لقد تعلمنا في علم السياسة الدولية عند دراسة أبعاد وخصائص السياسة الخارجية للقوي الكبري, أو الدول الفاعلة في النظام الدولي, وعلي رأسها بالقطع الولاياتالمتحدةالأمريكية, أن العالم في علاقاته وسياساته الخارجية يقوم علي تبادل المصالح, وأن أمام المصالح يمكن أن تتغير المواقف والصداقات, وحتي العداوات, كما أن من الخصائص الأخري التي تتسم بها السياسة الخارجية الأمريكية, التي عليها إجماع من معظم علماء السياسة الغربيين, وحتي الأمريكيين, هي السطحية, وعدم العمق, وذلك في معرض المقارنة بينها وبين السياسة الأوروبية, أو الفكر السياسي الغربي, وقد كان ذلك محل تعقيب من الكثيرين من علماء السياسة خلال أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية التي يعود عائدها ومردودها السلبي بالقطع, ليس فقط علي الولاياتالمتحدة, ولكن علي معظم دول العالم, كما أن الدور العالمي للسياسة الخارجية الأمريكية, باعتبارها الدولة المهيمنة علي العلاقات الدولية التي من خلالها تتدفق هذه العلاقات, قد زاد من هيمنتها علي العالم, وهو ما جعلها القطب الوحيد, والنتيجة المباشرة والمحصلة لذلك هي أنه أصبحت هناك أحادية في التعامل مع الدول, أي أن القرارات تأتي من أعلي لأسفل دون أن تكون لها تغذية استرجاعية, أي دون أن يكون للدول رأي فيها, لذلك ساد التعامل في السياسة الأمريكية النمط الإملائي, أي أنها تملي سياساتها علي الدول بدلا من النمط التوفيقي, وإن كانت في هذه المرحلة تجمع ما بين النمطين الإملائي والتوفيقي حتي وإن ساد النمط الأولي علي نحو واضح. وقد أدي ذلك في النهاية إلي زيادة درجة العداء للسياسة الأمريكية, وللنخبة السياسية الأمريكية من قبل العديد من الدول التي طالها شر السياسة الأمريكية الفرضية والقهرية, وقد كان توسع السياسة الأمريكية في استخدام العنف في فرض سياساتها علي الدول الأقل في النظام الدولي, ولكي ما تجعلها تدور في فلكها, أحد الأخطاء والمثالب البارزة في السياسة الأمريكية, ورأينا أن معدل الصراعات والعنف في العالم بعد أن انفردت الولاياتالمتحدة بإدارة العلاقات الدولية قد زاد علي نحو كبير, وكما تؤكد الإحصائيات أن منطقة الشرق الأوسط, وهي تلك المنفذ الأكثر سخونة وحساسية, والتي تعد نقطة لتلاقي المصالح الأمريكية وتشابكها مع العديد من الدول, قد استأثرت وحدها بثلث الصراعات والحروب علي مستوي العالم, فهي منطقة ساخنة للصراع, لذلك فهي تعد أحد مصادر التوتر علي مستوي النظام الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية, وهناك مؤشر آخر يدل علي مدي فشل السياسة الخارجية الأمريكية, وهو زيادة الصراعات علي مستوي العالم, وأنه كلما زاد عدد الصراعات زاد فشل السياسة الأمريكية, كما أن ارتفاع معدل الصراع والعنف الدموي يعني المزيد من الفشل, لذلك لم يكن من الغريب أن يحدث كل ذلك التخبط في المنطقة, وتصل إلي ذلك الحد من التشتت والانفصال, حتي ولو كان ذلك جزءا من مخطط أمريكي إسرائيلي, إلا أن كيفية التنفيذ تعني المزيد من التشويش, لذلك فقدت السياسة الأمريكية مصداقيتها, وفقدت هيبتها, وأن أيا من الرموز الأمريكية, أي المسئولين عن السياسة الأمريكية, سواء كان أعضاء في الكونجرس عادة ما تكون تصريحاتهم تفتقر إلي العمق, وقد تكون متناقضة, ومحل تعقيب. لقد رأينا الموقف الأمريكي من ثورات الربيع العربي, ورأينا أن الدبلوماسية الأمريكية قد شابها اللغط والتناقض, إذ أنها في بداية ثورة يناير كانت تؤيد موقف مبارك, وتحاول أن تجد مخرجا له, ولكن بعد فترة وجيزة كانت تصريحاتها مائعة ولا تحمل أي معني, أي أنها قد حاولت أن تكون علي الحياد, ولكن بعد أن تأكدت من ضعف موقف مبارك وحكومته, بدأت تطالبه بالرحيل, وأن عليه أن ينزل علي رغبة الشعب, إذ أن رحيله قد أصبح مطلبا شعبيا, وأن عليه أن يستجيب لذلك, وبعد أن سقط النظام السياسي المصري ورموزه, قد هللت ورحبت بالثورة, وبدأت تعلق علي الثورة بأنها قد تعد الثورة الأولي من نوعها في التاريخ السياسي المصري من حيث قوتها, وكيف أنها قد أزاحت أقوي نظام سياسي في المنطقة, وأنها قد وعدت الشباب بأنها سوف تقوم بمساعدة مصر اقتصاديا من أجل إنجاح هذه الثورة واستمرارها, لكن الأمر لم يستمر علي ذلك الوضع ورأيناها الآن تري ان هذه الثورة لم تكن مكتملة, وأن مستقبل مصر قد أصبح غامضا, والأمر مؤسف له, والذي عبرت عنه تصريحات باترسون المتقلبة أيضا, والتي تؤكد أن المتغطي بالأمريكان عريان علي حد المثل الشعبي الشائع لدينا, هي أنها في أثناء الثورة أو في أعقابها مباشرة كانت هناك العديد من اللقاءات من المسئولين الأمريكيين مع شباب الثورة والقوي والتيارات السياسية وقتذاك, وعلي رأسهم بالقطع تيار الإخوان المسلمين, وقد قرأنا وسمعنا كلنا عن لقاءات مسئولة أمريكية مع القيادات الإخوانية, وأنها كانت تري فيهم أنهم لديهم القدرة علي قيادة مصر في المرحلة المقبلة, أي بعد الثورة, وأيضا القدرة علي إحداث التحول الديمقراطي, وأنهم يمكنهم تحريك حالة الركود الاقتصادي, وأن الإخوان متمسكون بخيار السلام معاهدة كامب ديفيد, وهو ما يهم أمريكا, ولكن قالت عنهم باترسون في تصريحاتها لبعض النشطاء السياسيين: إن الإخوان محدودو الفكر, وإن الوضع الاقتصادي في مصر منهار, وإن الصورة بالنسبة للوضع الاقتصادي قاتمة, وأن الولاياتالمتحدة لم تكن تتوقع الأداء المتواضع, وعدم الخبرة لجماعة الإخوان المسلمين في إدارة شئون البلاد, وأن الاقتصاد المصري ينتقل من سيئ لأسوأ, وأن شعبية الإخوان قد تراجعت في الشارع المصري في مقابل ارتفاع واضح لشعبية السلفيين الذين تتحفظ علي آرائهم وأفكارهم السياسية, كما أن المعارضة في مصر مفككة وليس لها قائد برغم الدور الذي لعبه الدكتور البرادعي قبل ثورة يناير, ولكنه لا يحظي بتأييد واسع في أوساط الشعب المصري. وخلاصة هذه الأوضاع لديها هي سقوط الدولة المصرية, ذلك ما قالته باترسون ورصدته, وهو أيضا ينم عن تغير المواقف الأمريكية, وأن دور أمريكا هو دور المتفرج وليس الحليف أو الشريك الذي يمكن أن يوثق فيه من قريب أو بعيد, وقد يكون قولها بأن الإدارة الأمريكية لم تكن تتوقع ذلك الأداء الضعيف للإخوان, أحد المؤشرات المهمة علي سطحية السياسة الخارجية الأمريكية وفشلها, وأنها سياسة قصيرة المدي, أو تأتي في إطار دائرة الرد فعل وليس ثوابت ومحددات, كما قالت باترسون عن أداء الإخوان إنه يتناقض تماما مع ما كان يصرح به من قبل ذلك بعدة أشهر, كما أن باترسون قد تحدثت عن الأزمة الاقتصادية, والوضع الاقتصادي المنهار, لكنها لم تتحدث عن الدور الأمريكي في هذه الأزمة, وما هي جهودها لدعم الاقتصاد المصري, ولكي ما تزيد من قوة أداء حكومة الإخوان, وفي الوقت نفسه فرص نجاحها التي من المؤكد أنها كانت سوف تعتبر نجاح السياسية الأمريكية, ولكن تلك هي أمريكا, وسواء كان من في السلطة ينتمون للإخوان أو من الليبراليين, فإنها لن تتغير, وأن الأداء لأي حكومة يتوقف علي مجموعة من المقومات والظروف الداخلية والخارجية, وليس علي تأييد الولاياتالمتحدة من عدمه أو تصريحات باترسون وغيرها التي تشبه الطقس المتقلب. دكتوراه في العلوم السياسي رابط دائم :