تتزاید الدعوات المؤیدة لخوض الفریق عبد الفتاح السیسي الانتخابات الرئاسیة القادمة، والتي من المتوقع إجراؤها قبل الانتخابات البرلمانیة كرغبة مجتمعیة خاصة بعد إعلان نتیجة الاستفتاء على الدستور الجدید بنسبة مشاركة معتبرة، 38.6%، فثمة قطاعات واسعة من المجتمع المصري تدعوه لإعلان ترشحھ كممثل للحلم الثوري، على خلفیة دوره المحوري والرئیسيفي ثورة ۳۰ یونیو، ونجاحھ في حمایة أركان الدولھ ومؤسساتھامن الانھیار، والحیلولة دون اندلاع احتراب أهلي بین المصریین بعد انسداد الأفق السیاسي خلال حكم الرئیس المعزول محمد مرسي الذي رفض الانصیاع لإرادة الشعب المصري التي تمثل المصدر الحقیقي للسلطات. وتتباین الاتجاهات بشأن قضیة ترشح الفریق السیسي لخوض السباق الرئاسي ما بین مؤید لھذه الفكرة على أساس أن ترشحھ یعد ضرورة في ظل التحدیات التي تعصف بالمنطقة، ومنھا تنامي ظاهرة الإرهاب، واستھداف مصر وجیشھا الذي یعد آخر الجیوش المتماسكة في المنطقة العربیة. بینما ثمة اتجاه ثان یعتبر هذا الترشح نوعا من المغامرة تحتاج لقراءة متأنیة للواقع المصري سریع التغیر، ویفضل بقاءه كوزیر للدفاع، ویمكن إبراز مبررات هذین الاتجاهین كالتالي: الاتجاه الأول المؤید لخوض الفریق السیسي السباق الرئاسي یعد هذا الاتجاه هو الأقوى والأبرز والأكثر انتشارا بین قطاعات متنوعة من المصریین، باختلاف انتماءاتھم السیاسیة و أحزاب، (لیبرالیة، یساریة، قومیة، إسلامیة)، وحتى بین الكتلة الأهم وهي الجماهیر غیر المنخرطة في حركات سیاسیة رسمیة، وهي الكتلة غیر المسیسة. وتتنوع مبررات هذا الاتجاه في أنھ لا تزال هناك حاجة لدور وطني یؤدیھ الجیش في المرحلة القادمة، وخاصة لحمایة الدیمقراطیة الولیدة من الانقضاض علیھا، أو تشویھھا، لا سیما أن ثمة تجارب مشابھة في سیاقات أخرى لعبت فیھا الجیوش مركزیّا في الحفاظ على تماسك الدولة والمجتمع، بما أسھم في تھیئة السیاق المواتيللرسوخ الدیمقراطي یضاف إلى ذلك أن التاریخ یزخر بنماذج ناجحة من القادة ذوي الخلفیة العسكریة الذین وصلوا إلى سدة الحكم، وكان لھم دورهم الكبیر، وإسھامھم التاریخي، ومنھم: أیزنھاور في الولایات المتحدة الأمریكیة، ودیجول في فرنسا. أما المبرر الثانيفیستند إلى أن أهم المؤهلات التي تزكي الفریق السیسي افي إدراكھ وجود تحدیات خارجیةتستغل وتستخدم قوى داخلیة، هدفھا إزاحة كل التیارات الوطنیة التي تؤمن بفكرة الدولة المدنیة، حتى یسھل تنفیذ مخطط التفكیك والتجزئة والتقسیم باتجاه شرق أوسط جدید تبقى إسرائیل فیھ الدولة الوحیدة الآمنة بعد تفكیك الجیوش العربیة في العراق وسوریا، والعمل على تشویھھا لترسیخ أجواء الفوضى وعدم الاستقرار. وذكر المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية إن التاریخ ُیعید نفسھ وفق رؤیة هذا الاتجاه إزاء قضیة الحفاظ على استقلال الإرادة الوطنیة خاصة ضد الأمریكیین في خمسینیات القرن الماضي مع عبد الناصر، برفض فكرة الأحلاف العسكریة، وفي العقد الثانيمن القرن الحادي والعشرین مع الدور الوطني للجیش وقیاداتھ في إفشال المشروع الأمریكيحول الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط الجدید التي سبق وبشرت بھا كوندلیزا رایس، ویبدو أن تداعیات ثورة ۳۰ یونیو قد نجحت في وقف المشروع برمتھ. أما المبرر الثالث والأهم ھو أن المزاج العام المصري یرتبط بوجود شخصیة قویة في الحكم تستطیع أن تترجم شعارات الموجتین الثوریتین في برامج عمل وطنیة تضع مصر في المكانة اللائقة بھابین الأمم والشعوب المتحضرة. أمالاتجاه الثاني المؤید لبقاء الفریق السیسي وزیرا للدفاع: ینطلق مؤیدو هذا الاتجاه من حقیقة مؤداها أن وجود الفریق السیسي على قمة المؤسسة العسكریة باحترافیتھا ومھنیتھا هو بمثابة الضامن الحقیقي لاستقرار الوطن، خاصة أنھ أضحى الرمز أو المخلص أو المنقذ ًوفقا لفلسفة "دور البطل في صناعة التاریخ". وهي تلك الأدوار التي لعب فیھا الأبطال والقادة ً أدوارا حاسمة في لحظات مفصلیة من تاریخشعوبھم ودولھم؛ لذلك فإن أحد المناهج في كتابة التاریخ یستند إلى دور هؤلاء الأبطال وإنجازاتھم. ووفقا لمبررات هذا الاتجاه فإن بقاء الفریق السیسي كوزیر للدفاع أفضل للوطن من وجوده فيسدة الحكم؛ حیث سیتعرض في المنصب الثاني لانتقادات سیاسیة شأن كل من یشغلھ. وعلى الرغم من تباین المبررات السابقة لكلا الاتجاهین، فإن ترشح الفریق السیسي لخوض السباق الرئاسي یظل هو السیناریو الأقرب للتحقق خاصة أن خطابھ خلال الندوة التثقیفیة التي عقدتھا القوات المسلحة بمناسبة المولد النبوي الشریف، مؤخرا عكست حسمھ لھذا الأمر، عندما أكد على "أنھ لن یدیر ظھره للشعب". وهو الأمر الذي ربطھ بتفویض الشعب والجیش، لذلك فمن المتوقع أن یخرج الشعب للمرة الرابعة بعد ۳۰ یونیو لتفویضھ لخوض السباق الرئاسي كما سبق وفوضھ لمواجھة الإرهاب. وفي ظل خوض الفریق السیسي للانتخابات الرئاسیة فإن ثمة سیناریوهین لشكل خریطة المرشحین الأول تعدد المرشحین المحتملین ینطلق هذا السیناریو من احتمالیة تعدد المرشحین، بالإضافة لترشح الفریق السیسي، ووفق هذا السیناریو فربما یخوض السباق الرئاسي معھ عدد من المرشحین الآخرین، أبرزهم: حمدین صباحي، وعبد المنعم أبو الفتوح. وفي هذه الحالة فإن الكتل التصویتیة ستصبح مفتتة بین هؤلاء المرشحین، صحیح أن الفریق السیسي سیكون لھ النصیب الأكبر والأعلى من ً الأصوات، فالكتلة اللیبرالیة والجماهیر الاكثر حجما وعددا استنتجه إلى تأییده، فضلاعن عدد كبیر من شباب التیارات القومیة والناصریة، بالإضافة إلى قیادات حزب النور، ًا؛وبعض قواعده، فضلا عن الحركات الصوفیة، یضاف إلیھم ً أیضا بعض الحركات الثوریة مثل حركة تمرد، وحركة الدفاع عن الجمھوریة، وتكتل القوى الثوریة، وجبھة تنسیقیة ۳۰ یونیو، بالإضافة إلى حملات: كمل جمیلك، والسیسي رئیسي، وغیرها من الحملات وبعض الجبھات الأخرى مثل جبھة مصر بلدي، والجبھة الحرة للتغییر السلمي. ثم یأتي حمدین صباحي لیحصل على أصوات الاشتراكیین الثوریین، وحركة 6 إبریل، بالإضافة إلى بعض أصوات التیارات الیساریة والحركات الثوریة. أما عبد المنعم أبو الفتوح فسیحصل على غالبیة أصوات كتلة تیار الإسلام السیاسي بكل تنویعاتھ وروافده. أما السیناریو الثاني وهو ثنائیة المرشحین المحتملین: فیقوم هذا السیناریو على احتمالیة انسحاب حمدین صباحي في حالة ما إذا قرر الفریق السیسي خوض الانتخابات بشروط أعلنھا في لقائھ ببرنامج الحیاة الیوم في ۲۰۱4 /۱/۱۸، أهمھا أن یشتمل برنامج الفریق السیسي على محوریة دور الشباب، وانتقالھم من الشارع إلى قلب منظومة الحكم، وتحقیق أهداف الموجتین الثوریتین في العیش والحریة والعدالة الاجتماعیة، لتقتصر بعد ذلك المنافسة الحقیقیة بین الفریق عبد الفتاح السیسي وعبد المنعم أبو الفتوح. وفي هذه الحالة فإن الملمح الأهم لاتجاهات التصویت سیغلب علیھا الاستقطاب الدیني المدني؛ حیث ستعلن جماعة الإخوان المسلمین مقاطعتھا للانتخابات ظاهرية فقط، في حین أنھاستوجھ قواعدها للتصویت لعبد المنعم أبو الفتوح. ویتوقع وفق هذا السیناریو أن ینسحب أبو الفتوح في الساعات الأخیرة لغلق باب التصویت بعدما یتأكد من فوز الفریق السیسي بأغلبیة ساحقة لیشكك في العملیة الانتخابیة، ویقدم ً مبررا لفشلھ وفشل التیار الذي یمثلھ. وتبقى الحقیقة المؤكدة بأنھ في كلا السیناریوهین السابقین فوز الفریق عبد الفتاح السیسي من الجولھ الأولى للانتخابات، وربمابالضربة القاضیة، لیحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبین، ولیثبت للجمیع أن مصر ما زالت قادرة على أن تقھر الصعاب، وتدفع برئیس اختاره الشعب مصدر السلطة وحارسھا، وربما توقع هذا الزخم هو ما دفع "ماري هارف" نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجیة الأمریكیة، للتصریح في نھایة الیوم الأول للاستفتاء علىمشروع الدستور بأن بلادها لا تملك حق الاعتراض على أي مرشح للانتخابات الرئاسیة المقبلة في مصر، مؤكدة على أن الأمر متروك للشعب المصري وحده لیختار من الذي ینبغي أن یقود البلاد.