الهوة المتسعة بين فقراء العالم وأغنيائه ليست قائمة فقط بين الشمال الغني والجنوب الفقير ذات الهوة وربما بشكل أكثر اتساعا موجودة داخل المجتمعات الغنية نفسها بين أصحاب الدخول المرتفعة وغيرهم من أصحاب الدخول المتدنية. هذه الهوة التي يمكن أن تقوض السلام الاجتماعي داخل كل مجتمع تثير قلقا متناميا في بلدان بعضها غني كسويسرا والبعض الآخر يعيش أكثر من40% من سكانه تحت خط الفقر مثل مصر. سويسرا واحدة من بين أغني دول العالم لكن فوارق الدخل بين أعلي المرتبات وأدناها شاسعة هذه الفوارق التي تصل في بعض الحالات إلي200 إلي1 أعجت شبابا سويسريين يسعون إلي تقريب الهوة بين الطبقات سويسرا ليست دولة شيوعية( لم يعد باقيا غير الصين وكوريا الشمالية وكوبا) ولا هي دولة اشتراكية( لم يعد هذا الوصف يستخدم كثيرا في التصنيف السياسي) سويسرا دولة رأسمالية وهي واحة المودعين الذين يجدون في قوانينها المصرفية ملاذا آمنا ومهربا من القيود التي تفرضها دول أخري. شركات عملاقة كثيرة متعددة الجنسيات تتخذ من سويسرا مقرا لها بسبب الاعفاءات الضريبية التي تتيحها ومناخ الاستثمار المتوافر بها. ليست هناك ضوابط علي ما يتقاضاه كبار العاملين في الشركات والمؤسسات في سويسرا حتي وان بلغ ملايين الفرنكات شهريا كبار العاملين هؤلاء يضمون رؤساء وأعضاء مجالس الادارات وأعضاء مجلس الادارة المنتدبين وغيرهم من كبار التنفيذيين. هذا الوضع أزعج شريحة من الشباب السويسري المنتمي إلي الحزب الاشتراكي الديمقراطي فقرر ان يتحرك بهدف وضع كوابح علي ما يتقاضاه كبار العاملين بحيث لا يتجاوز ما يتقاضاه أحدهم في شهر إجمالي ما يتقاضاه عامل النظافة في نفس شركته في عام وهو ما أطلق عليه تعبير1 إلي12. وفقا للدستور السويسري فان جمع100 الف توقيع يجبر الحكومة علي اجراء استفتاء علي الامر الذي تم جمع التوقيعات عليه وهو ما نجح شباب الحزب في جمعه. الحد الادني لأجر عامل النظافة شهريا هو نحو4000 فرنك سويسري بما يعني ألا يتجاوز الحد الاعلي لكبار العاملين576 الف فرنك شهريا. هذا يعني خفضا دراماتيكيا لأجور كبار العاملين في الشركات الكبري الذي يصل متوسطه إلي6 ملايين و700 الف فرنك سنويا إذا ضيفت المكافآت والبدلات والنسبة من الارباح فان ما يتقاضاه احدهم قد يصل إلي20 مليون فرنك سنويا وفي حالة تعد مثالا صارخا وصلت النسبة في حالة احد رؤساء الشركات عام2004 إلي1182 مثل الحد الادني. سرت الرعدة في أوصال كبار العاملين في سويسرا خوفا من الموافقة علي الاستفتاء. نتيجة التصويت في الاستفتاء الذي جري أول أمس الأحد كانت بعدم الموافقة علي الاقتراح بنسبة تصل إلي نحو66% ثمة حساسية لدي السويسريين فيما يتعلق بما قد يؤثر سلبا علي أوضاع الاستثمار في بلادهم. أثير في سويسرا ان الموافقة ستعني هروب الاستثمارات الاجنبية إلي بلدان أخري. لكن لم يثر هناك ما أثير عندنا من أن الكفاءات سوف تهرب وتلجأ إلي القطاع الخاص لأن ما جري الاستفتاء عليه هناك لا يميز بين قطاع خاص وقطاع عام أو قطاع حكومي. الموافقة بنعم في الاستفتاء السويسري كان من شأنها أن تجعل منها أول دولة في العالم تقلص الفرق في الاجور إلي هذا المستوي وتحرم كبار العاملين من معظم الدخل الذي كانوا يحصلون عليه. فليس الأمر مقصورا فقط علي المرتبات والمكافآت والبدلات والارباح لكن مكافآت نهاية الخدمة تصل أيضا إلي أرقام فلكية حيث بلغ أحدها79 مليون فرنك المفارقة أن نفس الشركات التي يفوق كرمها كرم حاتم الطائي ويصل إلي حد السفه في البذخ هي ذات الشركات التي تقوم بتقليص العمالة بحجة التوفير وبسبب تدني الارباح. صيحة تقريب الفوارق ليست قاصرة علي سويسرا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يسعي لجعل الفارق بين الحدين الادني والاعلي للاجور إلي20 في الشركات المملوكة للدولة بينما جعل الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض في اسبانيا حد1 إلي12 جزءا من برنامجه الاقتصادي. صرخة الشباب السويسري وان كانت لم تحظ بالتأييد لم تكن صرخة في واد فقد أرسلت رسالة سوف يعيها المعنيون بها. مثلها كانت صرخة شباب ثورة يناير2011 عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة انسانية. ما أقره مجلس الوزراء المصري مؤخرا بالأ يتجاوز الحد الاعلي للأجور35 مثل الحد الادني للاجور الذي سيصبح1200 جنيه شهريا خطوة علي الطريق لكنها ينبغي ألا تحول الانظار عن حقيقة مريرة وهي انه حتي هذا الحد الادني الذي طالت المطالبة به لا يعني الوصول إلي مستوي خط الفقر الذي حددته الاممالمتحدة الذي يبلغ دولارين يوميا للفرد اي420 جنيها للفرد في الشهر. وفقا لهذا المعيار الأممي فإن الحد الأدني للدخل لاسرة من أربعة افراد هو1680 جنيها شهريا وهو أمل يبدو بعيد المنال بعض الشيء في ضوء الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر. القرار المصري المتعلق بالحد الاقصي للاجور يقصر ذلك علي العاملين في الجهاز الاداري للدولة وليس علي كل العاملين فيها وليس معروفا عدد العاملين في هذا الجهاز الذين سوف ينطبق عليهم هذا القرار اعتبارا من يناير القادم ولا ما هي المبالغ التي يتقاضونها في الوقت الراهن ولا حجم التوفير الذي سوف يتم توجيهه لصالح صغار العاملين حال تطبيق القرار. رابط دائم :