ودع العالم واحدا من أبرز قادته, وأعظم زعمائه في التاريخ وأحد مشاعل الحرية في القرن العشرين, والحائز علي جائزة نوبل للسلام, إنه نيلسون مانديلا, زعيم دولة جنوب افريقيا, الذي لقب بقائد معركة المساواة في العالم, من منطلق شعور كل مواطن يعاني من عدم المساواه في بلده بأفعاله واقواله, وقد ترك مانديلا قيما ديمقراطية, نوجزها علي النجو التالي: أولا الزهد في السلطة: حيث اكتفي بفترة رئاسية واحدة وترك الحكم برغبته وامتنع عن الترشح للرئاسة لولاية ثانية, وقد جنب شعبه العنف والمعاناة وسفك الدماء, ولم يعدل الدستور لصالحه أو لبقائه في الحكم كما حدث في بعض الدول وفضل منهج المصالحة الوطنية والمشاركة علي منهج المغالبة الانتخابية وكان يشرك البعض من معارضيه في صنع القرارات, إضافة إلي دعوته إلي العمل والبناء والعيش والخبز للجميع, وانتقل في فترة رئاسته من حكم الأقلية ونظام الفصل لعنصري إلي الديمقراطية متعددة الثقافات, ولم يقتدوا به ولم يأخذوه قدوة من تلبسوا وتغطوا بغطاء الدين. ثانيا التسامح مع الجميع: حيث سامح البيض ممن عذبوه وسجنوه ولم يسع للانتقام, ولم يضع معذبيه في السجون, ولم يستعن بترزية القوانين, ويفصل السياسية ترشيحا وتصويتا في الانتخابات كما حدث في دستور2012 وبرلمان2011, ووحد شعبه من خلال لجنة الحقيقة والمصالحة للبحث عن الأدلة في الجرائم اللإنسانية وبذلك جنب شعبه حروبا أهلية وجمع في لجنة المصالحة المؤيدين والمعارضين, ومن أقواله في هذا السياق إذا أردت تحقيق السلام مع عدوك عليك أن تعمل معه وسوف يصبح شريكا لك ثالثا الكفاح من أجل الحرية: حيث حارب وكافح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا, حتي منحها للأغلبية السود في بلاده فأصبح ملكا متوجا للقلوب, وتحرر المواطنون من الظلم والعبودية فأصبح الجميع يركبون حافلات واحدة, ويشربون من فناجين واحدة, وكون فريقا من البيض والسود علي مستوي الرياضة وكورة القدم, ومن أقواله المأثورة: الحرية لا يمكن أن تعطي علي جرعات فالمرء إما أن يكون حرا أو لا يكون ناهيك عن النص في أحد مواد الدستور علي إعطاء الحق للحزب الذي يحصل علي عشرين مقعدا(5%) أو أكثر من المقاعد في الجمعية الوطنية للحصول علي حقائب وزارية لطمأنة الجميع هذا هو مانديلا. رابعا البحث عن الخير لبلاده: من خلال تسليم السلطة لرجال أكثر شبابا وتأهيلا للاقتصاد الحديث, وشكل حكومة وحدة وطنية في محاولة لنزع فتيل التوترات العرقية, وأسس دستورا جديدا توافقيا وكانت حكومته تنتهج سياسة اقتصادية ليبرالية, كافحت الفقر وتوسعت في الخدمات الصحية دوليا, وعين لجنة من الكفاءات الاقتصادية من أهل الخبرة والكفاءة وليست من أهل الحظوة والثقة لرسم الخريطة الاقتصادية لجنوب إفريقيا. خامسا دعا دول شعوب الربيع العربي للتسامح والاقتداء بلجنة الحقيقة والمصالحة التي أسسها في بلاده, وجعلت الأطراف تتصالح ولاتتصارع وتتسامح, تجنبا لحدوث الحرب الأهلية ووجه رسالة في يوليو2011 إلي الثائرين العرب بضرورة التعاون مع أنظمة الحكم القديمة ومؤيديها محذرا من الانتقام والعزل السياسي وأخذ الصالح بالطالح, وكان مبدأوه أن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم فالهدم فعل سلبي أما البناء فعل ايجابي, وحذر من الوقوع في فخ التشفي والإقصاء, تحت إدعاءات أن الثورات لا تكتمل إلا بالانتقام والاقصاء, وقال ناصحا: عليكم أن تتذكروا أن اتباع أي نظم سابقة في النهاية مواطنون في بلادهم وينتمون إليها فاحتوائهم هدية للبلاد في هذه المرحلة, ثم أنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر. سادسا اهتم بالتعليم الذي اعتبره أقوي سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم, متواصلا من خلال مؤسسة مانديلا الخيرية مع منظمة اليونسيف في حملة المدارس من أجل أفريقيا من خلال ترميم المدارس, وبناء الفصول, والرعاية الصحية والتغذية المدرسية, وتأهيل المعلمين, واعتماد التلاميذ علي الذات والحصول علي مهن لأولياء أمورهم, وتوفير مياه صالحة للشرب في المدارس, وذلك في المناطق والبلاد التي تفتقر ضعفا في مستوي التعليم مثل أنقولا, ملاوي, وموازمبيق, ورواندا وزمبابوي وجنوب افريقيا. سابعا أبدي اعتزازه بالزعيم جمال عبدالناصر الأب الشرعي لحركة التحرير الوطني في أفريقيا وكان ذلك في كلمته في جامعة القاهرة عام1995, حيث قال: سأزور الأهرامات, والنيل, وضريح جمال عبدالناصر, وفي هذا السياق وبعد صفر المونديال قال مانديلا: لو كان جمال علي قيد الحياة ودخلت مصر المنافسة أمام جنوب أفريقيا علي شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم عام2010 لانسحبت جنوب أفريقيا فورا من الوقوف أمام مصر, ولكن الظروف تغيرت الآن ومصر لم تعد مصر عبدالناصر ثامنا عاشق لمصر: من خلال الروابط التاريخية بها وبالمصريين ولم ينس مانديلا دور مصر الرائد والبارز في مساندة نضال الدول الأفريقية لتحقيق تحررها واستقرارها وموقفها الرافض لسياسة التمييز العنصري في جنوب افريقيا, وفي هذا الصدد قطعت مصر علاقتها الدبلوماسية بنظام الحكم العنصري إلي أن زال هذا النظام إضافة إلي وقوف الدكتور بطرس بطرس غالي بجانبه والدفاع عنه للإفراج عنه حينما كان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة وكان منديلا يسعي لنيل مصر المناصب والجوائز العالمية, لأنها بذلك رمز الأفارقة هذا هو نيلسون مانديلا القومي, الإفريقي, الديمقراطي, الاشتراكي, الذي تفخر به بلاده رمز السلام وأسطورة الحرية والمدافع عن المقهورين المظلومين, والذي يتمتع بالاحترام العميق من كل شعوب العالم, والذي لقب: ب أبو الأمة والسؤال: هل يمكن أن يقتدي الزعماء والقادة وأصحاب الفخامة والزعامة في الدول الحديثة العهد بالديمقراطية ودول الربيع العربي بهذه المباديء والقيم لتجنب العنف والدماء والانتقام والتشقي, بهدف التفرغ لبناء ما هدمته الثورات والمظاهرات, وتحقيق ما حرمت منه الشعوب من قبل؟ وهل سيأتي إلينا في مصر نيلسون مانديلا يلقب بحبيب الملايين؟ رابط دائم :