يأتي الاحتفال بالذكري الخامسة والستين بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كأول وثيقة محددة تدعو دول العالم إلي احترام الحقوق والحريات للإنسان انطلاقا من ميثاق الأممالمتحدة. فأصبح هذا الإعلان أساسا تستند اليه جميع الوثائق والقرارات الدولية التي تصدر في هذا المجال وتبقي المشكلة بعد ذلك في وسائل الرقابة الدولية لحماية وكفالة هذه الحقوق والحريات التي أصبحت غير كافية أو مجدية لضمان التزام الدول بالقواعد والمبادئ الواردة بالإعلان أو في الوثائق اللاحقة عليه سواء في وقت الحرب أو السلم. وعلي الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948) يمثل من الناحية النظرية علي الأقل تبعات ملزمة بالنسبة إلي جميع الدول الأعضاء بالأممالمتحدة إلا أن الجمعية العامة تبنت بالاجماع في16 ديسمبر1966 الوثائق الثلاث التي تمثل في الواقع تحقيق القانون الدولي للحقوق التي فكرت فيه الجمعية العامة عندما تبنت الإعلان العالمي وفي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبروتوكول الاختياري الملحق به, وهي اتفاقيات شاملة لحقوق الإنسان لا تتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي قامت بإعدادها الأممالمتحدة وصدقت عليها أعضاؤها لتنظيم مجال معين أو بعض من مجالات حقوق الإنسان فأقرت قبل العهدين اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس والمعاقبة عليها(1948) والاتفاقية الخاصة بالحق الدولي في التصحيح(1952) والاتفاقية الدولية بشأن القضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري(1965) واتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة(1979) واتفاقية حقوق الطفل(1989) والاتفاقية الدولية الخاصة بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم(1990) وذلك علاوة علي ما يصدر عن الأممالمتحدة من قواعد للسلوك أو المبادئ كمجموعة المبادئ الخاصة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن(1988), كما أصدرت الأممالمتحدة مجموعة من القرارات لتكمل منظومة القواعد والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان كقرار الجمعية العامة بخصوص التعليم للجميع(1997) وقرارها الصادر بخصوص القضاء علي كل أشكال عدم التسامح الديني(1997) وغيرها. وتأخذ الرقابة السياسية الدولية لحماية حقوق الإنسان أشكالا ثلاثة عن طريق جمع المعلومات ودراستها بموجب التقارير الدولية وعن طريق تقديم الشكاوي والعرائض والتحقيق والتوفيق, وتتم الرقابة الدولية في إطار ميثاق الأممالمتحدة حيث تتيح المادة(64) للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يتخذ من الخطوات المناسبة للحصول بانتظام علي تقارير من الوكالات المتخصصة في شأن المسائل الداخلة في اختصاصه ومن ثم تعتبر مسألة حماية حقوق الإنسان مسألة اجتماعية, كما أن المادة(3/62) تقضي بأن يقدم للمجلس توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومراعاتها, وعلي هذا الأساس أنشأ المجلس لجنة حقوق الإنسان(1946) التي أعدت الإعلان العالمي وكل من العهدين الدوليين, وطبقا للمادة(28) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية أصبحت لجنة حقوق الإنسان تشكل من18 عضوا وتختص بدراسة التقارير المتعلقة بالاجراءات التي وافقت عليها الدول الأطراف لتكتسب الحقوق التي أقرتها الاتفاقيات فاعليتها وترقب مدي التقدم الذي أحرزه التمتع بتلك الحقوق, ويجوز للجنة أن تقوم بدور المصالحة بين الدول الأعضاء إذا قام بينها نزاع حول تطبيق الاتفاقية, ولها أن تشكل لجنة لذلك عند الاقتضاء لتقديم وساطتها الحميدة لفضه ولكنها لا تملك ولا تختص بمنح التعويضات لضحايا انتهاك حقوق الإنسان. وقد اتضح عدم فعالية الرقابة الدولية بالنسبة لشكاوي الحكومات حيث تنتهي أعمال اللجان المخصصة إلي طريق مسدود, كما يعتبر وقف العمل ببعض الحقوق والحريات الأساسية في حالات الطوارئ من أكبر العقبات التي تواجه فعالية الرقابة الدولية علي حماية حقوق الإنسان فلا يكاد يخلو أي نص دستوري أو قانوني من قيد وقف التمتع ببعض الحقوق خلال الأزمات السياسية بل إن المادة(4) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أباحت للدول الأطراف في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة والتي يعلن عن وجودها بصفة رسمية أن تتخذ الاجراءات ما يحلها من الزاماتها الواردة بالعهد إلي المدي الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع. وفي إطار الرقابة الدولية أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الستين للمجلس الدولي لحقوق الإنسان انتقلت اليه صلاحيات اللجنة الدولية وآليات التنفيذ المختصة التي وجهت اليها اتهامات استمرت أكثر من ستين عاما بسبب أسلوبها الانتقائي حسب المصالح السياسية للدول الأعضاء وعدم قدرتها علي التصدي للانتهاكات التي تعددت في كثير من دول العالم وكان من المأمول أن تكفل للمجلس ديناميكية العمل ولا يتحقق ذلك إلا باستقلاله كهيئة من هيئات المنظمة الدولية مثل مجلس الأمن والجمعية العامة وغيرها ولكنه ولد تابعا للجمعية العامة. وإذا كان للمجلس صلاحية النظر في أوضاع حقوق الإنسان السائدة في جميع الدول وتوجيه انتقادات لها إذا رأت غالبية أعضائه ذلك فما الذي يضمن عدم الانتقائية والتسييس في عمل المجلس وما هي السلطة التي تقرر عدم صلاحية اختيار دولة ما عضوة بها لانتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان؟! ولتقوية أجهزة الرقابة السياسية لحماية حقوق الإنسان نقترح تشكيل لجنة فرعية في جميع دول العالم ترتبط بمجلس حقوق الإنسان وإنشاء نيابة عمومية دولية يرأسها مدع دولي تعينه الجمعية العامة ويساعد المجلس في جميع المعلومات وترفع الشكاوي والبلاغات أمامه مباشرة ويترافع في الانتهاكات الخطيرة, كما يعد تقريرا سنويا بذلك. كما نقترح إنشاء غرفة خاصة في محكمة العمل الدولية تنظر في الجرائم الدولية المرتكبة ضد حقوق الإنسان أو إنشاء محكمة دولية خاصة بحقوق الإنسان لتكون فرعا من فروع الأممالمتحدة أو مستقلة عنها فالمهم أن تمنح هذه المحكمة السلطات القضائية اللازمة لأداء عملها وتخضع لها جميع الدول أعضاء الأممالمتحدة كبيرها وصغيرها. رابط دائم :