ان ماحدث مع أسطول الحرية بالرغم من فظاعته وبشاعته الا انه يعد بداية النهاية...بداية لنهاية الدعاية الإسرائيلية التي تبث في الغرب وعقول أفراده من أن الدولة العبرية هي واحة الديمقراطية وسط محيط من المتوحشين من العرب والمسلمين الراغبين في تحطيمها وإزالتها وقتل شعبها. بداية لنوبة استيقاظ إنساني لضمير فصيل جديد من الغربيين سممت الدعاية الصهيونية المؤيدة للكيان الصهيوني الاستيطاني عقولهم بالبث المستمر عن الخطر الإسلامي المتطرف والعرب المتوحشين وحماس الإرهابية وغيرها من الدعاية التي ينام ويصحو مواطنو الغرب كل يوم وهي تحاصرهم خرجت الآلاف في العديد من عواصم العالم في مظاهرات تندد بمهاجمة أسطول الحرية مكذبا لدعاوي الجيش الإسرائيلي بأن قتل ضحايا هذا الأسطول كانت دفاعا شرعيا لجنود الاحتلال عن حياتهم لقد بدأ العالم يدرك أن إسرائيل ترتكب جريمة حرب يعاقب عليها القانون ومحكمته الموجودة في لاهاي بهولندا والتي من آن لآخر تزخر عناوين الصحف بأخبار عن محاكمتها لأحد الأفراد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية, فإسرائيل تقيم حصارا علي غزة منذ سنوات وتقوم بتجويع سكان غزة ومع ذلك تفشل في إخضاع إرادتهم, وهي جريمة تعاقب عليها المواثيق الدولية وعلي رأسها اتفاقية جينيف التي تمنع العقاب الجماعي للمدنيين. وحتي من بعد العدوان الغاشم علي قطاع غزة والذي أدانته معظم التيارات الشعبية في الغرب مازال شعب غزة صامدا في مواجهة الجبروت والوحشية الإسرائيلية ضمن حملة الغضب تلك قامت سلسلة دور العرض الفرنسية الشهيرة المعروفة باسم( يوتوبيا Utopia) يوم4 يونيو برفع فيلم الإسرائيلي ليونيد بردوفسكي الذي كان من المقرر عرضه في باريس والذي يحمل اسم( الساعة الخامسة في باريس) من قائمة الأفلام المقرر عرضها, بالرغم من أن الفيلم كوميدي ولايحمل أي محتوي سياسي وقررت أن تعرض بدلا منها الفيلم التسجيلي راشيل عن المناضلة الأمريكية راشيل كوري التي ماتت عام2003 عن عمر يناهز22 عاما تحت جنزير الجرافة الإسرائيلية عندما كانت هي ومجموعة من النشطاء السياسيين الغربيين يحتجون في قطاع غزة علي هدم الجيش الإسرائيلي لمنازل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم الفيلم من اخراج الفرنسية الإسرائيلية من اصل مغربي سيمون بيتون والتي قدمت العديد من الأفلام التسجيلية للتنديد بالأعمال الوحشية للكيان الصهيوني, وهو من انتاج2008. تملك شركة يوتوبيا العديد من صالات العرض في جميع أنحاء فرنسا في مدن باريس وأفنيون وبوردو ومونبلييه وتلوز. هذا الموقف شديد الشجاعة هو رد فعل علي الوحشية الإسرائيلية, جاء وصف هذا الموقف بالشجاعة لأن الوقوف ضد مواقف الدولة العبرية في الغرب يعد مغامرة لاتحمد عقباها وبالذات للكيانات الاقتصادية وبالأخص العاملة في حقل الفن والاستعراض, فقداتهم المخرج جان لوك جودار بمعداته للسامية لموقفه المؤيد للشعب الفلسطيني, وقامت الدنيا علي الممثلة فنسا ريدجريف لقيامها بدور في فيلم يدعم منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي فان من يأخذ موقفا من الدولة العبرية يدرك أنه يلعب بالنار التي من الممكن أن تحرق مستقبله. هذا هو الموقف الشعبي الأوروبي والفرنسي في حين الموقف الرسمي في المجال الثقافي مخز وشديد التعنت و الصلف ومؤيد بالحق والباطل للكيان الصهيوني وهو ما وضح بجلاء شديد إبان أزمة مهرجان الصورة الأخير الذي يقيمه المركز الثقافي الفرنسي والتي تولدت عن قيام المهرجان بادراج فيلم لمخرجة إسرائيلية ورفع الفيلم من بعد اعتراض السينمائيين المصريين وجموع المثقفين عامة, لكن الفيلم عاد من بعد ضغوط من وزارة الخارجية الفرنسية, وهو ما أدي لقيام السينمائيين المصريين بتنظيم وقفة احتجاجية يوم بدأ العرض, ليقام المهرجان في حماية الأمن, ان الخارجية الفرنسية بموقفها هذا تدعم تطبيع العلاقات الثقافية مع إسرائيل, أي أن بعرض المركز الفرنسي لفيلم لمخرجة إسرائيلية في قلب القاهرة يصبح الأمر طبيعيا وعاديا, وبعد زوال الرهبة أوالعامل النفسي كما كان يحلو للبعض أن يسموه تزخر المنتديات الثقافية المصرية بالعديد من الأعمال الثقافية الإسرائيلية, يليها أسبوع للفيلم الإسرائيلي وزيارات لفرق مسرحية ومعارض فن تشكيلي, ليصبح الأمر طبيعيا وعاديا وننسي جرائم الكيان الصهيوني المحتل, بل من الممكن أن نعتبر سكان غزة هم المجرمون بعد ذلك,هذا هو الغرض من التطبيع والتميع. كل هذا مفهوم ومعروف ومبرر من قبل الخارجية الفرنسية في عهد ساركوزي الذي ليس هو عصر ديجول ولا ميتران دون الخوض كثيرا في السياسة الخارجية الفرنسية, لكن الغريب هو رفض مخرجة مصرية تسمي نفين شلبي الانسحاب بفيلمها من مهرجان الصورة هذا كما فعل كل السينمائيين المصريين, وقد أدلت المخرجة بتصريحات مشوشة( حتي لانستخدم وصفا أخر) تعلن فيها تأييدها لحقوق الشعب الفلسطيني ورفضها الهروب من الساحة أمام الغزو الثقافي الإسرائيلي و رغبتها في المواجهة لأن الانسحاب يضر بالمبدعين المصريين. وشاركت المخرجة في المهرجان بفيلمين أحدهما فيلم يحمل عنوان( حدث في مهرجان برلين) وفيه تقدم تجربتها عندما كانت ضمن المصريين الذين ضمتهم الدورة التدريبية لشباب السينمائيين والنقاد التي تقام علي هامش مهرجان برلين, صورت فيه تجربتها عند اللقاء مع شباب من الدولة العبرية خلطت المخرجة من خلال هذا الفيلم كل الأوراق حين تحدثت عن فلسطينيي1948 الحاملين لأوراق إسرائيلية وعن الإسرائيليين الفعليين, ثم أخذت تقدم شهادات لزملائها في الدورة التدريبية من كل الجنسيات بما فيها شهادات لإسرائيليين يظهر علم إسرائيل بجانب أسمائهم ليعلنوا أنهم مجرد مواطنين مدنيين لاعلاقة لهم بما ترتكبه حكوماتهم, وأنهم أدركوا عند لقائهم مع شباب من سوريا وإيران ولبنان كم هم مكروهون من قبل العديد من الشباب العرب. وكانت الشهادات العربية في معظمها مع التعامل والحوار مع الجانب الإسرائيلي وتختتم الفيلم بنهاية المهرجان وأملها في تحقيق السلام عند حلول الدورة التالية. هذا العمل أقل مايوصف به( حتي لانستخدم أي اتهامات أخري) هو السذاجة الشديدة وعدم دراية مخرجته بطبيعة الصراع ولا معني كلمة تطبيع, وهي تتعامل مع القضية كمن يتعامل مع نزاع تم بين صديقات في النادي أو المدرسة, وكأنه ليست هناك دماء تسال ولا أرواح تزهق. هذا التيار يساهم( سواء كان يعلم مؤيدوه أم لا) في تزيين الوجه القبيح للكيان الصهيوني ويدعو للتطبيع, هو تيار قد يكون كفره بكل الأنظمة التي أدت الي تخلفنا جعله يتمثل عدوه وينصهر معه( دون أي توصيف منا لهذا الفعل) وبالذات( هذا العدو) هو جزء من المجتمع المتقدم الغني في مواجهة مجتمعاتنا المتخلفة القهرية الفقيرة, ناسين متناسين أن هذا التقدم والغني شيد علي جماجم بشرية وبواسطة جرائم ضد الإنسانية. البعض يساهم في الدعوة لقبول إسرائيل بيننا وفتح الباب الثقافي لها لتتغلغل منه الي أرواحنا ونفوسنا التي لم يعد لنا سواها نقاوم بها كما فعلت راشيل كوري اليهودية الأمريكية ذات ال22 ربيعا, فهي لم تذهب إلي برلين وتركت أمريكا حلم الكثير من مواطنينا العرب للهجرة لأراضيها لتأتي الي غزة وتموت تحت جرافة إسرائيلية وهي تقاوم الظلم الواقع علي من يخالفونها في الدين والعقيدة والجنسية لذا فهي تحولت الي أسطورة في وقت لن يتذكر أحد أصحاب تيار التعرف علي الآخر والحوار مع الإسرائيلي, ولعل عدم التذكر هي أقل ماقد يصيبهم تحية لرشيل ولشهداء قافلة الحرية وكل من يصمد.