ما كان لأحد أن يقر بأحقية المنتخب الوطني في اللعب بمونديال البرازيل2014, وما كان لخبير أن يقول بأن الأحلام ممكنة حتي لو دعموا المدرب الأمريكي بوب برادلي بالخبراء السوفييت. . فكيف لبلد لم يرتد لاعبوه الأحذية إلا قليلا, ولم تطأ أقدامهم نجيل ملاعبه إلا فيما ندر حتي تحولت إلي غابات سافانا أن يكون ضمن أفضل32 منتخبا علي مستوي الكرة الأرضية.. ألم يعلموا بأنه فشل في ذلك مرات ومرات زمن أن كان هناك كر وفر ومسابقات وأمان واستقرار وعقود مليونية ومرتبات خيالية.. ألم يقرأوا التاريخ فيعرفوا أن ماضي مصر كله ليس في صفحاته إلا التأهل مرتين لنهائيات كأس العالم, أولاهما عام1934 في إيطاليا ويقال إنها كانت دعوة إذ لعبنا مباراتين أمام المنتخب الفلسطيني الذي كان يضم في تشكيله غالبية من اللاعبين اليهود بعد انسحاب تركيا وفزنا في مباراة الذهاب بالقاهرة1/7 أحرز مصطفي كامل هدفين ومختار التتش ثلاثة أهداف ومحمد لطيف هدفين وفي القدس الشريف حسم منتخبنا مباراة العودة1/4 سجلها محمد لطيف ومختار التتش هدفين وعبد الرحمن فوزي.. وصعدنا بمجموع المباراتين لتكون مصر أول دولة عربية وإفريقية وأسيوية تلعب في المونديال لتشارك ضمن16 منتخبا تأهلوا لهذا العرس العالمي وكانت المواجهة مع المنتخب المجري القوي في ذلك الوقت وخسرنا في نابولي2/4. والمرة الثانية التي تأهلنا فيها كانت في إيطاليا1990 أيضا حيث جنبتنا القرعة الدور الأول ولعبنا في الدور الثاني ضمن مجموعة ضمت ليبيريا ومالاوي وكينيا وتصدرنا ولعبنا في الجولة الأخيرة أمام الجزائر وتعادلنا بدون أهداف في قسطنطينة وانتصرنا في ستاد القاهرة وسط ما يقرب من100 ألف متفرج بهدف لحسام حسن.. وصعدنا مع الكاميرون ضمن24 منتخبا علي مستوي المعمورة ووقعنا في المجموعة السادسة مع هولندا بطلة أوروبا عام1988 وانجلترا وأيرلندا.. وتعادلنا مع الأولي1/1 ومع الثانية بدون أهداف وخسرنا من الثالثة بهدف دون رد. مرتان فقط هما كل تاريخنا, و مضمون قصتنا مع كأس العالم, والغريب أنهما جاءتا عندما كان يمثل إفريقيا ومعها آسيا فريق واحد كما حدث في1934 وعندما أصبح لإفريقيا مقعدان كما جري في عام1990.. والطريف أنه منذ ارتفاع حصة إفريقيا إلي5 مقاعد اعتبارا من دورة1998 في فرنسا ونحن جرحي وخارج الإطار فيما صعدت دول لم تكن تعرف كرة القدم مثل توجو وأنجولا والسنغال وجنوب إفريقيا, إضافة إلي كوت ديفوار والكاميرون ونيجيريا والمغرب والجزائر وتونس بينما بقيت أول دولة إفريقية وعربية وأسيوية لعبت كرة القدم رسميا عام1921 علي الخط! يمكن أن نعاتب برادلي وضياء السيد وزكي عبد الفتاح علي أنهم سكتوا وصمتوا وعملوا في هدوء لمدة عامين يقبلون بالمباريات الودية المضروبة وبحالة الكساد الكروي معتمدين علي الفوز المتتالي علي زيمبابوي وموزمبيق وغينيا حتي صحونا علي هزيمة بالستة في كوماسي اعتدنا أن نطلق علي خسائر أقل منها فضيحة لكن لابد أن نعترف أننا كنا نطلب منهم المستحيل, وأن مشكلتنا مع كأس العالم وصلت إلي ما يشبه العقدة ليس فقط لأننا انسحبنا من تصفيات كثيرة بسبب الحروب والمواقف السياسية, ولكن أيضا لأننا ملوك الفرص الضائعة.. مرة تخرجنا ركلة جزاء من جمال عبد الحميد, وأخري تبعدنا طوبة في لقاء مع زيمبابوي, وثالثة تطيح بنا كرة لا تضيع من مجدي طلبة في ليون بفرنسا! وبالرغم من أن الكرة المصرية هي صاحبة الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بكأس الأمم الإفريقية وهي7, وبالرغم من أنها أنجبت نجوما كبارا علي رأسهم صالح سليم ومحمود الجوهري ومحمود الخطيب وفاروق جعفر وطاهر أبو زيد وحسام حسن ورضا عبد العال وأحمد حسن وحازم إمام ومحمد أبو تريكة إلا أن بختها كان قليلا في اللعب بكأس العالم.. والطريف أن كل السنوات التي فازت بها بكأس إفريقيا لم تصعد إلي المونديال.. حدث ذلك عام1986 فلم نتأهل لمونديال المكسيك وعام1998 فلم نلعب في نهائيات فرنسا وأعوام2006 و2008 و2010 فلم نذهب إلي ألمانيا ومن بعدها جنوب إفريقيا.. حتي في المرة الوحيدة التي تم فيها دمج تصفيات كأس إفريقيا مع تصفيات كأس العالم لم يكن لنا نصيب, بل أن لعنة هذه التصفيات حرمتنا من الذهاب إلي كأس إفريقيا2012 و..2013 والأكثر من ذلك أنه لم ينفع معنا نظام المجموعات في التصفيات ولا نظام الذهاب والإياب ولا حتي دمج تصفيات إفريقيا مع كأس العالم يعني مفيش فايدة.. وهو علي العكس تماما مما يدور في العالم كله ففي أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتي آسيا الدولة الأفضل هي التي تتألق في البطولة القارية وكأس العالم وتقدم أحسن اللاعبين, فهذا هو تاريخ البرازيل والأرجنتين وأوروجواي وإيطالياوألمانيا وأسبانيا واليابان وكوريا الجنوبية. والطريف أن دول الشمال الإفريقي هي التي قطعت أرجلنا من كأس العالم منذ أن أصبح لإفريقيا تصفيات مستقلة عام1974, فأخرجتنا تونس3 مرات في دورات1974 و1978 و1998.. وأطاحت المغرب بنا دورتي1982 و1986.. وحرمتنا الجزائر في دورة2010 الشهيرة بعد مباراة فاصلة في السودان خسرناها بهدف دون رد, إضافة إلي دورها في إقصائنا بطريق غير مباشر من بعض الدورات. ولم تغلف علاقتنا بكأس العالم روح الود قبل أن ينتصف القرن العشرين, ففي تصفيات1938 في فرنسا لعبت مصر وفلسطين مع أوروبا في مجموعة ضمت معهما رومانيا ولكن انسحبنا. وفي تصفيات البرازيل1950 لم يشترك المنتخب فيما أوقعته قرعة بطولة سويسرا1954 في التصفيات الأوروبية مع إيطاليا وفي القاهرة انهزم2-1 وفي سان سيرو خسر5-1. وفي السويد1958 لعب منتخبنا في تصفيات آسيا وإفريقيا ووقع في المجموعة الثالثة أمام قبرص لكنه انسحب بالرغم من تأهله للدور الثاني بعد انسحاب قبرص كما انسحب من تصفيات تشيلي1962 وانجلترا1966 والمكسيك1970. ولو أرخنا لقصة مصر مع تصفيات كأس العالم منذ عام1974 بوصفه العام الذي انفصلت فيه إفريقيا لوجدنا أن نصيبنا مقعد واحد فقط في عام1990 تحت قيادة الراحل محمود الجوهري وهو ما لا يتناسب مع مصر ومكانتها الكروية علي وجه الخصوص والرياضية علي وجه العموم علي اعتبار أن مكانتها السياسية والاقتصادية والعلمية لا يمكن أن تؤثر فيها هزيمة في كرة القدم. ومع كل دورة نخرج منها نجلس نبكي علي الأطلال ونتكلم عن الاحتراف والمسابقات واللياقة البدنية وسوء الحظ وسوء التشكيل والتبديل والمدرب الوطني والخواجة أبو برنيطة فيما تبقي حقيقة واحدة مؤكدة ألا وهي أننا محلك سر, والفارق بين أول هدف سجله عبد الرحمن فوزي وآخر هدف أحرزه مجدي عبد الغني في نهائيات كأس العالم56 سنة.. ومر ما يقرب من ربع قرن أخري ونحن في الركن البعيد الخالي! منذ عام1974 ونحن نلف وندور حول المشكلة دون أن نقترب من حلها.. فقط فترة هياج ولطم حدود وشق جيوب وصريخ وزعيق ونحيب وعويل وبمجرد أن تنتهي أيام الحداد ويتم فض سرادقات العزاء يعود الشيء إلي أصله, وهي مسرحية لم نملها40 سنة, وكأننا في التيه نستبدل الذي هو أكبر بالذي هو أقل ونعتبر البطولات الإفريقية هي غاية المراد من رب العباد مع أنه آن الأوان لأن نعترف بأنه أصبح للقارة بطولتان محليتان بعد أن أصبحت مشاركة محترفي إفريقيا في البطولة الأم رمزية وبلا دافع.. فقد كانت في البداية سوق يحضره السماسرة والوكلاء من كل أنحاء العالم.. أما الآن فاللاعبون الإفارقة يذهبون إلي أوروبا في سن صغيرة, وهناك يتم إعدادهم بدنيا ونفسيا وطبيا وكرويا, فيجدون أنفسهم في أقوي الأندية بالقارة العجوز ولا يذهبون إلي تصفيات كأس العالم مع منتخبات بلادهم إلا علي أمل اللعب في النهائيات بحثا عن الأفضل والأكثر في اليورو والدولار ولا تعنيهم البطولة الإفريقية من قريب أو بعيد.. أما نحن فلا شاركنا في بطولة المحليين, ولا عندنا محترفون حقيقيون في الدوريات الكبيرة يمكن أن ينجحوا في الوصول بالبلاد إلي المونديال, ولم يسأل أحد نفسه لماذا قل عدد المحترفين المصريين في أوروبا في فترة الزهو والفخر الإفريقي عندما حصلنا علي بطولة إفريقيا ثلاث دورات متتالية أعوام2006 و2008 و2010, بل عاد الذين كانوا محترفين قبل سنوات النجاح الإفريقي إن اعتبرناها كذلك! وليس دفاعا عن الجهاز الأمريكي المصري المشترك الذي قاد المنتخب للخروج من تصفيات2014 في المرحلة الثانية والأخيرة, ولكن للإنصاف فقط هو الجهاز الوحيد الذي كسر عقدة الرضا بالقليل في مباريات خارج الحدود واستطاع رغم الإعداد الشكلي والوهمي والمسابقات المحلية المتوقفة أن يكسب7 مباريات في التصفيات من إجمالي8 وكانت أمام المنتخب الغاني القوي, ولكن بقيت الأزمة الأخري وهي الخروج أمام المنتخبات الصغيرة والتعثر أمامها بعد الخروج من تصفيات البطولة الإفريقية أمام إفريقيا الوسطي وهذا ترسيخ لما كان يحدث أمام موريشيوس وبنين وليبيريا وغيرها من الدول التي تري في مصر ماردا إفريقيا في كرة القدم وغيرها! الأزمة ليست في برادلي ولاحسن شحاتة ولا تارديللي ولا الجوهري ولا الوحش, ولن تكون في شوقي غريب, ولا في سمات اللاعب المصري ولا حتي في وزارة رياضة ولا مجلس إدارة لإتحاد كرة القدم, ولكن في دولة كان نظامها السياسي الذي أسقطه الشعب في25 يناير2011 يري في كرة القدم الدجاجة التي تبيض ذهبا عندما تنتصر فقط لتحقيق مكاسب سياسية أو للتغطية علي قرارات مرفوضة وغير طبيعية.. وكانت تري فيها حصة الألعاب عندما تكون خاسرة, مقهورة, لا تسر عدوا ولا حبيبا بدليل أنها كانت تتدخل بالحل والتعيين في اتحاد اللعبة ولم تفكر للحظة في أنه لا يمكن العمل بقانون صدر في الستينيات وتم تعديله في السبعينيات بينما ثورة الرياضة العالمية بدأت في الثمانينيات وتصاعدت في الألفية الثالثة, بل كان النظام يستغل كرة القدم في تصفية حسابات كما حدث في المواجهات مع الجزائر في تصفيات كأس العالم2010! والحل لن يكون عبر نواح إعلامي ولا خديعة كلامية, ولكن يبدأ بقانون للرياضة يبعد العواجيز الذين لم يشبعوا بالرغم من أن جيوبهم امتلأت, وبطونهم انتفخت, وأعمارهم اقتربت من السبعين.. قانون ينظف مستنقع الفساد ويطهر الوسط الرياضي من كذابي الزفة الذين يريدون أن يقدموا أنفسهم الآن علي أنهم ثوار ومصلحون بينما هم المفسدون.. قانون يخلصنا من وهم التطوع ويأتي بمحترفين يتقاضون أجورا رسمية بدلا من أساليب التحايل والنصب والسرقة من فوق الترابيزة, ومن تحتها, ومن أمامها, ومن خلفها.. قانون يبعد الذين يحتمون بالمؤثرين في الجمعيات العمومية من باب شيلني وأشيلك! وبعد القانون يجب أن يكون للدولة دور في إحياء البنية الأساسية الرياضية التي توقفت عند حدود الستينيات باستثناء المنشآت العظيمة التي أقامتها القوات المسلحة وهي ذات صبغة حساسة تجعل الاستفادة الكاملة منها غير مطروحة, ومن هنا وجب علي الدولة بعد أن تتفق أولا علي وزارة واحدة أو وزارتين.. مجلس أعلي أو مجلس قومي أن تنظر بعين الاهتمام إلي المنشآت في القاهرة والمحافظات وتعيد أمجاد الملاعب والصالات في طنطا ودمنهور والزقازيق والإسماعيلية وكفر الشيخ وغيرها.. يجب أن يكون في مصر معمل تحاليل عالمي ومراكز طبية علي أعلي مستوي لكي تكتمل البنية الرياضية.. وغير ذلك لا يعني إلا إحياء ذكري الخروج من تصفيات كأس العالم كل أربع سنوات! رابط دائم :