا أمريكا لاتخاذ مثل هذه الخطوة المهمة وهما: أولا: زيادة الهجمات الإرهابية خاصة الهجومين اللذين طالا القاعدة البحرية في الإسكندرون جنوب البلاد والمخفر العسكري اللذين أسفرا عن مقتل ثمانية عسكريين, أضف إلي ذلك ما تمثله تلك الهجمات من تداعيات سلبية علي الأوضاع الاقتصادية والسياحية بالبلاد, وثمة مخاوف حقيقية من تنفيذ الانفصاليين تهديداتهم المتكررة بنقل عملياتهم في المدن التركية الكبيرة. ثانيا: استضافة أنقرة لمسعود البرزاني رئيس إقليم شمال العراق, واستقباله بصورة اتسمت بالود, وهذا دليل علي عدم وجود خلافات بين تركيا ورئاسة إقليم شمال العراق حيال مناهضة المنظمة الإرهابية المعروفة اختصارا بحروفPKK, وهو ما يعني أن الموقف السياسي لرئيس إقليم شمال العراق تغير تجاه منظمة حزب العمال الكردستاني, والدليل علي ذلك إدانة البرزاني للمرة الأولي, الشديدة للعمل الإرهابي ضد حافلة نقل عسكرية في اسطنبول. ويلفت المراقبون النظر إلي أن تركيا طالبت البرزاني خلال زياراته الأخيرة لها بمطالب ثلاثة تتمحور حول العمل علي إعاقة كل أنظمة الاتصالات, وقطع طريق دخول وخروج الانفصاليين من وإلي داخل مدن شمال العراق, وعدم السماح لانتقال الأسلحة أو الدعم اللوجستي من مدن شمال العراق إلي معسكرات الانفصاليين. هؤلاء المراقبون أضافوا أيضا أن المسئولين الأمريكيين سعوا لدعم البرزاني كي يتمكن من تنفيذ تلك المطالب, ويشير المحللون إلي أن تركيا مقبلة علي صيف ساخن بشأن مكافحة الإرهاب, خاصة أن الإرادة السياسية والسلطة العسكرية عازمتان وبإصرار علي المضي قدما نحو القضاء علي الانفصاليين.