تقع مدينة كرمة علي الضفة الشرقية للنيل وعلي بعد حوالي40 كم شمال دنقلا وجنوب الشلال الثالث في السودان الشقيق, بلغت مملكة كرامة أوج عظمتها في في عصر الانتقال الثاني, حلت هذه الحضارة مكان حضارة ما قبل كرمة, وتعتبر كرمة واحدة من الأهداف الجنوبية للحملات المصرية خلال الأسرة السادسة وربما كانت هي المقصودة باسم بلاد يام التي ذكرها حرخوف وعلي كل حال فلقد بلغت هذه الحضارة أوج ازدهارها كما كانت تتمتع بمنظومة دفاعية, وظلت هذه الحضارة قرابة1000 عام ووصلت حدودها الجنوبية حتي الجندل الرابع ووصلت حدودها الشمالية حتي منطقة بطن الحجر. تعكس لنا التحصينات الضخمة التي بناها ملوك الدولة الوسطي علي عظم خطر هذه الحضارة علي الحدود الجنوبية لمصر القديمة. مع بداية الدولة الحديثة توجهت الجيوش المصرية نحو هذه المنطقة حتي استعادوا السيطرة علي كرمة التي سقطت نحو1500 ق. م وهجرت جبانتها في هذه الفترة. ولقد عثر في كرمة علي آثار كثيرة مصرية قديمة مثل التماثيل واللوحات والأواني الحجرية والأدوات والاسلحة البرونزية. يري بعض العلماء أن حضارة كرمة هي حضارة محلية وأن ما عثر عليه من آثار مصرية قديمة فيها هي آثار منقولة ربما هي هدايا أو أنها غنائم استولي عليها أهل كرمة من الحصون المصرية ويرجح هذا الرأي انتشار عادة التضحية البشرية حول المقابر في كرمة. تتميز المقابر في هذه المرحلة بأنها مستديرة الشكل تعلوها كومة من الرمال, وإلي الشرق من المقابر عثر علي أواني وضعت مقلوبة, وإلي الجهة الغربية عثر علي بقايا سوائل ربما تدل علي طقسة سكب الماء وهي من الطقوس الجنائزية التي تخدم المتوفي. يدفن الشخص داخل حجرة بيضاوية أو دائرية ضيقة ويتراوح عمقها بين متر ومترين ويرقد المتوفي في وضع القرفصاء داخل غطاء من الجلد ويرقد علي جانبه الأيمن متجها ناحية الشرق حيث شروق الشمس, وتم اتباع هذه القاعدة في كل المقابر حتي نهاية هذه الحضارة مما يؤكد علي انتماء هذه الحضارة للتقاليد الجنائزية المصرية القديمة. في نهاية كرمة الوسطي تزداد الأضاحي البشرية علي عكس الأضاحي الحيوانية, وعثر علي متوفي وبجواره شخص آخر ربما تابع أو خادم وقد دفن بجوار الشخص الرئيسي الذي يرقد علي سرير خشبي له أقدام بهيئة أقدام البقر وذلك لإعادة البعث والولادة مرة أخري أو أقدام الأسد وذلك لأنه مرتبط بالعقيدة الشمسية, وحولهما تم وضع الأثاث الجنائزي المكون من الأواني والحلي. بالقرب من المقابر الضخمة عثر علي مبنيين ضخمين من الطوب اللبن يعرفان باسم الدفوفة الشرقية والدفوفة الغربية( الدفوفة هي كلمة نوبية تطلق علي المباني المحصنة والتي تبني من الطوب اللبن) وكل منهما يتضمن قاعتين طوبيتين ضيقتين بينهما دهليز صغير وغطيت جدران هاتين القاعتين والدهليز برسوم تصور المراكب والحيوانات وبعض مناظر الحياة اليومية مثل مناظر الصيد النهري والملاحة وكان يصور علي الجدار الغربي مناظر الزرافات والأبقار وأفراس النهر. من الواضح أن حكام كرمة تمتعوا بوضع اقتصادي مميز حيث إنهم استفادوا من الوضع الجغرافي الممتاز لموقعهم الذي يتحكم في الطرق التجارية بين الشمال والجنوب وبين الشرق( البحر الأحمر) والغرب( دارفور). حاليا تعاني هذه الاثار وخاصة الدفوفة من المياه الجوفية التي تؤثر تأثيرا كبيرا عليها نظرا لأنها مبنية من الطوب اللبن سريع التأثر بالمياه ولذلك أناشد السلطات السودانية إنقاذ هذه الاثار التي تعتبر من التراث الانساني الذي ينبغي المحافظة عليه. رابط دائم :