الدبلوماسية الهادئة التي مارستها الحكومة المصرية تجاه بعض دول حوض النيل بشأن تقسيم المياه كانت نتاج تأكيدات قوية من دول حوض النيل بلا استثناء علي الدور المصري وثقله في مواجهة مشكلات القارة عبر التاريخ وهذا الواقع فتح المجال واسعا للسؤال حول الثقافات المشتركة بين دول حوض النيل من جهة وتبادل الثقافات من جهة أخري وكيفية توظيفها لمزيد من التعارف بين شعوب دول الحوض؟ وهذا ما طرحه ايضا السفير احمد حجاج رئيس اللجنة الافريقية في مصر ومبعوث الرئيس المصري حسني مبارك السابق لدارفور وانتقد بشدة هذا الجانب, مشيرا إلي ان الثقافة يجب ان تلعب دورا مهما لايقل عن الادوار السياسية والاقتصادية والدبلوماسية. وقال حجاج ان مصر كانت تنظم مهرجانا ثقافيا افريقيا بانتظام وحتي بداية السبعينيات وتوقف بعدها وهذا ليس مسئولية مصر وحدها بل كل الدول الافريقية خاصة ان التكنولوجيا وفرت مناخا مساعدا وسريعا للتواصل, واشار الي اقتراح مازال قيد الدراسة قدمه الرئيس المصري شخصيا لانشاء قناة ثقافية افريقية فضائية وهذه القناة يمكن ان تلعب دورا مؤثرا حيث اكد الاقتراح علي الا تشتغل القناة بالسياسة مطلقا والا تؤثر بمجريات الاحداث بين الدول الافريقية علي نشاطها. وقال حجاج عندما تتحدث عن ضرورة ان تلعب الثقافة دورا جيدا لانعني الثقافة بمفهوم المثقفين والصفوة ولكننا نعني الرقص والغناء والموسيقي حيث اصبحت الموسيقي الافريقية عالمية عرفت العالم بكثير من الدول الافريقية ورغم ذلك لا نسمعها. وقال الدول الافريقية حتي الصغيرة منها تنتج افلاما ثقافية ممتازة بأقل التكاليف وتنال جوائز عالمية لانها تتناول قضايا اجتماعية محلية ورغم ذلك لاتعرض في افريقيا ولا يرونها, وهذا يؤكد ان هناك كسلا في استخدام كل الادوات لاستخدام الثقافة للتقريب بين شعوب القارة عامة ودول حوض النيل بصفة خاصة. وقال هذا للاسف يرجع الي مباريات كرة القدم التي اصبحت لاتقرب بين الشعوب العربية والافريقية بسبب التعصب بل اصبحت تفرق بين الشعوب. وقال حجاج إن ما يميز الثقافة انها تخاطب العقل والوجدان ولكن للاسف هناك مشكلة لابد ان يوجد لها حل هي حركة الترجمة ضعيفة جدا لان هناك من حاز علي جوائز عالمية منها جائزة نوبل للاداب من خلال اعمال كبيرة يمكن ان تقرب وتعرف هذه الشعوب ببعضها ولكنها لا تترجم الي العربية وافريقيا بها عدة لغات العربية والانجليزية والفرنسية وغيرها وكذلك الصحف في دول حوض النيل أو افريقيا عامة تهمل الجانب الثقافي بشكل كبير. وقال انا اقترحت عدة مرات بان تخصص مساحة كبيرة لادب مبدعي الدول الافريقية والعربية وتقدم هذه الكتب في الاسواق بالطريقة التي تحدث في مكتبة الاسرة لتباع بمبالغ قليلة لانها لا يفترض ان تكون حكرا علي الصفوة والاغنياء فلابد لرجل الشارع العربي والمصري ان يعرف الكثير عن الثقافات الافريقية والعربية. واشار الي ان اليونسكو كان قد اصدر موسوعة افريقيا التي تتحدث عن تاريخ افريقيا وساهم في انجازها علماء ومؤرخون من مصر والسودان وعدد من الدول الافريقية وترجمت للعربية بعد ان تبناها العقيد معمر القذافي وساهم في توصيلها الي المتحدثين باللغة العربية وهو ما يعكس اهمية هذه الموسوعة ان اليونسكو اصدر قرارا لتدريسها في كل المدارس الافريقية لانها تتضمن سردا جيدا ومفصلا عن كل الحضارات التي ظهرت في افريقيا منذ العصور القديمة ولذلك صدرت منها طبعات شعبية. وتناول الخبير في الشئون الافريقية السفير احمد حجاج عددا من المقدمات لدعم مشروع او مشروعات ثقافية لدول حوض النيل اولها ان يكون هناك مهرجان ثقافي سنوي لدول حوض النيل تقوده هيئة من الدول العشر ويمكن ان يبدأ من مصر. وتساءل لماذا يجتمع اتحاد كتاب افريقيا واتحاد الكتاب المصري لتبني مشروعات ثقافية, ولذلك بالضرورة ان يكون لوزراء الثقافة الافارقة الذين يجتمعون في حالات كثيرة ان يخصص وزراء الثقافة في دول حوض النيل نصف يوم فقط لبحث دعم مشروعات ثقافية بين دول الحوض. وقال لكن اذا اردنا ان نطرح ثقافة مشتركة بين دول حوض النيل من خلال قناة قضائية او مهرجانات لايجب ان نضع اي قيود امامها وان يطرح كل ثقافته بلا رقيب من اي دولة من اي ناحية سياسية أو دينية او عرضية حتي نصل الي نتيجة تحقق هدفا استراتيجيا من هذا الجانب ويؤيده الباحث السوداني احمد علي الخير والذي اكد ضرورة الاهتمام بهذا الجانب وقال من الممكن ان نبدأ بأبسط الطرق مثل اقامة ملتقي ثقافي لدول الحوض كل عام وتبادل اقامة الحفلات من مطربي ومبدعي الدول العشر من خلال زيارات متبادلة وضرب مثلا بارسال وزارة الثقافة المصرية عددا من كبار المطربين والشعراء والموسيقيين المصريين الي اثيوبيا لاقامة احتفالات مجانية وكذلك زيارات لفرق مسرحية وتقديم دعوات لهذه الدول بارسال مبدعيها ومطربيها الي مصر وكذلك تقديم افلام ومسلسلات درامية مصرية الي دول الحوض وتترجم الي الانجليزية والفرنسية باعتبار اغلب الدول تتحدث بهاتين اللغتين.