إن بناء الأمة المسلمة هو غاية هذا الدين الذي يرتبط بكل ما يجري في الحياة من أنشطة, وعطاء, والاهتمام بالإنسان المسلم الذي هو محور هذا البناء, ثم بعد ذلك تتحقق التنمية بكل أنواعها اجتماعية وأخلاقية واقتصادية ومعرفية.. إلخ. وهذه العملية( بناء الفرد المسلم) تتصف بالتواصل والاستمرار, وهذه الاستمرارية نابعة من النظرة الإسلامية السامية للكون والحياة والإنسان, فالإنسان خلقه الله ليمون خليفة له في الأرض, كما قال تعالي:( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويفسك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)( البقرة:30). هذا الاستخلاف لا مجال فيه للعبث وإضاعة فيما لا ينفع:( أيحسب الإنسان أن يترك سدي) القيامة:36( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون) المؤمنون:115. ثم إن هذه النظرة السامية للحياة مبنية علي التصور القرآني لخلق هذا الكون, وأنه ليس للعب ولا للعبث, كما قال تعالي:( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) الأنبياء:16. إذن, فالإنسان لم يخلق سدي, ولا الكون خلق عبثا أو لعبا, فلابد أن يستثمر الإنسان حياته لتنمية ما في الكون, وهي المتمثلة في عملية التعمير:( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو انشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) هود:61, حتي يؤدي مهمة الاستخلاف التي نيطت به من قبل خالقه, ويقوم بعمليات التنمية وبالتعمير خير قيام. ويضاف إلي ذلك أن الله كلف الإنسان بتعمير الكون, وتنمية ما فيه, واستثماره وهذا كله في مقدور الإنسان واستطاعته, وليس فيه تكليف له بما لا يطيق, لأن المولي عز وجل حين كلف عباده بذلك يسر عليهم القيام به, وذلك بأن سخر لهم ما في الكون وذلل لهم الأرض تذليلا, وقد وردت عدة إشارات إلي ذلك في القرآن الكريم, منها قوله تعالي:( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون* وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الجاثية:12 13). ولذا: فإن الوعي بمقصود الشارع من الاستخلاف يكون خير دافع للعالم الإسلامي من أجل قيامه بالعملية التنموية, وتحقيق عمارة الأرض, واستثمار ما في الكون, وسبب ذلك أن الإنسان لابد أن يكون له هدف يسعي إليه, ودافع ديني أو عقدي يكون حافزا له للعمل وبذل الجهد, بغض النظرعن قيمة هذا الدافع ونوعيته, وكلما كان واعيا ومستحضرا لذلك الدافع الديني أو العقدي كان جهده أكثر وعمله أفضل, ولا سيما إذا كان المطلوب منه مستمرا طيلة حياته, ومتواصلا بين الأجيال, مثلما هو الحال بالنسبة للاستخلاف في التصور الإسلامي. رابط دائم :