تمضي لجنة الخمسين نحو خط النهاية في مضمار إعداد الدستور الجديد, وهي تبدو في اللحظات الأخيرة, أشبه ما تكون ب لاعب الأكروبات, فهي من جهة مطالبة بتقديم مشروع دستور متكامل يرضي الأغلبية العظمي من المصريين, هؤلاء الذين اندفعوا إلي الشوارع والميادين في30 يونيه الماضي, ليرسموا ملامح تلك النهاية الدرامية لحكم الإخوان, وهي من ناحية أخري مطالبة باحتواء موجات الجدل المتواصلة داخلها, علي خلفية عدد من المواد الخلافية التي كانت ولا تزال محل جدال, بين أعضاء اللجنة من الإسلاميين وغيرهم, وفي مقدمتها المواد المتعلقة بوضع المؤسسة العسكرية, وآلية تعيين وزير الدفاع, والمحاكمات العسكرية للمدنيين. ورغم نجاح اللجنة في احتواء أزمة المادة المتعلقة بتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية, وهي المادة التي ظل حزب النور يتمسك بها علي صورتها الأولي, قبل أن يتم التوافق علي إلغاء المادة219 المفسرة لكلمة مبادئ, والاكتفاء بالتفسير الذي انتهت اليه في وقت سابق المحكمة الدستورية العليا, الا أن الجدل لا يتوقف عند حد المواد المتعلقة بالهوية, ولا تلك المتعلقة بالجيش والشرطة, لكنه يمتد ليطال مواد أخري من بينها تلك المتعلقة بصلاحيات الهيئات القضائية المختلفة, إضافة إلي النظام الانتخابي والحصص النيابية للعمال والفلاحين والنساء, وهو ما يؤشر إلي أيام ملتهبة قبل طرح نصوص التعديلات الدستورية للاستفتاء العام, في موعد غايته مطلع العام المقبل. تمضي لجنة الخمسين إلي نهاية الشوط, محملة بمسئولية تاريخية, تضاهي, إن لم يكن تزيد علي الدور الذي قامت به لجنة الثلاثين التي تولت وضع دستور مصر في عام1923, وهو الذي يعتبره كثير من فقهاء الدستور, واحدا من أعظم الدساتير في التاريخ المعاصر, وقد بدأت هذه اللجنة عملها وسط هجوم سياسي عنيف, شارك فيه الزعيم المصري سعد زغلول الذي كان منفيا حينذاك, عندما أطلق عليها لجنة الأشقياء, لأنها جاءت معينة من الحكومة, ولم تضم عضوا واحدا من البرلمان, ربما من دون أن يدرك أن هذا الدستور سوف يلعب في وقت قريب جدا, الدور الأبرز في عودته ورفاقه من المنفي, بعد تشكيل وزارة يحيي ابراهيم باشا, التي ألغت الأحكام العرفية, بل وفي مجيئ سعد زغلول نفسه علي رأس أول وزارة شعبية وفدية في23 سبتمبر من العام نفسه. قبل نحو أسبوعين وقف رئيس لجنة الخمسين, الأمين العام للجامعة العربية السابق, عمرو موسي, بتعديل الدستور, سوف تسارع الزمن من أجل الانتهاء في الوقت المطلوب من إعداد ما وصفه ب دستور جديد للبلاد وتعهد موسي امام الصحفيين بأن الدستور سوف يكون شاملا ومحصنا من أي طعن, مثلما سيكون جديدا في روحه وفكره وصياغته, من أجل الحفاظ علي الهوية المصرية, وهو ما تجلي لاحقا فيما كشفت عنه مناقشات اللجان المختلفة, حيث تم إلغاء33 مادة من مواد الدستور المعطل, فيما شملت التعديلات161 مادة أخري, فضلا عن إضافة8 مواد جديدة بإجمالي202 مادة من أصل236 مادة كان يتضمنها الدستور المعطل, وهو ما يعني أن نسبة التعديل قد جاوزت80% من مواد الدستور القديم. استبقت لجنة العشرة عمل لجنة الخمسين, إنفاذا لقرار جمهوري أصدره منتصف يوليو الماضي, الرئيس عدلي منصور, يقضي بتشكيل لجنة تضم أسماء عشرة من أبرز الفقهاء الدستوريين, تتولي مهمة إنجاز التعديلات الفنية المطلوبة علي دستور عام2012 انطلاقا من خريطة الطريق, وقد كان لافتا في تشكيل اللجنة أنها اعتمدت علي مجموعة من الأكاديميين القانونيين, ممن لا ينتمون لأي أحزاب أو تيارات سياسية, وهو ما كان يؤشر بوضوح إلي حرص مؤسسة الرئاسة, علي أن يكون أعضاء اللجنة بعيدين عن أي صراعات أو ميول سياسية, قد تصبغ النصوص المطلوب تعديلها في الدستور بلون أو اتجاه سياسي بعينه, حيث ضمت اللجنة اثنين من نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا, ورئيسا بمحكمة استئناف القاهرة ونائبا لرئيس محكمة النقض, فضلا عن الأمين العام لمجلس القضاء الأعلي, إلي جانب خمسة من الأكاديميين, وقد شملت التعديلات التي انتهت إليها,130 مادة من أصل236 مادة من نصوص دستور العام2012 من أبرزها إلغاء مجلس الشوري ونسبة العمال والفلاحين, فضلا عن إلغاء العزل السياسي, والتوصية بمنع تأسيس الأحزاب علي أساس ديني. المؤكد أن المسودة النهائية للدستور, التي يجري التصويت عليها الآن في لجنة الخمسين, سوف تعرض تباعا من يمكن وصفه ب المؤشرات المهمة حول المسار السياسي المرتقب في مصر, علي خلفية صوغ طبيعة العلاقة بين الدين والسياسية من جهة, ودور المؤسسات العسكرية وإدارة الدولة من جهة أخري. * لا تتوقع المؤسسات الدولية, ومن بينها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني أن يثير الدستور الجديد, موجة من الغضب في أوساط القوي الإسلامية التي نجحت قبل عام في تمرير دستور, ظل مثارا للجدال منذ إقراره وحتي إطاحة جماعة الإخوان من الحكم في يونيه الماضي, ويقول المعهد في العديد من تقاريره التي تراقب عمل لجنة الخمسين, إنها يكفيها أنها تعمل وسط أجواء تحرر من وهم سياسي كبير صنعته جماعة الإخوان قبل نحو عام, وأن توافق مختلف القوي السياسية, ومن بينها قوي الإسلام السياسي علي الدستور الجديد, من شأنه أن يفتح الطريق أمام إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حقيقية, تعكس التمثيل النسبي للقوي الفاعلة في المجتمع المصري. رابط دائم :