من فشل إلي فشل تمضي جماعة الإخوان المحظورة, متجاهلة الحقائق علي الأرض وتصاعد الغضب الشعبي ضدها مما يفقدها أقوي مبررات وجودها, تزامن ذلك مع تساقط رهانها علي تدخل مستر أوباما لإعادة مرسيها إلي موقعه, حيث اعترف الرجل بلغة لا لبس فيها بفشل المعزول في حكم المصريين وأن عزله جاء استجابة لرغبة ملايين المصريين الذين خرجوا إلي الشوارع في30 يونيو للمطالبة برحيله, هكذا اعترف أوباما بالحقيقة التي يرفض الإخوان التسليم بها ويتلذذون بممارسة أعمال صبيانية لا علاقة لها بالسياسة, تتراوح ما بين تنظيم مسيرات عبثية تنتهي غالبا بالصدام مع الأهالي وتدخل الأمن, ومرورا بحملة العبارات والألفاظ التي تخدش الحياء والأخلاق ويعاقب عليها القانون فوق الحوائط والمنشآت الحكومية وحتي محطات مترو الأنفاق والأتوبيسات وتكشف عن حقيقة سعارهم علي السلطة, وليس انتهاء بمحاولاتهم اليائسة لتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات والتي لا يقل عنها سعيهم لإفساد احتفالات المصريين بذكري نصر6 أكتوبر, التي انطلقت برفع صور رموز صناع النصر من أمثال المشير أبو غزالة والجمسي والشاذلي جنبا إلي جنب شاطرهم. هذا التفكير العدمي الذي تتبناه قيادات الجماعة يعكس إفلاسا وتخبطا غير مسبوق ويؤكد عدم استيعاب دروس عامهم اليتيم في الحكم وعزل مرسي, وكما سقط رهانهم علي تنظيم مسيرات مليونية تقسم الشارع المصري, وكذلك تكوين جمهوريات كرتونية من عينة رابعة والنهضة وكرداسة, فشل مخططهم في نشر الفوضي بالجامعات والمدارس بعدما بادر الطلاب بالتصدي لهم والدفاع عن مؤسساتهم التعليمية كمنارات لنشر العلم والتنوير وليس تحويلها إلي ساحات للمتاجرة بالدين وخلطها بالسياسة. المهم أن خارطة المستقبل تسير بخطي حثيثة, فالعام الدراسي بدأ في موعده والدراسة انتظمت في المدارس والجامعات وآخرها كرداسة أمس, وعملية كتابة الدستور تمضي علي قدم وساق, حيث انتهت لجنة الخمسين من إنجاز نصف المهمة ويتبقي النصف الأهم ولن تنجح مماحكات وألاعيب حزب النور في صرف اللجنة عن مهمتها في إعداد دستور عصري يليق بتضحيات الشعب المصري, دستور يعلي من قيمة المواطنة ويرسخ الانتماء لتراب الوطن ويساوي بين المصريين في الحقوق والواجبات وينقل مصر إلي رحاب الأمم الناهضة, وليس دستورا يخاصم الحداثة ويحاول إعادة الزمن إلي الوراء عبر شرعنة تزويج القاصرات. وليس من شك في أن المناقشات والخلافات بين المشاركين في لجنة الخمسين ظاهرة صحية, تعكس روح التنوع والتعدد التي تتسم بها مصر وتقدم فرصة للمناقشة الجادة قبل الصياغة النهائية للوثيقة الدستورية, التي نأمل أن تكون تعبيرا حقيقيا عن تطلعات الشعب المصري وتحظي بتوافق الغالبية العظمي من المصريين, وهذا لن يتسني دون تلافي أخطاء دستور الإخوان الذي تم سلقه بليل, فكان مصيره السقوط مع الجماعة. واللافت أن جدلا شديدا يدور داخل اللجنة بشأن تضمين نص يحظر إنشاء أحزاب علي أساس ديني وهو ما يعارضه حزب النور بشدة ويستنكره, رافضا علي لسان رئيسه يونس مخيون تحميل الأحزاب الإسلامية المسئولية عن أخطاء الإخوان, وهو الأمر الذي يتعين بحثه بمنتهي الحكمة والدقة لتهيئة التربة أمام النبت الدستوري الجديد المفترض أن يكون تعبيرا عن كل ألوان الطيف السياسي. وإحقاقا للحق, فرغم التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور حازم الببلاوي إلا أنها تأخذ خطوات جادة وملموسة للتخفيف عن كاهل المواطنين البسطاء, مثل قرار إلغاء المصروفات المدرسية والجامعية هذا العام, وكذلك تحديد الحد الأدني للأجور ب1200 جنيه اعتبارا من يناير المقبل, ومواصلة المفاوضات مع رجال الأعمال واتحاد النقابات لتطبيقه في القطاع الخاص جنبا إلي جنب مع السعي لتحديد الحد الأقصي للأجور وهو مطلب رئيسي من مطالب ثورتي25 يناير و30 يونيه التي يستمد النظام الحالي شرعيته منها. وتحسب للحكومة الحالية, قدرتها علي الحسم وإعلانها حربا بلا هوادة ضد الإرهاب الذي تقوم به جماعات المتأسلمين, ووقوفها بجانب أسر الشهداء الذين قدموا أرواحهم رخيصة كي تحيا مصر أبية, ولا ننسي مشهد اصطحاب وزير التربية والتعليم د. محمود أبو النصر ومحافظ الجيزة د. علي عبد الرحمن لنجلي شهيد كرداسة اللواء نبيل فراج لمدرستهما, والمعني أن الدولة لن تنسي تضحيات شهداء الجيش والشرطة الذين باتوا هدفا لرصاص الإرهابيين وطلاب السلطة وتحديدا منذ نجاح ثورة30 يونيه. كما يحسب لها أيضا عدم التسرع في إعادة حركة القطارات بين القاهرة والمحافظات, متحملة خسائر تبلغ مائتي مليون جنيه حفاظا علي أرواح المسافرين, أضف إلي ذلك أن عودتها جزئيا والتأكيد علي انتظام الحركة بالكامل قبل عيد الأضحي يؤكد أننا نسير علي الطريق الصحيح. ويتعين أن يدرك الجميع أن الإخوان الذين يعمدون إلي تنظيم المظاهرات اليائسة, لن يكفوا عن اتباع السبل التي تمكنهم من التحايل علي قرار الحظر, حيث بدأ مخطط الجماعة عبر تفعيل الخلايا النائمة واختراق عدد من الأحزاب القائمة وتحديدا حزبي الدستور ومصر القوية, كما يتواتر الحديث عن عقد صفقة مع عبد المنعم أبو الفتوح القيادي السابق في الجماعة مقابل ترشيح الإخوان علي قوائم الحزب في الانتخابات المقبلة, وهو الأمر الذي يجب أن ننتبه إليه ولا نسمح به. هذا لا يعني الرفض لفكرة المصالحة الوطنية, لكنها تظل مشروطة بإعلان التوبة عن جرائم الإخوان وتقديم اعتذار واضح للشعب المصري والفصل بين العمل السياسي والدعوي, كما تتكرر أخطاء الماضي وتستقطب الجماعة أصوات الدهماء والبسطاء ممن يسهل التأثير عليهم بكيس سكر أو أرز. أيضا يتعين أن تكون أعين الأمن أكثر يقظة وحرصا في ضوء توقعات وتقديرات تكشف عن اتجاه الجماعة نحو التشدد وتبني اغتيالات وأساليب زرع القنابل والمتفجرات للانتقام من خصومها, علي نحو ما حدث بكمين كوبري مسطرد والمنيل, فهذا الأسلوب متوقع تماما بعدما أصبحت الإخوان جماعة محظورة بقوة القانون وبقوة الإرادة الشعبية, إذ يستهدف الأهالي عناصرها فور تطاولهم أو تحريضهم علي الجيش. وإذا كنا نعلم أن الغرض من المسيرات والتظاهرات التي ينظمها الإخوان هو ضرب الاقتصاد وإحراج الحكومة المصرية, فإن الأسبوع الماضي حمل أخبارا سيئة للجماعة تمثلت في رفع بعض الدول للحظر علي السفر لمصر مثل فرنسا وسويسرا, وهو القرار الذي جاء بعد جولة وزير السياحة هشام زعزوع الأوروبية والذي من شأنه أن تتبعه قرارات مماثلة مما يبشر بتعافي قطاع السياحة خلال الموسم الشتوي ومن ثم بدء تعافي الاقتصاد المصري. خلاصة القول تخطئ الإخوان إن راهنت علي ضعف ذاكرة المصريين أو أن المصالحة ستظل مطروحة أمامها علي الطاولة دون سقف زمني, ومن ثم يتعين أن تختار بين مواصلة السير في طريق الندامة ومعاداة الوطن والتحريض علي الجيش والشرطة, وبين الرجوع إلي طريق السلامة والتكفير عن خطايا قادتها وبدء صفحة جديدة لإصلاح ما أفسدته.