أن تكون ناقدا فهذا يعني أنك لقيط لا نسب لك, أعتذر أشد الاعتذار عن هذا التعبير ولكني أحاول وصف الواقع, فأين من يهتم بالعملية الإبداعية في وطننا العربي أصلا حتي يهتم بعملية النقد للإبداع؟! بالطبع أنا أقصد هنا الجمهور الواسع ولا أقصد المتخصصين فإذا كنت ناقدا أدبيا فان كتاباتك سيقرؤها المهتمون بالأدب أو من قرأ العمل الأدبي الذي تم نقده, ولكنك حتي ان كنت تكتب مقالاتك النقدية في صحف سيارة عالية التوزيع فانك لا تنال نفس الجماهيرية التي ينالها من يكتبون في الرياضة أو الفن أو حتي محررو الحوادث, وذلك لأن القارئ يتحول عن كتاباتك النقدية باحثا عن الصفحات الأخري التي تعكس الاهتمامات التي تجذب انتباه الاغلبية من رياضة وفن وغيرهما. وبالتالي كونك ناقدا أدبيا أو مسرحيا أو تشكيليا لا تستطيع خداع الكثيرين طول الوقت لأن قراءك وهم ممن يمتلكون مستوي راقيا من المعرفة يدركون قيمة ما تكتب, ولو كنت الناقد الرسمي لأي نظام كائن ومهما كان الدعم الذي تناله وتعدد مرات ظهورك علي شاشات التليفزيون ومهما طالت فترات فرضك علي الجمهور ان كان هناك نظام في بلد عربي مازال يهتم بفرض ناقد علي الجمهور فان قيمتك الحقيقية يعرفها الجميع من المهتمين بالأدب أو المسرح أو الفن التشكيلي ولا يمكن أن تؤثر الا في قلة قليلة من العامة وليس لمدة طويلة لأنهم سينسون سريعا ما قلت لعدم اهتمامهم الفعلي بالفرع الذي تقدم فيه مادتك النقدية( أدب مسرح.. الخ), فنحن في مرحلة الجدب والتصحر الفكري والفني التي أتت الجهود المبذولة طوال الثلاثين عاما الفائتة في مجال محو العقل والثقافة والتحضر الإنساني ثمارها فيها اليوم حيث أصبح العقل العربي لا يسيطر عليه سوي رافدين لا ثالث لهما. الخواء الفكري والاهتمام بكل ما هو استهلاكي في مجال الثقافة( المسرح الكوميدي التجاري, والموسيقي والغناء المعتمد علي حركة المطرب أو المطربة وصورته أكثر منه اعتمادا علي ما يقدمه من فن أو تلك الأغاني التي تقترب من أغاني المخدرين في الأفراح الشعبية وغيرها من سمات هذا العصر مثل المسلسلات التليفزيونية وضيعة المستوي وبرامج التوك شو والمسابقات التي هي في معظمها منقولة عن نظيرتها الأمريكية), أما الرافد الثاني فهو رافد التطرف التي يدعو لأن نأكل ونلبس ونمارس حياتنا كما كان اسلافنا بفعلون من قرون سابقة وبالتالي فان عدم وجود فن وابداع ومسرح وموسيقي في تلك الفترة يجعل منها محرمة وبدعة وكل بدعة ضلالة. أما لو كنت ناقدا سينمائيا أو من الصحافيين الذين يكتبون في مجال السينما فالوضع مختلف بعض الشيء, فأنت تكتب عن مشاهير يدفع الناس النقود ليروهم ويهتمون بأخبارهم كنوع من النميمة المحببة لشعبنا العربي والمصري تحديدا فأنت تكتب عن هذا العالم السحري الذي يتمثل الجمهور أبطاله من بعد رؤيته لهم علي الشاشة فيحاولون تقليده في الحياة العادية, هذا من جانب ومن جانب آخر أنت تدخل طرفا في عملية الصناعة نفسها.. فالسينما صناعة يضخ فيها الملايين وبالتالي كتابتك بشكل سييء عن عمل قد تعوق تقدم إيرادات هذا العمل أو هكذا يتصور منتجوه والعكس صحيح, وان كان هذا غير صحيح لأن أكثر الأفلام ربحا هي أكثرها نيلا لاراء نقدية سيئة. كذلك الأمر بالنسبة لمن يعملون في هذا المجال من مخرجين وممثلين فهم يتقاضون الآلاف بل الملايين وبالتالي فان كل ما ينشر عنهم يهمهم ويثير فرحهم أو حنقهم, ومن هنا ترددت بعض الأقاويل بأن هناك من يكتبون علي النجوم بشكل خاص نظير بعض المكافآت والعطايا, بل هناك من يعتبرهم البعض يكتبون لصالح شركات إنتاجية بعينها لدعم أعمالها والترويج لها إعلاميا, وسواء كان هذا الأمر صحيحا أومجرد شائعات إلا أنه يؤكد ارتباط الكتابة عن السينما( في مصر علي الأقل) ارتباطا وثيقا بعملية صناعة السينما وصناعة النجم وليس فن السينما فقط. كما نالت الكتابة عن السينما والفن عموما صحفيا أو نقديا أهمية جديدة من بعد التوجهات السلفية للكثير من أفراد المجتمع المصري, جعلت الكتابة بشكل أخلاقي أو عبر تفسيرات دينية مصدرا للشهرة والاهتمام من قبل القراء, فيكفي تفسير مشاهد في أي فيلم بأنها معادية لصحيح الدين أو أنها تحتوي علي مواقف غير أخلاقية حتي تبدأ الزوبعة وتزداد البطولات الوهمية وتزداد شهرة من يكتبون عن تلك الأفلام وشهرة الشيوخ رافعي القضايا ضدها بل وزيادة أرباحهم من التعويضات عندما يربحون القضايا ضد المختلفين معهم في الرأي. وتشمل القائمة التي أثيرت عليها زوبعة العديد والعديد من الأفلام لعل أهمها مهاجر يوسف شاهين وللحب قصة أخيرة لرأفت الميهي وغيرهما وغيرهما من الأفلام, كل هذا أعطي للكتابة عن السينما والنقد السينمائي أهمية جعلته أكثر جماهيرية وعرضة لأن يضم بين صفوفه الكثير من الغث والقليل من الثمين, وألا يملك حظ الأنواع الأخري من النقد التي يستطيع قراؤها من الصفوة التمييز بين الغث والثمين. [email protected]