قد يري البعض فيما يحدث الآن من ردود أفعال للدول الأوروبية وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية حيال ما يحدث في مصر أمرا قد يبعث علي الامتعاض وقد يثير مخاوف البعض حتي من المفكرين والمحللين السياسيين ولكن من المؤكد أن ما يحدث علي الرغم مما له من أهمية لابد وأن تأخذ في الاعتبار إلا أنه ليس بتلك الرؤية التي يمكن أن تخيفنا أو التي تجعلنا نتزعزع وذلك للعديد من الأسباب التي سوف نتناولها بقدر من الاختصار الشديد وذلك لضيق المكان وهذه الأسباب تتعلق بمبررات موضوعية وتاريخية وأيضا قد أثبتتها ورسختها الممارسة السياسية في العلاقات الدولية مع مصدر الدول الكبري والتي قد أصبحت بمثابة ثوابت في السياسة الخارجية لهذه الدول ولاسيما الدول الفاعلة في العلاقات الدولية أو التي تعتبر من الفاعلين الأساسيين في النظام الدولي ومن المعروف أن خصائص وسمات النظام الدولي تكون من خلال طبيعة العلاقة بين الفاعلين هي التي تتحكم في النظام الدولي وسير العلاقات الدولية وهذه الدول يطلق عليها بالدول المسيطرة أم الدول الأخري أو الفريق الآخر من الدول الصغري والمتوسطة فهذه يطلق عليها بالدول التابعة وهذه الأخيرة لا ترسم ملامح النظام الولي وليس لها دور في تحديد السياسة الخارجية بل هي بمثابة منفذ لهذه السياسات التي ترسمها الدول الكبري وهي هنا تكون بمثابة قطع الشطرنج التي تحركها الدول الكبري وتعمل علي تعديل مسارها وتشكيلها بالكيفية التي تجعلها تدور في فلكها وذلك ما فعلته الولاياتالمتحدة ولكنها قد فشلت فيه إلي حد كبير والمحصلة هي مقاومة الدول لها وأنها قد جعلت النظام الدولي نظاما أكثر توترا حيث زادت معدلات العنف البنياني في النظام الدولي بعد ان أصبحت القطب الوحيد وقد صار معدل العنف أعلي مما كان عليه وهناك احصائيات تؤكد ان معدل الصراعات علي مستوي العالم قد زاد علي نحو كبير بعد انفراد الولاياتالمتحدة بادارة العلاقات الدولية ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط التي تعد المنطقة القلب أو المحور أو منطقة الصراعات الساخنة.. هناك مجموعة من الدول تعد بمثابة دول محورية أو دولية من خلالها يمكن أن يتحكم في حجم الصراعات ليس في المنطقة ولكن علي مستوي العالم منها العراق وسوريا تأتي مصر فمصر هي الدولة المحورية الأولي في المنطقة وهي دولة ذات تاريخ طويل وان الجغرافيا والتاريخ قد حدد لمصر دورها الثابت والمحوري وجعلها بمثابة المدار الذي تدور فيه السياسات الدولية التي تقف وراءها مصالحها في المنطقة.. لذلك فان اخطاء السياسة الخارجية الأمريكية قد اصابت مصالحها بالضرر ولاسيما بعد أن حاولت استخدام القوة في التعامل مع الدول وذلك من أجل اجلاء تحقيق أهدافها وقد كان السبب وراء ذلك هو عدم تقديرها للأمور وأنها لم يكن لديها أية خطة أو رؤية الإدارة السياسية الدولية وذلك بعد غياب الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وكما قال بوش الأب في أحد تصريحات ذات مرة بأنه قد أصبح الآن من الممكن لأمريكا أن تلجأ إلي استخدام القوة علي نحو أكبر من ذي قبل وذلك بأقل مغامرة ويقصد بها مغامرة أو مخاطرة المواجهة النووية مع الاتحاد السوفييتي لذلك لجأت إلي استخدام القوة في العراق وأفغانستان وقد نشط دور قوات المارينز وهو ما جعلها تفقد الكثير من مصداقيتها وتخرق أحد القواعد الهامة في السياسة الأمريكية وقد كان ذلك مع أحداث11 سبتمبر وإعلان الحرب علي الإرهاب وكانت هذه أول مرة تعلن فيها الحرب منذ ميثاق الأممالمتحدة في(1948) والذي حرم وجرم لجوء الدول إلي العنف في تسوية مشكلاتها الدولية أو عدم استخدامه في العلاقات الدولية وقد كان ذلك بمثابة ردة ونكوص في مسيرة العلاقات الدولية وقواعد القانون الدولي التي ترسخت طوال ما يزيد عن نصف قرن من الزمان ولكن الأهم من هذا وذاك هو أنها قد تجاوزت ذلك التعهد وهو عدم السماح للقوات الأمريكية بالقتال خارج الحدود الأمريكية.. أيا كان الأمر فان السياسة الخارجية الأمريكية منذ بوش الأب وقد طورها ووضعها موضع الممارسة بوش الابن وأوباما قد وجد نفسه محصورا في ذلك الإطار حتي لو حاول الافلات منه.. أحد الأسباب التي أدت إلي ذلك الرد فعل من أوباما هو عنصر المفاجأة التي قطع عليه الطريق فالرجل قد حاول أن يحقق نجاحا في السياسة الخارجية وأن يوفي بما وعد به قبل دخوله البيت الأبيض وهو اقامة الدولة الفلسطينية إلي جانب الدول العبرية وهو ما لم تتمكن منه وكذلك الحفاظ علي المصالح الأمريكية وعدم ضربها وقد استطاعت إسرائيل أن تضع أمامه مخططها القديم وترسم له الخطة وتؤكد علي أن الظروف قد أصبحت مواتية الآن مع تصاعد التيارات الإسلامية ومجيء الإخوان إلي سدة الحكم وكان هناك صفقة الكل يعلمها وقد كان الإخوان سوف ينفذونها ولكن في30 يونيو خرج الشعب وقطع الطريق عليهم وأفسد هذه الصفقة ذلك هو ما وراء هذه التصريحات الأمريكية والتي هي لا تعدو ان تكون سوي مجرد مناورات أو ما يطلق عليه في علم السياسة احياء ماء الوجه.. ولكن هناك ثوابت في السياسة الأمريكية تجاه علاقتها بمصر وهذه من الصعب أن تتغير لأنها ترتبط بموضع مصر في العلاقات الدولية بصفة عامة وفي منطقة الشرق الأوسط التي تعد ملتقي مصالح دول العالم وتوجد بها العديد من المصالح الأمريكية بعبارة أخري أن منطقة الشرق الأوسط هي الحلبة التي تمارس عليها دول العالم ما يعرف في علم السياسة بلعبة الأمم ومصر تعد في هذه المنطقة أحد عناصر ضبط ايقاع الحركة بها وأيضا عدم خروجها عن الخطوط والحدود المسموح بها وجنوح الدول الذي يمكن أن يؤدي ليس فقط إلي ضياع مصالحها بل التأثير علي قواعد اللعبة والخروج عن المألوف وهو ما قد يصل في النهاية إلي الاضرار بمصالحها ووقوع الصدام.. منطقة أخري هامة علينا أن نؤكد عليها أن الولاياتالمتحدة تدرك أن منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الساخنة وذلك بفعل وجود ليس فقط القرارات الهامة في العالم وعلي رأسها النفط وليس بفعل موقعها الاستراتيجي والذي يعد هاما بالنسبة لها من أجل الهيمنة علي العالم ومن ثم ضمان تحقيق مصالحها والحفاظ عليها ولكن أن هذه المنطقة يوجد بها أهم صراع وأطول صراع في التاريخ بل واعقد صر اع وهو الصراع العربي الإسرائيلي وهذا الصراع هو الذي يمكن أن يؤدي إلي تعكير صفو العلاقات الدولية ويؤدي إلي صدام هذه الدول والطرف الرئيسي في ذلك الصراع هو إسرائيل ومصر وتلك حقيقة أساسية وأن دولة المواجهة الأساسية مع إسرائيل هي مصر ومن ثم فان مصر تعد وذلك ليس حسب كلامنا ولكن كلام داهية السياسة اليهودي الأصل هنري كيسنجر هي أنها مفتاح السلام والحرب في هذه المنطقة وأن أية محاولة لاقرار السلام في المنطقة لا يمكن أن تتم أو تنجح إلا من خلال مصر وأن هناك حقيقة أخري هامة الآن من التأكيد عليها وهي تعد أحد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة الا وهي أن أية صراع في هذه المنطقة مهما صغر يمكن وعلي نحو من السرعة تدويله وهو ما يجعل ضمان اقرار السلام في هذه المنطقة أو علي الأقل عدم تجاوز صراعاتها حد معين قد يؤدي إلي اندلاع حرب عالمية علي رأس أولويات هذه الدول الكبري في العالم لذلك فهي تتعامل مع الدول المفتاح مثل مصر بقدر كبير من الحذر وفي ذات الوقت تسعي إلي أن تكون علاقتها بها وطيدة ومن ثمن فمن الصعب أن تنقلب سياسة الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية علي مصر وذلك لمجرد أن الإدارة الأمريكية قد أخفقت في تحقيق أحد صفقاتها وقد يكون رد الفعل هذا هو مجرد توزيع أدوار وذلك لأجل كما قلنا الحفاظ علي دماء وجههم كما أن الأمر في النهاية يعني إسرائيل إذ أن المصلحة الأكيدة هي إسرائيل وذلك ما جعل أوباما يستشيط غضبا وكأنه بذلك يحاول ارضاء إسرائيل التي أصيبت بضربة بعد ان أصبحت علي بضع خطوات من غلق الصراع العربي الإسرائيلي فمصر لدي السياسة الخارجية الأمريكية تعد رمانة الميزان وهي الدولة أي الوسيطة والمعتدلة وهي من الدول ذات الخبرة العالية جدا في إدارة شئون المنطقة وفهم ما تنطوي عليه من فخاخ وشراك تحتاج إلي خبرة عالية وهي تعد الدليل بسياسات الدول حيث تقودها إلي الدروب الصحيحة لكي لا تنزلق قدماها وتسقط وتدخل في معضلات من الثوابت الذي يقوم برسمها ووضعها هم مستشارين الأمن القومي الأمريكي وخبراء السلطة السياسية والإدارة الأمريكية ورؤساء الولاياتالمتحدة يسيرون عليها ولا يستطيعون الخروج عليها والعلاقات المصرية الأمريكية تعد من ثوابت ولعل تلك المشاورات المتواصلة ما بين تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي والفريق أول عبدالفتاح السيسي تؤكد صحة ذلك وأن هناك ضغطا مارسه البنتاجون علي الإدارة الأمريكية للحيلولة دون إتخاذ موقف متشدد من مصر وهناك جهة لرفض قطع المساعدات الأمريكية عن مصر كل ذلك يؤكد أنه ليس بالسهولة التي قد يتذكرها البعض أن تضع أمريكا مصر تحت أية نوع من أنواع الحصار لأن مصر دولة محورية هي الرائد الاقليمي دولة لها تاريخها ودورها في المنطقة بحكم الجغرافيا والتاريخ ووضعها وموقعها كما قال العالم الرائع الدكتور جمال حمدان في دراسته الرائعة حول شخصية مصر وصفاتها ومكانتها في العالم أجمع وتأثيرها بحضارتها وكذلك من خلال الموقع فهي درة العالم ودولة الحد الأوسط وأيضا هي مفتاح الحرب والسلام في المنطقة وصرة السياسة الخارجية العالمية. رابط دائم :