لست أدري علي ماذا يراهن تنظيم الإخوان المحظور, من خلال التظاهرات العشوائية في القاهرة والمحافظات بغرض إنهاك الأمن فإذا به ينهك نفسه بدليل تراجع عدد المشاركين في مسيرات العبث وآخرها جمعة نساء مصر خط أحمر, علي نحو جعلها مبعثا للتندر علي التنظيم الذي فقد السلطة وعقله ويريد أن نفقد عقولنا, فلا يزال قادته يعتقدون في عودة مرسيهم إلي السلطة, وهي العودة التي يرونها هم والمخدوعون فيهم قريبة, وأراها مستحيلة ولا وجود لها إلا في المشمش لقد وضع مثول مرسي أمام المحاكمة الاثنين الماضي حدا للشائعات وأنهي حديث الصفقات إلي الأبد بين العهد الجديد وجماعة المعزول, وأكد للعالم أجمع المضي قدما لتنفيذ خارطة الطريق, دون إملاءات خارجية أو عقد تسويات داخلية وهو ما برز خلال زيارة جون كيري عميد الدبلوماسية الأمريكية للقاهرة عشية المحاكمة في أول زيارة له منذ ثورة30 يونيه التي أطاحت بحكم الإخوان, وأعادت مصر إلي أبنائها فلم تتطرق تصريحات كيري من قريب أو بعيد إلي المحاكمة, بل ذهب أبعد من ذلك بالإعلان عن الاتفاق مع نظيره نبيل فهمي علي بدء الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن, في تأكيد أمريكي عملي علي طي صفحة الإخوان ومسعي جاد لتفادي المزيد من التدهور في العلاقات بين الحليفين الكبيرين, علي خلفية الموقف المائع للرئيس أوباما من ثورة30 يونيه, ومجازفته بتعليق جزء من المساعدات لمصر, ظنا منه بأنها محاولة للضغط علي القاهرة والتلاعب بأمنها القومي وهو الأمر الذي لم يعد مقبولا ولا مسموحا به من أي قوة مهما كانت. لقد استوعب كيري الرسالة ولم يستوعبها الإخوان وبدءالذين يعيشون أسري أوهام العودة إلي السلطة, والتدثر بالشرعية, متعامين عن رؤية حقيقة انفضاض الشعب من حولهم, وتعامل حلفائهم بواقعية مع السلطة المؤقتة التي تواصل تنفيذ تعهداتها, فها هوالدستور الجديد يوشك علي الانتهاء ليتم طرحه للاستفتاء في ديسمبر المقبل وها هو وزير الخارجية يتحدث عن إمكانية إجراء الانتخابات التشريعية بين فبراير ومارس المقبلين, ثم الرئاسية في بداية الربيع, والمعني أن عودة مرسي التي يمني بها الإخوان أنفسهم بها أقرب إلي عشم إبليس في الجنة, فالواقع يقول إن مرسي نزيل في سجن برج العرب شديد الحراسة, بتهمة التحريض علي قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية, وما دون ذلك ليس أكثر من هلاوس سمعية وبصرية وخصوصا أن تصريحات عدد من المشاركين في ما يسمي بتحالف دعم الشرعية, أكدت أن احترام الشرعية لا يعني عودة مرسي فقط, مما يعني أنهم يؤمنون بأشياء, ويقولون لقواعدهم والمغيبين كلاما آخر يدغدغ مشاعرهم وعواطفهم, حفاظا علي تماسك التنظيم من الانهيار, وإرجاء لساعة المحاكمة الشعبية لقيادته علي ما اقترفته وأضاعت فرصة ذهبية, تم السعي إليها منذ84 عاما, فإذا بها تتحول إلي وهم وسراب في غضون عام واحد. لقد تعامل مرسي وإخوانه مع هيئة المحكمة بطريقة العصابة, فتارة يعطي بلتاجهم وعريانهم وشيختهم ظهورهم لهيئة المحكمة, وأخري يشيرون بعلامة رابعة, وثالثة يدلون بتصريحات باللغة الإنجليزية, فيما يشبه الرسائل المشفرة لأسيادهم في الخارج, أما مرسيهم فالعفريت الذي يتلبسه يردد أنا الرئيس الشرعي وأحمل هيئة المحكمة مسئولية التستر علي الانقلاب وأدعوها للإفراج عني كي أمارس صلاحياتي, هذا الكلام لا يصدر عن شخص طبيعي يفترض أنه كان رئيسا لدولة في حجم مصر فحالة الإنكار للمحكمة لا تنفي وجودها,, ومن يدعي أنه الرئيس الشرعي مسجون ومتهم بتهمة التحريض علي قتل المتظاهرين. وحسنا فعل وزير الخارجية نبيل فهمي بقوله إن حزب الحرية والعدالة مدعو إلي المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة, في أبلغ رد علي اتهامات الإقصاء والتهميش التي يروج لها الإعلام الإخواني الكاذب, ففلسفة خارطة المستقبل التي أعلن عنها الفريق أول السيسي كانت تقول بكل وضوح إنه لا إقصاء لأحد وأن مصر تتسع للجميع, وليست حكرا علي الأهل والعشيرة فقط مثلما كان يخطط الرئيس المعزول. ومن المؤكد أن انتهاء فترة إعلان الطوارئ الخميس المقبل من شأنه أن يسمح للتنظيم الإجرامي بهامش مناورة أكبر, بعض الشيء, ولا سيما في ظل محاولاته المستميتة لتعطيل الدراسة في الجامعات, كما سيسعي إلي محاولة الاعتصام في الميادين علي غرار رابعة والنهضة, وهو ما يتعين مواجهته والتعامل معه بمنتهي الحسم, كي لا نسمح بتعطيل خارطة المستقبل والتراجع عن الانجازات التي تحققت منذ ثورة30 يونيه. إن مصر الجديدة تمر بمخاض جديد وصعب يتعين أن يدفع كل الوطنيين الشرفاء ضريبته لإتمام عملية التحول الديمقراطي, وتكريس التداول السلمي للسلطة, وفي هذا الإطار, يمكن أن نرصد انتقادات عديدة لحكومة الدكتور الببلاوي, سواء فيما يتعلق بأزمة البوتاجاز التي انفجرت أخيرا في المحافظات, برغم الدعم الخليجي غير المسبوق من المنتجات البترولية, وكذلك بشأن الفوضي التي تشهدها الشوارع, وتحديدا في العاصمة وهي الفوضي الناتجة عن احتلال الباعة الجائلين للشوارع والميادين, والفشل في السيطرة علي جنون الأسعار, لكننا نعتقد أنه من الظلم أن نحمل الحكومة بما هو فوق طاقتها, خصوصا, أنها تسلمت تركة ثقيلة وتعمل في ظروف استثنائية, وأضعف الإيمان أن نمنحها الفرصة كافية قبل أن نبادر بانتقادها وسلخها. خلاصة القول إن مصر الجديدة تسير واثقة الخطي نحو المستقبل فبلدان عديدة رفعت حظر سفر مواطنيها للقاهرة والسياحة بدأت تعود إلي أسوان وغيرها من المقاصد السياحية, كما تستقبل القاهرة بعد غد وزيري الخارجية والدفاع الروسيين في أول زيارة من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق, مما يؤكد جدية توجه القاهرة نحو نسج شبكة علاقات خارجية متوازنة تكفل لها الأمن وتحقيق مصالحها العليا, بدلا من العيش في جلباب ماما أمريكا, مما أفقد مصر جزءا كبيرا من مكانها ومكانتها بين أمتها وفي محيطيها العربي والإقليمي. ومن المؤكد أن زيارة الوزيرين الروسيين تأتي توطئة لزيارة الرئيس بوتين الذي استعاد النفوذ الروسي القديم في المنطقة وهو ما برز في الأزمة السورية, وتخلي بشار الأسد عن ترسانته من السلاح الكيماوي, مما يعني عمليا انتهاء زمن الهيمنة الأمريكية علي قواعد اللعبة الدولية في الشرق الأوسط وهو ما تعيه مصر الجديدة وتسعي لتوظيفه بما يخدم مصالحها ومصالح شعبها. تري هل يعيد تحالف الإخوان حساباته, في ضوء هذه المستجدات وفي ظل فشل كل الفعاليات التي دعا إليها منذ عزل مرسي, فقد خسر رهانه علي الاعتصام في رابعة والنهضة, وخسر خيار احتلال كرداسة ودلجا, ولم ينجح في مسيرات العبث التي تعددت أسماؤها, وحملت من الشعارات الجوفاء بأكثر ممن شارك فيها, ولم ينجح أيضا في الرهان علي انقسام المؤسسة العسكرية أو تعطيل محاكمة مرسي, وأخفق في تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات, وهل يفاجئنا التنظيم المحظور بتغيير تكتيكاته ليتحول من نشر الفوضي والخراب والأكاذيب إلي العودة إلي الصف الوطني بعد إعلان التوبة والتوسل إلي الشعب المصري كي يغفر خطاياه وخطايا مرشده, أم تراه يواصل السباحة ضد التيار وضد حركة التاريخ, مما يعني أنه حكم علي نفسه بالخروج من المشهد إلي الأبد. رابط دائم :