شهد الأدب المصري والعربي تنامي ظاهرة الكتابة عن الشخصيات اليهودية وموقعها في الحياة اليومية وقد تخطي هذا التناول مخاوف واجهها كثير من الكتاب وجاء هذا التناول محايدا علي كل الاصعدة وفي ظل مراحل تاريخية بعينها, وتبرز في هذه الكتابات طبيعة اليهودي الانسان الذي التحم مع الشارع العربي, ونجد هذه الكتابات في مصر التي شهدت أخيرا صدور اكثر من رواية, وفي سوريا صدر كتاب يوميات يهودي من دمشق للكاتب ابراهيم الجبين, وفي اليمن صدرت العام الماضي رواية اليهودي الحالي للكاتب علي المقري, وغيرها م في البداية يقول الكاتب ابراهيم عبد المجيد صاحب رواية طيور العنبر التي تناولت فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وتجلت فيها صورة اليهودي يقول عبد المجيد تناولنا انا وكتاب اخرين شخصية اليهودي في كتاباتنا الادبية بعيدا عن السياسة لانهم مثلوا مجموعة واضحة وحقيقية في مصر والدول العربية وكانوا اصحاب نشاط اقتصادي واجتماعي . ويتابع عبد المجيد قائلا: في روايتي طيور العنبر تناولت اليهود ضمن مجموعة من الشخصيات مختلفة الهويات, اذ كانت الاسكندريةوالقاهرة الي حد ما اماكن كوزموبوليتانية ذات طابع عالمي يغلب عليه التسامح بين الاديان, فكان ذلك محاولة لتوضيح صورة للمدينة في احد مراحلها التاريخية, اذ كان اليهود جزءا مؤثرا فيها وكانوا جالية كبيرة, وكشف الخطأ الحقيقي الذي وقعت فيه حكوماتنا العربية, اذ سمحت لإسرائيل بأن تجذب هؤلاء اليهود, رغم وجودهم الواضح في مصر واليمن والمغرب والعراق وغيرها من البلاد العربية, لذا وجب علي الكاتب أن يعبر عنهم عندما يتناول المرحلة التاريخية التي تواجدوا بها, لأن الصورة المروجة عن اليهودي ذي الانف المعقوف ناتجة عن عصور الاضطهاد في اوروبا والتي اشاعت عن اليهود هذه الصورة ونجدها في تاجر البندقية لشكسبير واعمال اخري قبل ذلك. اما الكاتب كمال رحيم وهو صاحب مشروع ثلاثية روائية عن اليهود صدر منها جزآن هما قلوب منهكة و ايام الشتات و بصدد اصدار الجزء الثالث يري رحيم ان الصورة التي كانت متعارفه عن اليهودي ساذجة وبها جهالة ويقول: لا انكر ان في البداية كان لدي مخاوف من الكتابة عن اليهود, لكن في النهاية حسمت امري وقررت ان اكتب عنهم بصفتهم جزءا من النسيج المصري في مرحلة تاريخية محددة مثلهم مثل المسلمين والمسيحيين وانا اري ان هناك ضرورة في ذلك لأن الأدب حامل جزءا من التاريخ ان لم يتعرض الادب لهذه الفترة التاريخية سوف تطمس ولن تبقي, وكان مقصدي الرئيسي في الكتابة هو توضيح شكل الاسرة اليهودية في مصر وكيف كانت متحدة مع الشارع . ويكمل رحيم همي هو التمسك بفكرة المواطنة لانها ليست حكر علي احد, والكتابة عن اليهود اصبح لها شكل واضح في مصر والوطن العربي وهذا اتي بتشجيع الكتاب بعضهم لبعض, ولا ننكر دور الكتاب الكبار مثل احسان عبد القدوس وكتابته عن شخصيات يهودية عبر شخصيات شبة ثانوية مثل رواية انا حرة , ولكن لم يتعرض لهم بشكل واسع, والادب يكمل بعضه فما نكتبه نوع من الاستكمال ونتيجة لكتابات سابقة قام بها كتاب مثل المازني, فتحي غانم في روايته احمد وداود ونحن نحتاج الي اعادة النظر في الشخصية اليهودية وان نفرق بين اليهودي صاحب الدين والحضارة وبين الصهيوني صاحب دعاوي الظلم والعدوان واغتصاب الارض, وما يشجع الكتاب علي الكتابة ايضا عن اليهودي انها منطقة بكر صالحة للكتابة والاستلهام . ومن جهته يؤكد الباحث شريف يونس ضرورة التخلص من الصورة النمطية التي صدرت لنا عن اليهودي والتي لا تعبر عن اي واقع قائلا هناك كتابات تؤسس لمشروع تضليل القارئ وتجهيلة بشكل منهجي, متعاملا مع قارئه كأنه شخص غير مسئول ويخضع لعملية غسل مخ, واستخدام الكاتب لصور نمطية يدل علي فقر انساني وجهل ادبي, فالحركة الوطنية المصرية والعربية شهدت مشاركة يهودية, والمشكلة هي محاولات تحويل الصراع مع اسرائيل الي الصراع مع اليهود, وهذا هو المعكوس العربي للرؤية الصهيونية التي تقوم ان اليهود مكانهم اسرائيل, لكن الكتاب الان ينظرون بطريقة مختلفة فهناك تغيير عام في الوعي استخدمة وعمل عليه بعض الادباء.اما الناقد د. محمد بدوي يري ان هذا النوع من الكتابة راجع الي عدة اسباب منها: ندرة الموضوعات امام الكتاب, وما بهذه المنطقة من اثارة وما يعطي الكتابة من زخم, وايضا طبيعة العصر والرغبة في التعريف بالآخر المضاد, والثقافة العربية لها وجهة نظر محددة عن اليهودي, وبالتالي يتستتع الكاتب بالدخول لهذا العالم المبهر ليتعرف عليه ويمكن ان يفتح له بابا للترجمة, وبوجه عام العرب ليس لديهم ازمة الاضطهاد التي مارستها اوروبا ضد اليهود, فكانت الدولة العثمانية تضم الطوائف الدينية المختلفة . يري بدوي ان هذه الفكرة استمرت في بلادنا العربية, كما ان الصورة التي كانت تصل لنا عن اليهودي نتيجة لثقافة تقليدية صدرتها اوروبا, ولم يتعرض اليهود لاي اضطهاد حتي هاجروا الي اسرائيل وهذا هو الخطأ التاريخي في تقديري التي وقعت فيه الانظمة العربية فلم تستطع ايجاد سياق يبقي هؤلاء اليهود حتي اصبحت اسرائيل ملجأ لهم .اما الدكتور محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ باداب القاهرة فيري ان المخاوف التي واجهت الكتاب عند تناول الشخصيات اليهودية جاءت من مشكلة الخلط قائلا كانت هناك فترة من الخلط في الصراع العربي الاسرائيلي بين اليهودي والصهيوني, لكن حاليا بدأ الموضع يعود لنصابة الحقيقي ونكتشف الخطأ في الخلط, وان هناك تاريخ من التعايش مع اليهود, فما يحدث هو نوع من المراجعة والعودة للتسامح, واظهار ان التعصب ليس من سمة العرب, وان للثقافة العربية تراثا كبيرا من التسامح مع اليهود, وبهذا التصور الجديد نستطيع مواجهة كل الدعاوي التي تقوم ان كل عربي ارهابي.