يتعامل الإسلام دين الله سبحانه للعالمين مع الحياة الإنسانية الدنيوية بجوانبها المتعددة بشكل متوازن, فلا يميل مع جانب علي حساب جانب آخر, ولا يهتم بناحية دون النواحي الأخري فلا إفراط ولاتفريط, ولاغلو ولاتقصير, إنما اعتدال وتوازن, وتوسط وعناية ورعاية بكل جانب بالقدر الذي يستحقه دون جور علي ما سواه قال الله جل شأنه ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)143 البقرة. والوسط هنا علي ماقاله المفسرون: العدل, وقيل: الخيار والأجود ومن مظاهر التوازن في هذا الدين الاعتناء بالجانبين الجسدي والروحي في الحياة البشرية, ولذلك وضع القواعد الحكيمة التي تحقق التوافق بينهما, فالإنسان علي ما هو معروف روح وجسد وعقل, تنوع حاجاته, وتتعدد رغباته, والله سبحانه وتعالي خلق الإنسان وموجده( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير),14 الملك. من هناك فإن المنهج الإسلامي الراشد يلبي كل ما يحتاج اليه الإنسان, ويقيم التوازن بين مكوناته دون ططغيان لمكون علي غيره, وبهذا تتحقق السعاد الحقيقية في أسمي صورها. إن واقعية الإسلام وبعد نظرته الثاقبة الواعية لحقائق الأشياء جعلته يتفرد ويمتاز عما سواء بالصلاحية والاستمرارية لهداية النفس البشرية, فالإسلام دين واقعي لايجنح الي مثال خيالي تعامل الناس علي أنهم أجساد بلا أرواح كالجماد أو أرواح بلا أجساد, ولكنه يعاملهم علي أنهم بشر يأكلون ويشربون, ويفرحون ويمرحون, يضحكون ويبكون, لهم غرائزهم, ورغباتهم, كذلك حرم الرهبنة بشتي صورها لتعمر الحياة وكره الامتناع عن الزواج أو الانقطاع للعبادة بالكلية, ونهي عن صوم الدهر وعن صوم الوصال, وعن الإغراق في أداء الشعائر والقربات علي حساب ما أباحه الله تعالي من وسائل العيش الكريم, ولذلك فإن من أهم صفات الشريعة الإسلامية أنها لاتكلف الناس ما لايستطيعون ولاتطلب منها ملايقدرون, فالالتزام بها, والانقياد لأحكامها في حدود الطاقة البشرية, ووسع النفس الإنسانية, قال الله عز وجل ( وما جعل عليكم في الدين من حرج) 178 الحج( يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر),185 البقرة( لايكلف الله نفسا إلا وسعها),286 البقرة,( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا),28 النساء. وقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم(إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبة فسددوا وقاربوا وأبشروا), وقد فقه علماء الإسلام المقاصد التشريعية في ديننا الحنيف, فأحكام الشريعة عدل كلها, ورحمة كلها, ومصالح كلها, وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل الي الجور, عن الرحمة الي ضدها, عن المصلحة الي المفسدة, عن الحكمة الي العبث فليست من الشريعة, وأن أدخلت فيها بالتعليل, فالشريعة عدل الله بين عباده, ورحمته بين خلقه, وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه, وعلي صدق رسول الله( صلي الله عليه وسلم), وهي نوره الذي أبصر به المبصرون, وهداه الذي به اهتدي به المهتدون وشقاؤه التام الذي به دواء كل عليل, وطريقة المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام علي سواء السبيل. وحضت الشريعة الغراء علي صدق الإيمان الصحيح الراسخ بالله تعالي والعمل الصالح الموصل لرضا الله عز وجل ومثوبته, وعدم الاغراق في الملذات والشهوات بالكلية قال الله تعالي ( والذين جاهدوا فينا لتهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين), الآية الآآخرة( العنكبوت),( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولايظلمون نقيرا)124 النساء,( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون),18( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون),18 الحشر,( فاسبقوا الخيرات الي الله مرجعكم),48 المائدة,( وسارعوا الي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين),133 آل عمران,( سابقوا الي مغفرة من ربكم21 الحديد,( وقال الله صلي الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة..) وفي الحديث القدسي:( وماتقرب الي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه, ومايزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتي أحبه..). وبهذا أتضح ان الاسلام يحقق في النفس البشرية عناصر الدين والدنيا بشكل متوازن يؤلف وينسق بين تطلعات الروح ورغبات الجسد في تهذيب وتوجيه لم يسبق ولن يلحق, وصددق الله العظيم( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا),3 المائدة. رابط دائم :